أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل الدول - هل يحتاج العالم العربي إلى ديمقراطية... أم إلى رؤية جديدة لدوره في الحياة والعالم؟















المزيد.....

هل يحتاج العالم العربي إلى ديمقراطية... أم إلى رؤية جديدة لدوره في الحياة والعالم؟


عادل الدول
كاتب

(Adil Al Dool)


الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 17:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في خضم النقاشات الدائرة حول مستقبل العالم العربي، يُطرح سؤال جوهري: هل المشكلة الحقيقية تكمن في غياب الديمقراطية كنظام حكم، أم في غياب رؤية حضارية واضحة تحدد موقعنا ودورنا في العالم المعاصر؟ هذا السؤال ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية لمجتمعات تبحث عن طريقها وسط تحديات الحاضر وتعقيداته.
الديمقراطية الغائبة: أزمة ممارسة لا مجرد أنظمة
عندما ننظر إلى واقع الديمقراطية في العالم العربي، لا نجد مجرد غياب لصناديق الاقتراع أو التداول السلمي للسلطة، بل نواجه أزمة أعمق تتعلق بالبنية الثقافية والاجتماعية التي تحتضن الممارسة الديمقراطية أو تخنقها. فالاستبداد السياسي ليس إلا عرضًا لمرض أكثر تجذرًا في جسد مجتمعاتنا.
لقد تآكلت الثقة بين الحاكم والمحكوم على مدى عقود من القمع والإقصاء، حتى أصبحت العلاقة بينهما علاقة شك وخوف متبادل. وفي غياب هذه الثقة، تتحول المؤسسات إلى واجهات شكلية، والقوانين إلى أدوات قمع لا عدالة. أضف إلى ذلك تسييس الدين أو تديين السياسة، وهي معادلة سامة حولت الصراع السياسي من خلاف حول برامج وسياسات إلى معركة هوياتية وجودية، يُنظر فيها إلى الخصم السياسي بوصفه كافرًا أو خائنًا، لا مجرد منافس يمكن الاختلاف معه.
الفضاء العام، ذلك المكان الذي يُفترض أن يكون مساحة للحوار والنقاش والتفاوض، يكاد يكون معدومًا في معظم البلدان العربية. لا حرية تعبير حقيقية، ولا أحزاب سياسية فاعلة، ولا مجتمع مدني قادر على ممارسة دوره الوسيط بين المواطن والدولة. وحتى حين تُتاح مساحات محدودة للمشاركة، فإنها غالبًا ما تكون مُراقبة ومُقيّدة، مما يفرغها من معناها الحقيقي.
ولا يمكن إغفال دور التدخلات الخارجية التي دعمت الأنظمة الاستبدادية باسم "الاستقرار" و"مكافحة الإرهاب"، في صفقة غير معلنة تُضحي بحرية الشعوب مقابل مصالح جيوسياسية واقتصادية. هذا الدعم الخارجي لم يكن حياديًا قط، بل كان عاملًا مساهمًا في إطالة عمر أنظمة فقدت شرعيتها الشعبية منذ زمن بعيد.
لكن ما حدث خلال موجات الربيع العربي يكشف لنا حقيقة أكثر إيلامًا: حتى حين حاولت المجتمعات العربية أن تنتزع حقها في الديمقراطية، انهارت التجارب بسرعة مذهلة. انزلقت بعض البلدان إلى حروب أهلية، وعادت أخرى إلى الاستبداد بثوب جديد، وتفككت ثالثة تحت وطأة الصراعات الطائفية والعرقية. لماذا؟ لأن الديمقراطية، ببساطة، لا تُزرع في أرض جرداء من القيم المشتركة والثقافة السياسية والمؤسسات الوسيطة. إنها تحتاج إلى تربة خصبة من التعليم النقدي، والاحترام المتبادل، والإيمان بالحوار كوسيلة لحل الخلافات.
الرؤية المفقودة: أزمة هوية وموقع
إذا كانت الديمقراطية أزمة واضحة في العالم العربي، فإن أزمة الرؤية أعمق وأكثر إيلامًا. نحن نعيش منذ عقود في حالة انفصام مزمن بين ماضٍ نستحضره بانتقائية شديدة، ومستقبل نتعامل معه بتردد وخوف.
الماضي، في الخطاب العربي السائد، يُستحضر كمصدر للهوية والفخر، لكنه غالبًا ما يُختزل في نسخة مثالية منقطعة عن سياقها التاريخي، أو يُقدّس بشكل يمنع أي نقاش جدي حوله. نتعامل مع التراث وكأنه متحف مغلق، لا كمصدر حيّ يمكن أن نستلهم منه ونحاوره ونطوره. هذا النوع من التعامل مع الماضي يحوله إلى قيد بدلًا من أن يكون منطلقًا للإبداع والتجديد.
أما المستقبل، فيُنظر إليه بعيون متناقضة. فريق يراه نسخة مقلدة من الغرب يجب أن نلهث خلفها دون تفكير، وفريق آخر يعتبره تهديدًا وجوديًا لهويتنا وقيمنا يجب صده بكل قوة. بين هذين الموقفين المتطرفين، ضاعت الرؤية الواضحة: ما دورنا الحقيقي في عالم اليوم؟ هل نحن مجرد مستهلكين سلبيين للحضارة المعاصرة، أم يمكن أن نكون مساهمين فاعلين فيها؟
هذه الأسئلة ليست نظرية، بل تترجم نفسها في قرارات يومية تشكل مستقبلنا. هل نريد مجتمعات حرة يُحترم فيها الإنسان بوصفه كائنًا مفكرًا قادرًا على الاختيار، أم نكتفي بمجتمعات "مستقرة" حيث الطاعة هي القيمة العليا؟ هل نعلّم أبناءنا ليكونوا مواطنين نقديين قادرين على التساؤل والإبداع، أم نربيهم على الامتثال والحفظ دون فهم؟
العالم العربي يفتقر اليوم إلى مشروع حضاري جماعي، لا بالمعنى القومي المتعالي الذي عرفناه في القرن الماضي، بل بالمعنى الإنساني العميق: مشروع يُجيب عن أسئلة الوجود المشترك، ويحدد قيمنا الجوهرية، ويرسم طريقنا نحو مستقبل نصنعه بأيدينا.
أيهما يسبق الآخر؟
هنا يطرح السؤال الجوهري نفسه: هل نحتاج إلى الديمقراطية أولًا، أم إلى الرؤية؟ الحقيقة أنه لا يمكن الفصل الحاد بينهما، فكل منهما يغذي الآخر ويحتاج إليه. لكن في السياق العربي المعقد، قد تكون الرؤية أولى من حيث الأولوية، لا بديلًا عن الديمقراطية، بل بوصفها شرطًا ضروريًا لولادة ديمقراطية حقيقية ومستدامة.
لماذا هذا الترتيب؟ لأن الديمقراطية ليست مجرد آليات وإجراءات يمكن استيرادها وتطبيقها بمعزل عن السياق الثقافي والاجتماعي. إنها تحتاج إلى حد أدنى من الإجماع الوطني حول قضايا جوهرية. إذا لم نتفق، ولو جزئيًا، على أسئلة أساسية مثل: ما معنى الإنسان في ثقافتنا وما حقوقه الأساسية؟ ما حدود السلطة السياسية ومصادر شرعيتها؟ ما طبيعة العلاقة بين الدين والدولة؟ ما حقوق المرأة والطفل والأقليات؟ فإن أي نظام ديمقراطي سيكون هشًا وقابلًا للانهيار عند أول اختبار جدي.
تجارب الربيع العربي علمتنا أن الديمقراطية الإجرائية، بدون ثقافة ديمقراطية ورؤية مشتركة، يمكن أن تنقلب على نفسها بسهولة. الانتخابات وحدها لا تصنع ديمقراطية، إذا كانت الأغلبية الفائزة لا تحترم حقوق الأقلية، أو إذا كان الجميع مستعدًا للتضحية بالحريات باسم "الهوية" أو "الأمن القومي" أو "تطبيق الشريعة".
ملامح رؤية جديدة: لا رجعية ولا تقليد
الرؤية المطلوبة للعالم العربي ليست عودة حنينية إلى ماضٍ مضى، ولا تقليدًا أعمى لنماذج غربية لم تُصنع لسياقاتنا. إنها رؤية جديدة تستلهم من التراث دون أن تتقيد به، وتستفيد من التجارب العالمية دون أن تفقد أصالتها.
هذه الرؤية لا يمكن أن تكون رجعية تعيد إنتاج نماذج من الخلافة أو القبيلة أو الثيوقراطية، لأن هذه النماذج لا تستجيب لتحديات العصر ولا تحترم كرامة الإنسان المعاصر. كما لا يمكن أن تكون ليبرالية استهلاكية تُهمّش البعد الروحي والجماعي للإنسان، وتحوله إلى فرد معزول همه الوحيد تعظيم منفعته الشخصية. ولا يمكن أن تكون قومية استعلائية تُنكر التنوع الثقافي والعرقي واللغوي الذي يميز مجتمعاتنا، وتفرض وحدة قسرية باسم "الأمة" أو "الوحدة".
بل نحتاج إلى رؤية أصيلة ومفتوحة في آن واحد، تقوم على مجموعة من الركائز الأساسية:
الحرية بوصفها كرامة إنسانية، لا فوضى أو انفلات. حرية تُمكّن الإنسان من تحقيق إمكاناته وتطوير ذاته، لكن ضمن إطار من المسؤولية والاحترام المتبادل. حرية تعترف بحق الاختلاف دون أن تنقلب إلى تفتت أو صراع.
العدالة بوصفها مصلحة مشتركة، لا استحقاقًا طائفيًا أو عرقيًا أو عشائريًا. عدالة تضمن لكل إنسان حقوقه الأساسية بغض النظر عن انتماءاته الفرعية، وتوزع الموارد والفرص بشكل منصف، وتحاسب القوي كما تحاسب الضعيف.
التفكير النقدي بوصفه جزءًا أصيلًا من التراث، لا دخيلًا عليه. التراث العربي الإسلامي غني بتجارب النقد والشك المنهجي والمنطق، من ابن رشد إلى الجاحظ، ومن الفارابي إلى ابن خلدون. نحتاج إلى إحياء هذا التراث النقدي، وتحويله إلى ممارسة حية في مدارسنا وجامعاتنا وإعلامنا.
الانتماء الكوني دون فقدان الجذور. نحن جزء من الإنسانية جمعاء، ولا يمكن أن نعزل أنفسنا عن العالم وتطلعاته نحو الحرية والعدالة والكرامة. لكن هذا الانفتاح لا يعني التنكر لخصوصياتنا الثقافية والروحية، بل يعني إعادة صياغتها بما يتناسب مع العصر.
نحو ديمقراطية ذات روح:
أن العالم العربي لا يحتاج فقط إلى صناديق اقتراع أو دساتير مكتوبة بلغة حقوقية جميلة. نحن بحاجة إلى تحول أعمق وأشمل.
يحتاج إلى مدارس تعلم أطفالنا كيف يفكرون بشكل نقدي ومستقل، لا كيف يحفظون ويكررون. مدارس تشجع على التساؤل والنقاش، وتحترم التنوع في الآراء والأفكار.
يحتاج إلى إعلام يُشجع الحوار الحقيقي بين وجهات النظر المختلفة، لا إعلامًا يؤجج الفتنة والكراهية ويغذي الاستقطاب الطائفي والأيديولوجي.
يحتاج إلى ثقافة سياسية ترى في الخصم السياسي شريكًا في الوطن وفي بنائه، لا عدوًا وجوديًا يجب القضاء عليه. ثقافة تؤمن بأن التنافس السلمي على السلطة هو مصدر قوة لا ضعف، وأن التعددية السياسية ثراء لا تهديد.
يحتاج إلى نخبة فكرية وأخلاقية حقيقية، تقدم نموذجًا في النزاهة والتفاني في خدمة المجتمع، لا نخبة سلطة ومال فقط همها الوحيد الحفاظ على امتيازاتها.
الحقيقة البسيطة هي أن الديمقراطية بدون روح وبدون رؤية تصبح شكلًا أجوف، قابلًا للاستغلال والتلاعب. والرؤية بدون ديمقراطية تصبح سجنًا فكريًا، حتى لو كانت نيتها حسنة. التحدي العربي الحقيقي في القرن الحادي والعشرين هو أن نبني ديمقراطية تنبع من رؤيتنا الخاصة، من قيمنا وتاريخنا وتطلعاتنا، لا من وصفات جاهزة مستوردة من سياقات مختلفة تمامًا.
هذا المشروع صعب وطويل، ويتطلب جهدًا جماعيًا من جميع مكونات المجتمع. لكنه ليس مستحيلًا. وربما يكون البدء بالسؤال الصحيح هو الخطوة الأولى في الطريق الصحيح.



#عادل_الدول (هاشتاغ)       Adil_Al_Dool#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قانون جانتي: يُقلّل من الحسد الطبقي، ويُعزّز التماسك الاجتما ...
- هوليوود تُعيد كتابة سرديّتها: حين يكسر النجوم صمتهم عن فلسطي ...
- التسامح مع عدم اليقين
- الإنسان في عصر البيانات الرقمية: بين الوعي والسيطرة
- يطير الملفوظ... ويبقى المكتوب
- الجذور في الجحيم: في معنى المعاناة كطريقٍ للتحول
- الوساطة منهج فكري وثقافة مؤسسية
- مؤشر مايرز بريجز للأنماط (MBTI) و 16 نوعاً من الشخصية
- تعلم مهارات التعاطف والشفقة على الذات في المدرسة
- بين الطابور والطيران: مأزق الذات بين الأمان المُقنَّن والحري ...
- النجوم لا تُقارن
- أمة بلا سؤال: جسد بلا روح
- رقصة بين ضفتي الإنسان
- ولادة خارج الصندوق


المزيد.....




- فيديو لسيارة دفع رباعي تابعة لإدارة الهجرة تصدم شاحنة ناشط ح ...
- مصر: فيديو -صادم- لما فعله شخصان بسيدة مسنة لحظة سرقتها والد ...
- قوات من الحرس الوطني في حالة تأهب مع انطلاق أولى احتجاجات -ل ...
- نشوب حريق في سفينة قبالة ساحل عدن اليمنية إثر إصابتها بمقذوف ...
- السفارة الفلسطينية في مصر: إعادة فتح معبر رفح الحدودي بين غز ...
- السفارة الفلسطينية تعلن إعادة فتح معبر رفح بين غزة ومصر الإث ...
- عائلة فرجينيا جوفري إحدى الضحايا المفترضات في ملف إبستين ترح ...
- الولايات المتحدة: مسيرات حاشدة ضد سياسات ترامب بشأن الهجرة و ...
- برج آزادي رمز طهران الأبيض بين التاريخ والحداثة
- إصابة فلسطيني ومواجهات مع قوات الاحتلال خلال اقتحاماتها بالض ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل الدول - هل يحتاج العالم العربي إلى ديمقراطية... أم إلى رؤية جديدة لدوره في الحياة والعالم؟