أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عادل الدول - تعلم مهارات التعاطف والشفقة على الذات في المدرسة














المزيد.....

تعلم مهارات التعاطف والشفقة على الذات في المدرسة


عادل الدول
كاتب

(Adil Al Dool)


الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 01:04
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


في ظل ما تعيشه مجتمعاتنا من حروبٍ وصراعاتٍ وأزماتٍ متتالية، باتت المدارس مطالبة بأن تؤدي دورًا يتجاوز حدود التعليم الأكاديمي إلى بناء الإنسان الواعي والمتوازن نفسيًا وعاطفيًا. فالأطفال الذين ينشأون في بيئات يسودها الخوف أو العنف بحاجة إلى أدواتٍ تساعدهم على فهم مشاعرهم، والتعبير عنها بطريقةٍ آمنة، وتحويلها إلى طاقة إيجابية بدلاً من الغضب أو العدوان.
إن تعلم مهارات التعاطف والشفقة على الذات لم يعد رفاهية تربوية، بل ضرورة إنسانية لحماية النشء من آثار الاضطراب والانغلاق العاطفي. فحين يتعلم الطالب كيف يرحم ذاته، ويتفهم مشاعر غيره، ويضبط انفعالاته، يصبح أقل عرضة للتنمر، وأكثر قدرة على المشاركة والتعاون والتسامح.
كذلك يشهد عالمنا الحالي تسارع وتيرة الحياة وتتعدد فيه الضغوط النفسية والاجتماعية، ولم تعد المهارات المعرفية وحدها كافية لتحقيق التوازن أو النجاح. أصبح الذكاء العاطفي والرحمة والشفقة على الذات من المفاتيح الجوهرية لبناء الرفاه الإنساني، وتعزيز التعلم الفعّال، وخلق بيئات اجتماعية أكثر إنصافًا وشمولًا.
في ضوء الدراسات الحديثة في علم النفس الإيجابي وعلم الأعصاب الاجتماعي، تبيّن أن المهارات العاطفية ليست ترفًا تربويًا، بل ضرورة حياتية تحمي من الاحتراق النفسي، وتغذي روح التعاون والانتماء.
أولًا: المهارات العاطفية – حجر الأساس للرفاه والتعلّم
تشير الأبحاث إلى أن القدرة على إدارة المشاعر والتعبير عنها بوعي تُعدّ من أهم عوامل النجاح الشخصي والتعليمي والمهني.
فالطلاب الذين يتعلمون التعرف على مشاعرهم وتنظيمها يظهرون مستويات أعلى من التركيز والتحصيل، كما يتمتعون بقدرة أكبر على التعلّم الذاتي (Learning to Learn) — أي تحويل التجربة إلى معرفة قابلة للنمو المستمر.
الرفاه النفسي لا يتحقق فقط بالنجاح الأكاديمي، بل أيضًا بقدرتنا على التفاعل الواعي مع الذات والآخرين. وعندما تُدمج المهارات العاطفية في المناهج التعليمية أو بيئات العمل، فإنها تعزز الإبداع، وتُقلل الصراع، وتدعم العلاقات الإنسانية المستقرة.
ثانيًا: الرحمة والشفقة على الذات – أساس التوازن الداخلي
تُظهر الدراسات أن الشفقة على الذات (Self-Compassion) هي من أقوى مصادر المرونة النفسية.
إنها القدرة على معاملة النفس بلطفٍ حين تخطئ، بدلًا من نقدٍ قاسٍ يُولّد الخجل والعزلة. فالرحمة ليست ضعفًا، بل وعيٌ بالإنسانية المشتركة، وإدراك أن المعاناة جزء من التجربة البشرية لا نفيًا لها.
يُقترح في التعليم والتدريب استخدام تمارين مثل:
كتابة رسالة ودّية للذات في لحظة فشلٍ أو ضعف.
التأمل الواعي في المشاعر دون أحكام، والتركيز على التنفس كأداة تهدئة.
ممارسة الحديث الداخلي الرحيم بدلًا من النقد الذاتي المستمر.
هذه التمارين تزرع عادة “الحديث العطوف” ونعني به الكلام اللطيف الذي يُشع بالرحمة والرقة، والذي يُعيد بناء الثقة بالنفس، ويمنح المتعلّم قدرة على مواجهة التحديات بعقلٍ هادئٍ وقلبٍ مطمئن.
ثالثًا: التعاطف – من الفهم إلى الفعل
التعاطف (Empathy) هو مهارة مزدوجة: إدراكية وعاطفية.
يتضمن فهم مشاعر الآخرين واستشعارها بصدق، ثم التصرف بما يُخفف معاناتهم.
ويُعدّ تعليم التعاطف أحد أهم مسارات بناء المجتمعات المتسامحة والمترابطة.
محاور تعليم التعاطف:
مهارات التعاطف مع الذات:
تبدأ الرحمة بالذات، فهي تُهيئ القلب لتفهّم الآخرين دون أحكام.
اللطف تجاه الآخرين:
تُمارس من خلال مواقف يومية بسيطة – الإصغاء، المساندة، أو حتى الابتسامة الصادقة.
القدرة على فعل الخير:
لا يُقاس التعاطف بالنوايا فقط، بل بالقدرة على تحويل الشعور إلى سلوكٍ خيّرٍ ملموس.
الرحمة الاجتماعية:
حين يتجاوز التعاطف حدود الفرد ليصبح مسؤولية جماعية، تتشكل قيم المواطنة والتضامن.
في المدارس، يمكن تعزيز هذه المهارات من خلال:
دراما تعليمية تُعيد تمثيل مواقف تحتاج إلى التعاطف والتعاون.
أنشطة خدمة مجتمعية تعزز الشعور بالمسؤولية المشتركة.
حلقات حوار تشجع الطلاب على التعبير عن تجاربهم العاطفية بأمان.
رابعًا: المهارات العاطفية كدرع ضد التنمر وتعزيز الشمولية
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن برامج الذكاء العاطفي في المدارس تسهم في خفض معدلات التنمر، لأنها تُنمّي لدى الطلبة القدرة على التعاطف وضبط الانفعالات.
فمن يفهم مشاعره ويتعاطف مع ذاته، يقلّ احتمال أن يُسقط غضبه على الآخرين.
كما أن تنمية الوعي العاطفي تُعزّز الشمولية (Inclusion)، إذ يتعلم الأفراد تقبّل الاختلاف والتعامل مع التنوع الثقافي والاجتماعي بعينٍ منفتحة.
وبذلك، يصبح التعاطف جسرًا بين الأفراد بدلًا من جدارٍ يفصلهم.
خامسًا: التعامل مع المشاعر الصعبة
ليس الهدف من المهارات العاطفية أن نتجنب المشاعر المؤلمة، بل أن نتعلم كيف نعيشها دون أن نغرق فيها.
فالتعامل الواعي مع الخوف، والغضب، والحزن، والقلق هو ما يمنحنا النضج.
في التدريب العاطفي، تُستخدم تقنيات مثل:
“تسمية الشعور” بدلًا من مقاومته (أشعر بالقلق الآن… وأنا أقبل ذلك).
استخدام الرسم أو الكتابة كوسيلة للتفريغ الآمن.
التنفس الواعي وتمارين التأمل كأدوات لتنظيم الانفعالات.
ان تعليم المهارات العاطفية ليس درسًا إضافيًا، بل رؤية تربوية شاملة تعيد التوازن بين العقل والعاطفة. فعندما يتعلم الأفراد التعاطف مع أنفسهم ومع غيرهم، يتحول التعليم من عملية نقل معرفة إلى رحلة إنسانية للنضوج والرفاه. إن الرحمة والشفقة على الذات ليست فقط قيمًا أخلاقية، بل مهارات حياتية تُثمر في العلاقات والعمل والمجتمع، لأنها ببساطة تجعل الإنسان أكثر إنسانية.



#عادل_الدول (هاشتاغ)       Adil_Al_Dool#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الطابور والطيران: مأزق الذات بين الأمان المُقنَّن والحري ...
- النجوم لا تُقارن
- أمة بلا سؤال: جسد بلا روح
- رقصة بين ضفتي الإنسان
- ولادة خارج الصندوق


المزيد.....




- جيل زد يطيح بالحكومات، فهل تستطيع الاحتجاجات عبر مواقع التوا ...
- نيويورك تايمز تعيد تتبع مصير 700 غزي بعد عامين من الحرب: لا ...
- ترامب يلوّح بزيارة الشرق الأوسط نهاية الأسبوع .. هل اقترب ات ...
- إسبانيا: البرلمان يقر قانونا يحظر استيراد الأسلحة وتصديرها م ...
- بعد اعتقاله، تبرئة فضل شاكر؟
- فرنسا في دوامة الأزمات : هل ينجح ماكرون في تسمية رئيس جديد ل ...
- آبل تتخلى عن نظارات -فيجن برو- وتراهن على مستقبل النظارات ال ...
- شاهد.. أسباب تعادل قطر وعمان وفوز السعودية على إندونيسيا
- عاجل | الإخبارية السورية عن مصدر أمني: الفصائل المتمردة في ا ...
- هل المكملات الغذائية مجرد هدر للأموال؟.. خبراء يجيبون


المزيد.....

- عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو ... / بندر نوري
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عادل الدول - تعلم مهارات التعاطف والشفقة على الذات في المدرسة