أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عادل الدول - النجوم لا تُقارن














المزيد.....

النجوم لا تُقارن


عادل الدول

الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 00:10
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


في قلب البيت، حيث يُفترض ان تكون المحبة لغة بلا قواعد، والدفء ملاذًا بلا شروط، تُزرع احيانًا بذور مقارنة خبيثة تتفتح ازهارها سمًا في نفوس الابناء. لا يُنظر اليهم كأرواح منفصلة، لكلٍ منها ايقاعها، ولونها، وطريقها الى النور، بل كأوراق في ميزان لا يُخطئ او هكذا يُظن، يُرفع هذا لِما حفظه، ويُخفض ذاك لِما اخطأه، ويُذكّر الثالث دومًا بأنه "ليس كأخيك"، كأن القيمة الانسانية تُقاس بِمِحكِ الانجاز وحده، لا بِعمق الوجود ذاته.

التربية بين ضوء الذات وظل المقارنة
هكذا، تُبنى التربية على مفاضلة قاسية، لا ترى في الطفل انسانًا ينمو، بل مشروع نجاح او فشل يُقارن بغيره. فيُصبح الحب مشروطًا، والرضا مُجزّأ، والدفء مكافأة تُمنح لِمن "يستحق"، لا حقًا طبيعيًا يُولَد معه. وحين يُحرَم الصغير من ان يُرى كما هو بكل تناقضاته، بطاقاته، وهشاشته—يبدأ في البحث عن قيمته خارج ذاته، في عيون غيره، في ألسنة المقارنة، في ظل اخيه "المثالي"، او قريبه "البار"، او جاره "العبقري". فيتشرّب دونيّته كأنها جزء من جيناته، ويُصبح وجودُه عبئًا لا هبة، ومسيرة حياته سباقًا لا ينتهي نحو خط نهاية زائف.

يظن البعض ان هذا المنطق القاسي يأتي من باب التحفيز لبذل الجهد ومحاولة التفوق، كأن المقارنة سوط يُحرّك الهمم، ولكنه في الغالب ما يكون مُحبطًا، ويؤدي الى زعزعة ثقة الطفل بنفسه، لعدم مراعاة القدرات الفردية والملكات والخصائص بين الاطفال بعضهم وبعض. إن الفشل في بلوغ "معيار الغير" لا يُولّد الدافع، بل يُولّد اليأس والشعور بالعجز المزمن. لا يدركون انهم بهذا يقتلعون من الطفل جذوة الثقة بالنفس، ويستبدلونها بقلق مزمن من عدم الكفاية، كأنهم يقولون له بغير لغة: "قيمتك مرهونة بأدائك، لا بكينونتك".

التنافس المشوّه: انتصار على الآخر لا تجسيد للذات
والأدهى ان هذا التنافس، حتى لو اتّخذ أبهى ثيابه، كأن يُقال: "تنافسوا في الخير"يظل مشوّهًا، لانه لم يُبنَ على التفوق الذاتي، بل على التفوق على الآخر. فيُصبح الانجاز انتصارًا على الأخ، لا تجسيدًا للذات. ويصير الفرح ممزوجًا بالذنب، والنجاح ملوّثًا بالغبطة المُقنّعة. فلا احد يفرح فرحًا نقيًا، ولا احد يحب حبًا حرًا، لان العلاقة كلها قد نُسجت على نول المقارنة، لا على سجّاد القبول.

والنتيجة الأخطر هي ان المقارنة ربما تؤدي ايضًا الى الحسد والكراهية لهؤلاء الاطفال الذين يقارنونه بهم، وربما العدائية والعدوانية تجاههم. هكذا يتحول الاخ او القريب الى خصم يجب هزيمته نفسيًا او فعليًا، لا الى شريك في رحلة النمو. هذا التنافس يخلق ثقافة الحذر؛ فالنجاح الذي يبنيه الابن لا يُضيء دربه فقط، بل يُلقي بظلاله القاتمة على من فشل في اللحاق به. هكذا، يتحول البيت الى ساحة صراع خفية، تُدار بابتسامات مصطنعة، وتهنئة باردة، وخوف دفين من ان يكون نجاح الاخ هو بداية فشل الذات.

ولعل أخطر ما تفعله المقارنة هو انها تُعلّم الابناء النظر الى الوراء باستمرار، بدلًا من النظر الى الامام نحو أفقهم الخاص. فهي تجعل هدفهم الاعلى هو اللحاق او التفوق على نموذج مفروض، بدلًا من اكتشاف النموذج الاصيل الذي بداخلهم. وبالتالي، يُفقد المجتمع تنوعه الاصيل، ويُنشئ اجيالًا من النسخ المتشابهة، تخاف من الاختلاف وتخشى التفرّد، كأن الطريق الى القبول يجب ان يمر دائمًا بتقليد الناجحين بدلًا من ابتكار الذات.

مفارقة قاتلة: سلاسل "لماذا لستَ مثله؟"
إنها مفارقة قاتلة: ان نربّي أبناءنا في بيوت ندّعي فيها ان الحب لا يُقسّم، ثم نقسّمه كل يوم على معايير لا ترى القلب، بل ترى النتيجة. ان نطلب منهم ان يكونوا أحرارًا، وهم مكبّلون منذ الطفولة بسلاسل "لماذا لست مثله؟". ان نُعلّمهم ان الكرامة حق، ثم نسلبها منهم كلما تأخروا في السباق الذي لم يختاروه. المقارنة هنا ليست مجرد خطأ تربوي، بل هي انتهاك صامت لحق الانسان في التقدير غير المشروط.

التربية الحقيقية لا تُقارن، بل تُضيء. لا تقل: "انظر الى أخيك"، بل قل: "انظر الى نفسك، ففيك ما يستحق ان يُرى". لان كل انسان نجم في سمائه، لا ظل لغيره. مهمة البيت هي ان يكون كونًا خاصًا لكل فرد، لا ان يكون مرآة تُظهر عيوبه مقارنة بـ"كمال" الآخرين. يجب ان يكون الحب نبعًا جاريًا يُروي بصرف النظر عن المحصول، لا سحابة ممطرة تُكافئ الحقول الخضراء وتعاقب القاحلة. في هذا الضوء، وفي هذا القبول، وحده يمكن للنجوم ان تضيء.



#عادل_الدول (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمة بلا سؤال: جسد بلا روح
- رقصة بين ضفتي الإنسان
- ولادة خارج الصندوق


المزيد.....




- برشلونة يُصعّد ضد الاتحاد الإسباني بعد إصابة يامال: أعطيناكم ...
- حزب الخضر البريطاني يدعو لحظر الجيش الإسرائيلي واعتباره جماع ...
- ميركل تلوم بولندا ودول البلطيق على حرب بوتين في أوكرانيا
- السودان: الجنائية الدولية تدين قياديا في ميليشيا الجنجويد با ...
- فـرنـسـا: لـوكـورنـو يـخـرج مـن الـبـاب ويـعـود من النافذة؟ ...
- احتجاجات -جيل زد- في المغرب: ما المرتقب من خطاب الملك محمد ا ...
- المغرب: اليوم العاشر من احتجاجات -جيل زد- والإعلان عن توقيفا ...
- فرنسا: ماكرون يكلف لوكورنو بإجراء -مفاوضات أخيرة- من أجل -اس ...
- هل يفجّر المستوطنون الضفة مع تحركات وقف الإبادة في غزة؟
- بديل القهوة الصحي.. هوس الماتشا ينذر بنفادها


المزيد.....

- عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو ... / بندر نوري
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عادل الدول - النجوم لا تُقارن