أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عادل الدول - التسامح مع عدم اليقين














المزيد.....

التسامح مع عدم اليقين


عادل الدول
كاتب

(Adil Al Dool)


الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 21:16
المحور: قضايا ثقافية
    


بين المعرفة والقلق، والقدرة على العيش في ظلّ المجهول
يُعدّ عدم اليقين سمةً إنسانيةً جوهرية، لا بل شرطًا لازمًا لوجودنا ككائناتٍ واعية في عالمٍ لا يُمكن التنبؤ بكل تفاصيله. فكلما ازداد وعينا، ازدادت معرفتنا بحدود معرفتنا، وهنا يبدأ الشعور بعدم اليقين. لكن هذا الشعور ليس علامة ضعف، بل بوابةٌ لفهم أعمق لأنفسنا وللواقع الذي نعيش فيه.

من منظور نفسي، يختلف الناس في طريقة تعاملهم مع الغموض. فبعضهم يشعر بالارتباك أو الخوف حين يواجه موقفًا غير مألوف، وقد يعزى ذلك إلى طبيعة شخصيته أو إلى السياق الاجتماعي المحيط به. وثمة نوع خاص من عدم اليقين يرتبط بالأداء والمهام: ينشأ حين يشكّ الفرد في قدراته، أو في مدى تقبُّل الآخرين لما يُنتجه. وفي هذا السياق، يصبح عدم اليقين مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بمفاهيم مثل الثقة بالنفس ورأس المال الاجتماعي—أي شبكة العلاقات والدعم التي يمتلكها الفرد.

ومن الطبيعي أن يشعر الإنسان بعدم اليقين حين يتعامل مع شيءٍ جديد: آلة لم يسبق له استخدامها، هواية لم يجربها، قرار مصيري لم يُتخذ من قبل. فالخطأ، كما يُقال، جزء من الطبيعة البشرية، وكذلك الغموض. بل إن بعض الدراسات تشير إلى أن الأشخاص الذين يبالغون في ثقتهم بأنفسهم قد يكونون أقلّ تواضعًا، وأقلّ وعيًا بحدود معرفتهم—وهو ما قد يجعل إنجازاتهم، رغم بريقها، هشّة في جوهرها.

ولا يقتصر عدم اليقين على الشعور الداخلي؛ بل يمتد ليشمل العالم الخارجي أيضًا. فقد يتعلّق بعدم الثقة في نوايا الآخرين، أو في استقرار الأوضاع السياسية، أو حتى في موثوقية الحلفاء.فعلى سبيل المثال، تراجعت ثقة شعوب العالم بالولايات المتحدة، كما تضاءلت ثقتهم بقدرة الصين على احداث نظام عالمي جديد مبني على تعدد الأقطاب، مما يؤدي الى استقرار دولي، وهو تعبيرٌ عن عدم يقين جماعي ينبع من تقلّب العلاقات الدولية.

ومن أشكاله المهمة ما يُعرف بـ"عدم اليقين المعلوماتي": ذلك الغموض الذي يلفّ المستقبل، سواء على المدى القريب (كنتائج قرارات العمل) أو البعيد (كمسار الحرب في أوكرانيا، أو فاعلية جهود مواجهة التغيّر المناخي). ويرتبط هذا النوع من الغموض مباشرةً بمفهوم الاحتمال. فكلما اقترب احتمال حدوث حدثٍ ما من 50%، ازداد الشكّ النفسي المرتبط به، لأن العقل يجد صعوبةً في ترجيح طرفٍ على آخر. أما حين يكون الاحتمال منخفضًا (كـ20% لهطول المطر)، فإن اليقين النسبي يزداد بشأن العكس (80% لعدم هطوله).

ومن هنا، تبرز أهمية المعرفة كأداةٍ لتخفيف وطأة عدم اليقين. فكلما زاد فهمنا لاحتمالات السيناريوهات المختلفة، زادت قدرتنا على التخطيط، والتأقلم، بل والتسامح مع ما لا يمكن التحكم فيه. فالسيطرة الحقيقية لا تعني القضاء على الغموض، بل القدرة على الاستعداد لما قد يأتي منه—خاصةً ما هو غير مرغوب.

بيد أننا، مهما ازدادت معرفتنا، لن نستطيع الاستعداد لكل شيء. فعدم اليقين ليس حالة استثنائية نمرّ بها أحيانًا، بل ضيفٌ دائم في بيت الوجود البشري. كلما حُلّ لغزٌ، ظهر آخر. وكلما استقرّ أمرٌ، تفرّعت منه سلاسل جديدة من الأحداث والتفاعلات، مُشكّلةً شبكاتٍ معقّدة لا يمكن التنبؤ بجميع مساراتها.

وبجانب المعرفة، تلعب عوامل أخرى دورًا في قدرتنا على تحمّل الغموض: كالقيم الشخصية، والمواقف الأخلاقية، بل وحتى القدرة على تحويل القلق إلى طاقةٍ بنّاءة—كأن نُوجّه تركيزنا نحو تعلّم مهارة جديدة، أو الانخراط في نشاطٍ ذي معنى.

ومن العوامل الداعمة أيضًا: الموارد—سواء كانت مادية (كالدخل والاستقرار المالي) أو بشرية (كالدعم الاجتماعي والمهارات). فالمرونة في مواجهة المجهول لا تُبنى في فراغ، بل في بيئةٍ توفّر الحدّ الأدنى من الأمان الجسدي والنفسي.

ولا يمكن إغفال البُعد الشخصي: فكثيرًا ما يتفاقم عدم اليقين حين يقترن بضغوطٍ أخرى—كالمرض، أو الديون، أو فقدان عزيز. وفي بيئة العمل، يتفاقم الغموض حين تغيب الرؤية المشتركة، أو تسود المنافسة السلبية، أو تتكرر التغييرات التنظيمية دون تفسيرٍ واضح.

وأخيرًا، تذكّر قول الفيلسوف الروماني أبيكتيتوس: «ليست الأشياء في ذاتها ما يقلقنا، بل تفسيرنا لها». لكن هذا لا يعني أن بإمكاننا ببساطة "التحكم" في مشاعرنا. فالقلق ليس عدوًّا يجب قمعه، بل رسالة تُخبرنا بما نقدّره. نحن لا نقلق مما لا يهمنا. ولذا، فإن محاولة تجنّب القلق أو إنكاره غالبًا ما تُعمّق شعورنا به.

الحلّ إذن لا يكمن في الهروب من عدم اليقين، بل في الاستعداد للعيش معه بوعي، وبتواضع، وباستثمار طاقتنا فيما نستطيع التأثير فيه. فربما لا نستطيع أن نُضيء كل الظلام، لكننا نستطيع أن نُضيء شمعةً صغيرة... ونمشي بها في الظلام بثقةٍ هادئة.



#عادل_الدول (هاشتاغ)       Adil_Al_Dool#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان في عصر البيانات الرقمية: بين الوعي والسيطرة
- يطير الملفوظ... ويبقى المكتوب
- الجذور في الجحيم: في معنى المعاناة كطريقٍ للتحول
- الوساطة منهج فكري وثقافة مؤسسية
- مؤشر مايرز بريجز للأنماط (MBTI) و 16 نوعاً من الشخصية
- تعلم مهارات التعاطف والشفقة على الذات في المدرسة
- بين الطابور والطيران: مأزق الذات بين الأمان المُقنَّن والحري ...
- النجوم لا تُقارن
- أمة بلا سؤال: جسد بلا روح
- رقصة بين ضفتي الإنسان
- ولادة خارج الصندوق


المزيد.....




- -انتظرت حتى آخر أسير نزل من الحافلة، لكنني لم أرَه-: فرحة نا ...
- لافروف ينفي تعرض الأسد للتسميم في موسكو.. والشرع يتعهد بملاح ...
- جمعت بين الثروة والتأثير السياسي.. من تكون ميريام أدلسون الت ...
- ++ الوسطاء يوقعون في شرم الشيخ وثيقة اتفاق إنهاء الحرب في غز ...
- وافق ثم تراجع.. لماذا رفض نتنياهو حضور قمة شرم الشيخ؟
- العاهل المغربي يطلق أشغال إنجاز مركب صناعي لمحركات الطائرات ...
- شكرًا تميم.. شكرًا جنرال.. شاهد ما قاله ترامب بعد توقيع اتفا ...
- قمة غزة.. ماذا يتضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقّعه ترامب؟ ...
- -لحظة تاريخية فارقة-.. الكلمة الكاملة للسيسي بعد توقيع اتفاق ...
- هل يقف إرث العراق وصلات بلير بإبستين وراء تردد ترامب في إشرا ...


المزيد.....

- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عادل الدول - التسامح مع عدم اليقين