أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عادل الدول - أمة بلا سؤال: جسد بلا روح














المزيد.....

أمة بلا سؤال: جسد بلا روح


عادل الدول

الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 00:10
المحور: قضايا ثقافية
    


حين تخرس الأسئلة الكبرى، لا يعود الصمت فراغًا، بل قبرًا مفتوحًا تُدفن فيه الأمة وهي لا تزال تتنفّس. لا موت أقسى من ان تمشي بين الناس جسدًا سليمًا، وعقلك مُغلّف بطبقة من الصمت المُقدّس، كأن التفكير خطيئة، والتساؤل انقلاب، والشك زندقة. الأسئلة الكبرى،تلك التي تهز عروش اليقينات المعلّبة، وتفتّش في جذور الوجود، وتسائل قداسة الماضي،وهي بالتأكيد ليست ترفًا فكريًا، بل نبض الوعي نفسه. فإذا كُمّمت، كُمّمت معها الروح، وصار الانسان ظلًا يمشي على الارض بلا روح تسأله: لماذا؟

العقل المُهجّر ورهن الحقيقة
في زمن صارت فيه المعرفة تُستورد كسلعة، لا تُولَد من رحم التأمّل والجدل، صار العقل العربي—او ما تبقّى منه—مُهجّرًا من ارض الحكايات. لم يعد يصنع أساطيره، بل يكتفي بترديد ما سمع، كأن الحقيقة وُلدت مرة واحدة، ثم ماتت. صار التراث سجنًا لا ميراثًا، والتقليد دينًا لا خيارًا، والرأي الواحد سقفًا لا يُسمح بتجاوزه. فانحسر الفضاء، وضاقت الاسئلة حتى صارت: "من قال؟" بدل "لماذا قال؟"، و"ما رأي السلف؟" بدل "ما رأي عقلي؟".

إن هذا الخنوع الفكري هو الوباء الأعظم. فهو لا يقتل الاجتهاد في الدين فحسب، بل يقتله في السياسة، وفي الاقتصاد، وفي الابداع. الامة التي تتوقف عن طرح سؤال "كيف يمكننا ان نكون افضل؟" هي امة حكمت على نفسها بالتجمد في زمن السيولة. عندما يُصبح التعلم مرادفًا لـالتلقين، وتُصبح الذاكرة اهم من الاستنتاج، فإننا لا نُنشئ علماء، بل صناديق حفظ مهترئة. يُفقد العقل قدرته على المناورة، على رؤية ما وراء النص الظاهر، على فك شفرات الواقع المعقد. يتحول الوعي من محرك استكشاف الى محرك إعادة تشغيل.

ثمن السكون: غياب العدالة وانطفاء الدهشة
والأمّة التي لا تسأل عن معنى العدالة، ولا تتساءل في وجه الظلم، ولا تُقلّب مفاهيم المقدس والوضعي، هي أمة قد سلّمت روحها لِسُدّة الغياب. تحيا جغرافيًا، لكنها ميتة وجوديًا. لا تُبدع، لا تُجدّد، لا تثور الا على ما يُسمح لها بالثورة عليه. تُعلّم ابناءها كيف يحفظون، لا كيف يفكّرون؛ كيف يطيعون، لا كيف يُسائلون. فتُولَد اجيال بلا فضول، كأن الكون قد أُغلق بابه، وانتهى سرّه.

إن العجز عن تفكيك المسلّمات هو ما يُبقي الظالم في سدة الحكم ويُبقي الجهل في قاعة الدرس ويُبقي الفقر في زاوية الشارع. السؤال هو أول فعل مقاومة. فبمجرد ان يتجرأ الفرد على التعبير عن شكه او استغرابه من وضع قائم، يكون قد بدأ في تمزيق ستار الهيمنة. الامة السائلة هي امة متيقظة سياسيًا واجتماعيًا، ترفض ان تكون مجرد متلقي لأوامر او نصوص مُتكلّسة، وتُصر على ان تكون صانعة لقرارها ومعناها.

لكن الأسئلة الكبرى،مهما طال كَمّها،لا تموت. انها تنتظر شرارة في عين طفل، او همسة في ليل مثقف وحيد، او صرخة في صدر شاعر لم يبع كلمته. انها تتنفّس في الخفاء، وتتربّص بلحظة يقظة لتُطل من جديد، كالفجر الذي لا يطلب اذنًا ليُزيح الظلام. إنها دعوة دائمة للانعتاق من قيد الوضوح الكاذب والبدء في البحث الحقيقي.

فلا حياة لأمة لا تسأل.
ولا مستقبل لشعب يخاف من سؤاله.
والموت الحقيقي ليس انقطاع النَّفَس، بل انطفاء الدهشة.



#عادل_الدول (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رقصة بين ضفتي الإنسان
- ولادة خارج الصندوق


المزيد.....




- برشلونة يُصعّد ضد الاتحاد الإسباني بعد إصابة يامال: أعطيناكم ...
- حزب الخضر البريطاني يدعو لحظر الجيش الإسرائيلي واعتباره جماع ...
- ميركل تلوم بولندا ودول البلطيق على حرب بوتين في أوكرانيا
- السودان: الجنائية الدولية تدين قياديا في ميليشيا الجنجويد با ...
- فـرنـسـا: لـوكـورنـو يـخـرج مـن الـبـاب ويـعـود من النافذة؟ ...
- احتجاجات -جيل زد- في المغرب: ما المرتقب من خطاب الملك محمد ا ...
- المغرب: اليوم العاشر من احتجاجات -جيل زد- والإعلان عن توقيفا ...
- فرنسا: ماكرون يكلف لوكورنو بإجراء -مفاوضات أخيرة- من أجل -اس ...
- هل يفجّر المستوطنون الضفة مع تحركات وقف الإبادة في غزة؟
- بديل القهوة الصحي.. هوس الماتشا ينذر بنفادها


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عادل الدول - أمة بلا سؤال: جسد بلا روح