أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عادل الدول - بين الطابور والطيران: مأزق الذات بين الأمان المُقنَّن والحرية المُهدَّدة














المزيد.....

بين الطابور والطيران: مأزق الذات بين الأمان المُقنَّن والحرية المُهدَّدة


عادل الدول
(Adil Al Dool)


الحوار المتمدن-العدد: 8489 - 2025 / 10 / 8 - 16:07
المحور: قضايا ثقافية
    


الزمن خارج الطابور يهرب مسرعًا، كأنه يهرب من ذاته، بينما داخل الطابور يتجمّد،في امتدادٍ لا يُرى له آخر، يقف الإنسان في طابورٍ يشبه الزمن أكثر مما يشبه الانتظار. طابورٌ تتقاطع فيه الأنفاس كصفحات كتابٍ قديم، تُقلّبها الريح بلا غاية. هناك، تتكئ الذات على صبرٍ أرهقته الدقائق، تُشبه ظلًا يتثاقل في المساء، لا يدري أهو تابعٌ لمن يسير أمامه، أم أن الجميع يسيرون في دوامةٍ واحدةٍ لا مخرج منها. الزمن في الخارج يعدو كحصانٍ أفلت من لجامه، أما هنا في الداخل فيتثاءب كشيخٍ تعب من الذاكرة، يراقب الوجوه التي ذابت ملامحها بين الرضا والخنوع، والغضب الذي لا يجد له لسانًا. تنظر إلى يمينك وشمالك، فترى وجوهًا معلّقة بين الرضا المستسلم والغضب المخمَد. الكل ينتظر، لكن أحدًا لا يعرف ماذا بالضبط. ربما وثيقة، أو تصريح، أو لقمة عيش، أو لمحة اعتراف من سلطة لا تُرى.
الطابور هنا ليس مجرّد ترتيب فيزيائي، بل رمز متكرّس للتدجين البشري، حيث يُعلَّم الإنسان أن يُطفئ وهج روحه ليدخل في سلك النظام بلا سؤال.

هنا، في هذا الفراغ المنظّم، تُطرح على الذات أقسى الأسئلة:
هل أنا داخل شرنقة الحياة، أم خارجها؟
هل أنا حي لأنّي ألتزم، أم أنّي أموت لأنّي ألتزم؟

الطابور يجسد مأزق الإنسان الحديث: ذلك التوازن الهش بين رغبة جامحة في الانفلات والطيران، وبين حاجة عميقة إلى الأمان والثبات. فالنظام، بكل قسوته ورتابته، يقدّم وعدًا صامتًا: "إذا سلّمت لي جناحيك، حفظت لك جسدك". يطمئنك أنك لن تسقط، لكنه لا يخبرك أنك لن تطير أيضًا.
أما الحرية، فتهمس في أذنك من بعيد: "إذا فتشت عن جناحيك، فقد تمسك بالسماء... أو تمسكك الأرض بعنف".

الذات الإنسانية إذن تعيش في تشظٍ دائم بين هذين القطبين.
من جهة، هناك "عجلة النظام": محكمة، دوّارة، لا تبقي ولا تذر. تدور بك دون أن تدري إن كنت تتقدم أو تدور في مكانك. أنت مصلوب عليها، لا كعقاب، بل كشرط للبقاء. تُعطى خبزك، وراحتك النسبية، ووهم الاستقرار، مقابل أن تدفن رغبتك في التمرد، وتطفئ شرارة التساؤل.

ومن جهة أخرى، هناك "السماء المفتوحة": فضاء لا سقف له، لا قوانين تقيّده، لا طوابير ترتّبه. لكنها سماء محفوفة بالوحوش والصقور والرماح الخفية. فيها تصبح الحرية مغامرة وجودية، قد تعيدك إلى نفسك، أو تبعثرَك في الريح.

الإنسان لا يختار بين الأمان والحرية اختيارًا منطقيًا، بل يعيش هذا الاختيار كصراع يومي، كحوار صامت بين جناحيه المقطوعين. فكل طابورٍ يدخله هو اعتراف ضمني بأنه مستعد لدفع ثمن البقاء، وكل كلمةٍ يكتبها خارج السطر هي صرخة خافتة تقول: "أنا لست فقط جسدًا يطلب الأمان، بل روحًا تطلب المعنى".

النظام يقتل روح التمرد، نعم.
لكن التمرد بلا وعي قد يقتل صاحبه.
والحرية بلا حماية قد تصبح فوضى،
كما أن الأمان بلا حرية يصبح سجنًا مزيّنًا.

لعل الجواب ليس في الهروب من الطابور، ولا في العبودية له، بل في أن تصنع داخل الطابور فجوة صغيرة — نافذة تتنفس منها روحك، سطرًا تكتبه في دفتر مخبّأ، نظرة تطلقها في الأفق، حلمًا تخبئه تحت لسانك. أن تكون في الطابور جسديًا، وخارجه روحيًا. أن تطيع النظام بما يكفي لتبقى، وتعصيه بما يكفي لتحيا.

ففي النهاية، ليست الحياة أن تختار بين أن تكون طائرًا أو عبدًا،
بل أن تتعلم كيف تطير وأنت مربوط،
وكيف تثبت وأنت طائر.



#عادل_الدول (هاشتاغ)       Adil_Al_Dool#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النجوم لا تُقارن
- أمة بلا سؤال: جسد بلا روح
- رقصة بين ضفتي الإنسان
- ولادة خارج الصندوق


المزيد.....




- طائرة -درون- أوكرانية تصطاد منصة صواريخ روسية.. شاهد رد فعل ...
- 12 سنة في السجن و7 سنوات دون زيارة واحدة: أفرجوا عن السفير ...
- الشيباني بعد لقاء فيدان: قسد تبطئ تنفيذ اتفاق 10 مارس.. وبرا ...
- تدهور الحالة الصحية لهنيبال القذافي المحتجز في لبنان ومطالب ...
- متفوقا على ميسي .. رونالدو أول لاعب كرة ملياردير بفضل عقده ب ...
- توني بلير .. دور مثير للجدل في خطة السلام وإعادة إعمار غزة
- سيباستيان لوكورنو يلتقي ماكرون في الإليزيه في ختام مشاورات - ...
- نيويورك تايمز تتفقد أكثر من 700 غزاوي قابلتهم سابقا
- من بينهم بطلة مسلسل -بهار-.. عملية لمكافحة المخدرات تستهدف م ...
- عمر ياغي يُحقق جائزة نوبل في الكيمياء.. والملك عبدالله يُعلق ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عادل الدول - بين الطابور والطيران: مأزق الذات بين الأمان المُقنَّن والحرية المُهدَّدة