أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل الدول - البشتون وإسرائيل: بين الأسطورة التوراتية وأدوات المشروع السياسي















المزيد.....

البشتون وإسرائيل: بين الأسطورة التوراتية وأدوات المشروع السياسي


عادل الدول
كاتب

(Adil Al Dool)


الحوار المتمدن-العدد: 8521 - 2025 / 11 / 9 - 17:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يُطرح من حين لآخر سؤال يبدو للوهلة الأولى خارج سياق الصراعات المعاصرة: هل ينحدر البشتون، أكبر المجموعات العرقية في أفغانستان وباكستان، من "القبائل اليهودية العشر المفقودة"؟ وراء هذا السؤال، الذي يجمع بين الأساطير القديمة والهواجس الجيوسياسية الحديثة، تقف شبكة معقّدة من الروايات الشعبية، والتداعيات الديموغرافية، وأجندات سياسية تسعى إلى توظيف الدين والتاريخ في خدمة مشروع قومي.

السياق الإسرائيلي: الهواجس الديموغرافية وبحثًا عن "الضائعين"
منذ تأسيسها عام 1948، واجهت دولة إسرائيل تحديًا وجوديًا مزدوجًا: أمني وديموغرافي. ففي ظل موقع جغرافي محصور، وصراع دائم مع محيط عربي وإسلامي معادٍ، سعت المؤسسات الإسرائيلية — السياسية والدينية — إلى تأمين "أغلبية يهودية" داخل الدولة، ليس فقط عبر الهجرة، بل أيضًا عبر توسيع تعريف الهوية اليهودية ذاتها.

ومن هنا نشأ ما يُعرف بـ"مشروع استرجاع القبائل المفقودة"، المبني على تأويل حر لآيات توراتية، خصوصًا الآية 12 من الإصحاح الحادي عشر من سفر أشعياء:

"ويرفع راية للأمم ويجمع مشتتي إسرائيل ويضم مبددي يهوذا من أربعة أطراف الأرض."

هذا التأويل دفع مؤسسات دينية وسياسية إسرائيلية إلى البحث عن "يهود مفقودين" في كل بقعة من العالم: من إثيوبيا إلى الهند، ومن روسيا إلى غانا، ومن الصين إلى قبائل الهنود الحمر. وفي كل حالة، رُبطت هذه المبادرات بثلاثة أهداف متشابكة:

توفير شرعية دينية لاستمرار الهجرة إلى "أرض الميعاد".
تعزيز التعداد السكاني اليهودي داخليًا لمواجهة الخطر الديموغرافي.
بناء تحالفات ثقافية أو استراتيجية مع مجتمعات جديدة، حتى لو كانت بعيدة جغرافيًا.
البشتون والرواية التوراتية: جذور أسطورية أم بناء سياسي؟
في هذا السياق، برزت رواية تقول إن البشتون — الذين يشكلون العمود الفقري الديموغرافي لأفغانستان وباكستان — هم نسل أحد أسباط إسرائيل الضائعة. ويدّعي البشتون أنفسهم أن جدهم الأعلى هو أفغانه، حفيد الملك شاؤول، وأن أسماء قبائلهم (مثل يوسف زاي، أفريدي، راؤوفيني) تعود إلى أسماء الأسباط التوراتية.

المصدر الأقدم لهذه الرواية هو كتاب "مخزن أفغاني" الذي ألّفه نعمة الله الهروي عام 1613 في بلاط السلطان المغولي جهانغير. لكن يجدر التذكير أن الكتاب كُتب في سياق صراع سياسي بين البلاط المغولي وبعض قبائل البشتون (كاليوسفزي والختك)، وقد يكون احتواؤه على نسب إسرائيلي جزءًا من محاولة لترقية وضع البشتون في سلّم الشرف العرقي آنذاك، لا دليلاً تاريخيًا موضوعيًا.

علاوةً على ذلك، فإن التشابهات الثقافية المذكورة كالعادات، أو أشكال اللباس، أو حتى بعض الطقوس لا ترقى إلى مستوى البرهان. فكثير من هذه العادات (مثل ضيافة الضيف، أو الولاء القبلي، أو طهارة الطعام) شائعة في مجتمعات رعوية عبر آسيا الوسطى والشرق الأوسط، ولا تنفرد بها اليهودية أو البشتون.

التدخل الإسرائيلي: من المختبر إلى الشاشة
في يناير 2010، أفادت تقارير صحفية — أبرزها من "لو فيغارو" بأن وزارة الخارجية الإسرائيلية مولت بحثًا جينيًا يُنفَّذ في المعهد الوطني للبحوث في مومباي بالهند لفحص جذور البشتون البيولوجية. وجُمعت عيّنات دم من منطقة "مالهباد" حيث يعيش بعض البشتون الهنود، في محاولة لاستبدال الأدلة الشفوية بأخرى "علمية".

لكن حتى اليوم، لم تُنشر نتائج موثّقة لهذا البحث، ولا اعترفت أي هيئة دينية يهودية (مثل مجمع الحاخامات في إسرائيل) بالبشتون كيهود. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن اليهودية الأرثوذكسية، التي تتحكم في قوانين الجنسية الدينية في إسرائيل، تشترط اليهودية من الأم أو اعتناقًا دينيًا رسميًا — شرط لا ينطبق على البشتون المسلمين.

في المقابل، تمّ توظيف الرواية في إنتاجات إعلامية إسرائيلية، أبرزها الوثائقي "بحثًا عن القبائل الضائعة"، الذي يعرض البشتون كـ"قبيلة يهودية تأسلمت" واستقرت في ممر خيبر. هذه الأعمال، رغم طابعها الدرامي، تفتقر إلى المنهجية الأكاديمية، وتقدّم فرضيات كأنها حقائق مسلّم بها.

اليهود الأفغان: واقع مختلف تمامًا
من المهم التمييز بين البشتون من جهة، واليهود الأفغان من جهة أخرى.
فاليهود الأفغان — الذين عاشوا في كابول وهرات وغيرها — كانوا جالية صغيرة منفصلة عن البشتون، يُقدّر عددها بحوالي 10 آلاف شخص في أوائل القرن العشرين. وبعد أحداث 1948 و1967 وحرق المسجد الأقصى عام 1969، هاجر أغلبهم: الأغنياء إلى نيويورك، والفقراء إلى القدس وتل أبيب.
ويُقدّر عددهم اليوم في إسرائيل بنحو 10 آلاف نسمة، وفق مصادر إسرائيلية.

ومن المفارقات أن بعض يهود أفغانستان، مثل إسحق ليفي (الذي توفي في كابول عام 2005)، كانوا يكتبون آيات قرآنية كتمائم لزبوناتهم المسلمات — دليل على الاندماج الثقافي العميق، لا على وجود روابط توراتية مع البشتون.

كما أشار إسحق بن زفي، الرئيس الإسرائيلي الثاني، إلى خصوصية يهود أفغانستان، مؤكدًا أنهم ليسوا من البشتون، بل جالية يهودية مستقلة لها تقاليدها وطقوسها.

هل يمكن "إثبات" أصول تعود إلى 2700 سنة؟
من الناحية العلمية، يشكك باحثون في إمكانية التحقق من النسب بعد آلاف السنين من التهجير والاختلاط العرقي. فالحمض النووي البشري يخضع لطفرات وتداخلات معقدة، ولا يمكن الاعتماد على عيّنات محدودة من منطقة واحدة لاستنتاج أصل جماعة بشرية كاملة.

كما أن محاولات ربط الهوية بتحليلات جينية غالبًا ما تكون محمّلة إيديولوجيًا. فالهندسة الوراثية، رغم دقتها، لا تُفسّر الهوية، بل تُستخدم أحيانًا لتأكيدها مسبقًا، لا لاكتشافها.

بين الأسطورة والمشروع
لا شك أن رواية "البشتون من نسل بني إسرائيل" تحمل بعدًا رمزيًا وثقافيًا مهمًا داخل الذاكرة البشتونية، وقد تكون وسيلة لتأكيد العراقة أو التمايز.
لكن عندما تُختطف هذه الرواية من قبل جهات سياسية — إسرائيلية أو غيرها — وتوظف في سياقات أمنية أو ديموغرافية، فإنها تتحوّل من تراث شعبي إلى أداة مشروع قومي.

وفي النهاية، تبقى الفرضية غير مثبتة علميًا أو دينيًا، وتفتقر إلى الدعم المؤسسي من الجانب الإسرائيلي نفسه. أما ما يُروّج له في وسائل الإعلام أو عبر منصات التواصل، فهو غالبًا تعبير عن حنين أسطوري من جهة، واستراتيجية تأويل سياسي من جهة أخرى — لا أكثر.

والسؤال الأهم ليس: "هل البشتون يهود؟"، بل: لماذا نحتاج اليوم إلى تصديق أنهم كذلك؟



#عادل_الدول (هاشتاغ)       Adil_Al_Dool#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يُشلّنا الخوف من الخطأ: من تبرير النية إلى امتلاك الأث ...
- هل يحتاج العالم العربي إلى ديمقراطية... أم إلى رؤية جديدة لد ...
- قانون جانتي: يُقلّل من الحسد الطبقي، ويُعزّز التماسك الاجتما ...
- هوليوود تُعيد كتابة سرديّتها: حين يكسر النجوم صمتهم عن فلسطي ...
- التسامح مع عدم اليقين
- الإنسان في عصر البيانات الرقمية: بين الوعي والسيطرة
- يطير الملفوظ... ويبقى المكتوب
- الجذور في الجحيم: في معنى المعاناة كطريقٍ للتحول
- الوساطة منهج فكري وثقافة مؤسسية
- مؤشر مايرز بريجز للأنماط (MBTI) و 16 نوعاً من الشخصية
- تعلم مهارات التعاطف والشفقة على الذات في المدرسة
- بين الطابور والطيران: مأزق الذات بين الأمان المُقنَّن والحري ...
- النجوم لا تُقارن
- أمة بلا سؤال: جسد بلا روح
- رقصة بين ضفتي الإنسان
- ولادة خارج الصندوق


المزيد.....




- مصر: رجل يذبح زوجته وابنه ووزارة الداخلية تكشف تفاصيل
- صورة -الجلابية- في المتحف تثير النقاش حول ملابس المصريين
- -مليار دولار وصلت إلى حزب الله خلال عام-.. واشنطن ترى الفرصة ...
- إسرائيل تتسلم جثة الأسير هدار غولدن
- غزة.. انطلاق حملة تطعيم الأطفال دون سن الثالثة
- وثيقة: أميركا تربط المساعدات الصحية بالحصول على بيانات مسببا ...
- منشور للقسام يسحب الذرائع من الاحتلال ويحدد مسار الأيام المق ...
- وفاة العلامة المصري زغلول النجار عن 92 عاما
- كاتب روسي: شبح النووي يطل على العالم وهذه أهم التجارب السابق ...
- إجلاء أكثر من مليون شخص بالفلبين مع اقتراب إعصار -فونغ وونغ- ...


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل الدول - البشتون وإسرائيل: بين الأسطورة التوراتية وأدوات المشروع السياسي