أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل الدول - قانون جانتي: يُقلّل من الحسد الطبقي، ويُعزّز التماسك الاجتماعي














المزيد.....

قانون جانتي: يُقلّل من الحسد الطبقي، ويُعزّز التماسك الاجتماعي


عادل الدول
كاتب

(Adil Al Dool)


الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 17:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إذا قضيت بعض الوقت في الدول الاسكندنافية، ربما ستسمع بمفهوم "جانتيلوفن" ، أو قانون جانتي. يُعرف هذا المفهوم باسم "جانتيلوفن" بالدنماركية والنرويجية، و "جانتيلاغين " بالسويدية، و "جانتي لاكي" بالفنلندية، و "جانتي لوغي" بالأيسلندية. "قانون جانتي"هو عبارة عن مجموعة من المعتقدات الاجتماعية التي تُشجّع التواضع وتُقلّل من قيمة التمايز الفردي.وهو يُجسّد قانونًا اجتماعيًا خاصًا بمنطقة الشمال الأوروبي.

بفضل هذا القانون تُضاء شوارع الشمال الاسكندنافي بالمساواة أكثر من المصابيح، حيث تُقاس قيمة الإنسان بما يُقدّمه لا بما يملك، وحيث يُقاس النجاح لا بالثراء الفردي بل بالرفاه الجماعي، تزدهر ثقافة فريدة تُجسّدها عبارة بسيطة لكنها عميقة:
"لا تظن أنك أفضل منّا."
هذه العبارة ليست مجرد دعوة إلى التواضع، بل جوهر مبدأ اجتماعي راسخ في الدول الإسكندنافية يُعرف باسم "قانون جانتي" (Janteloven) — ميثاق أخلاقي غير مكتوب يُنظّم العلاقات بين الأفراد ويُعيد تعريف مفهوم النجاح.

من رواية إلى فلسفة اجتماعية

ظهر هذا المفهوم لأول مرة عام 1933 على يد الكاتب الدنماركي–النرويجي أكسل سانديموس في روايته "لاجئ يعبر مساره"، حيث ابتكر بلدة خيالية تُدعى "جانتي"، يُمنع فيها الأفراد من رفع أنفسهم فوق الجماعة.
تحوّلت أفكار الرواية إلى ما عُرف لاحقًا بـ "قوانين جانتي العشرة"، التي تُحذّر من الغرور، التفاخر، أو حتى الاعتقاد بأن المرء "شيء خاص".

ورغم أن هذه القوانين تبدو صارمة، إلا أنها في جوهرها محاولة لصون التوازن الاجتماعي ومنع التفاوت الطبقي والأنانية المفرطة.

التواضع ليس ضعفًا... بل وعي جماعي

في حين يُقدّس الغرب شعار "كن الأفضل وغيّر العالم"،
يُفضّل الشمال شعارًا أكثر إنسانية:
"اعمل بجد، ساهم في شيء مفيد، ولا ترفع رأسك فوق الآخرين."

هنا، النجاح لا يُقاس بما تحققه لنفسك، بل بما تُضيفه للآخرين.
ففي المدارس لا يُسأل الطفل: "هل أنت الأذكى؟" بل "هل ساعدت زملاءك اليوم؟"
وفي بيئة العمل، لا يُحتفى برجل الأعمال لأنه غني، بل لأنه وفّر فرص عمل وشارك في دعم مجتمعه.

من رجال الأعمال إلى الرياضيين: التواضع أسلوب حياة

تُجسّد ثقافة الشمال هذه الفلسفة في كل المستويات:
فمؤسس سلسلة متاجر H&M، الملياردير إيرلينغ بيرسون، عاش في شقة متواضعة وسط ستوكهولم وتبرّع بصمت بجزء كبير من ثروته.
والمؤسس المشارك لشركة Klarna السويدية، ستيفان بيترسون، يرفض الظهور كبطل تقني ويُرجع نجاحه إلى "الفريق والمجتمع".

حتى في الرياضة، عندما سُئل اللاعب الفنلندي سامي هيبيا عن فوز منتخب بلاده، قال:
"لم أفعل شيئًا خاصًّا... الفريق كله لعب جيدًا."

وفي السياسة، نادرًا ما يرفع زعماء الشمال شعار "أنا أنقذت البلاد"، لأن الفخر الحقيقي هناك ليس في الإنجاز الفردي، بل في العمل الجماعي.

ابتكار بلا غرور.. ورفاه بلا تفاخر

قد يظن البعض أن هذا المبدأ يحدّ من الطموح، لكن الأرقام تروي قصة مختلفة:

السويد في المرتبة الثانية عالميًّا في مؤشر الابتكار لعام 2024.

دول الشمال تمتلك أعلى نسب ريادة الأعمال النسائية في أوروبا.

شركات مثل Spotify وNorthvolt بُنيت على دعم التعليم المجاني والثقة المجتمعية، لا على نزعة "البطل المنقذ".

جانتيلوفن لا يقول "لا تنجح"، بل يقول: "لا تنسَ أنك جزء من مجتمع."
وهنا يكمن سر التوازن بين التميّز الشخصي والمسؤولية الجماعية.

السعادة كنتاج للمساواة

ليست مصادفة أن تتصدر فنلندا والدنمارك والسويد قائمة "أسعد دول العالم" عامًا بعد عام.
ففي هذه المجتمعات، لا يُقاس الإنسان بسيارته الفاخرة أو رصيده البنكي، بل بمدى احترامه للآخرين ومساهمته في رفاه الجماعة.

الضرائب المرتفعة هناك ليست عبئًا يُثقل كاهل المواطن، بل عقد ثقة جماعي — اتفاق صامت بين الدولة والفرد: "ادفع اليوم، واحصل غدًا على تعليم مجاني، رعاية صحية شاملة، دعم في البطالة، وإجازة أبوة وأمومة سخية".

وهذا النموذج الشمالي للرفاه لا يمكن أن يزدهر دون ركيزة ثقافية عميقة: قانون جانتي (Janteloven).
لماذا؟
لأن نجاحه يعتمد على الثقة المتبادلة والعدالة الإدراكية.

فإذا اعتقد الناس أن "فلانًا يثرى على حسابنا"، فلن يقبلوا دفع ضرائب عالية.
لكن حين يسود الاعتقاد أن "الجميع يلعب دوره"، وأن "النجاح لا يعني التفوق الأخلاقي"، يتحوّل دفع الضرائب من واجب مالي إلى واجب اجتماعي — بل إلى شكل من أشكال المواطَنة النشطة.

وفي هذا السياق، لا يكون التواضع علامة ضعف، بل قوة ناعمة تحافظ على نسيج المجتمع من التمزق، وتمنع الحسد من أن يصبح سلاحًا طبقيًّا.
هنا، السعادة ليست هبة من الثروة، بل ثمرة من المساواة.

درس للعالم: أن تتألق دون أن تُطفئ غيرك

في زمنٍ يزداد فيه التفاوت الطبقي وتتصاعد فيه خطابات الكراهية والانقسام، يبدو أن روح "قانون جانتي" تحمل رسالةً إنسانية ملحّة:
أن المجتمعات لا تُبنى على عباقرة منعزلين، بل على مواطنين يشعرون أنهم متساوون في الكرامة ومتعاونون في المصير.

ربما لا نحتاج إلى تبنّي قوانين جانتي حرفيًا،
لكننا نحتاج إلى جوهرها:
أن ننجح دون أن نُذلّ،
وأن نتألق دون أن نُطفئ غيرنا،
وأن نؤمن بأن العظمة الحقيقية تكمن في المشاركة لا في التفوق.



#عادل_الدول (هاشتاغ)       Adil_Al_Dool#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هوليوود تُعيد كتابة سرديّتها: حين يكسر النجوم صمتهم عن فلسطي ...
- التسامح مع عدم اليقين
- الإنسان في عصر البيانات الرقمية: بين الوعي والسيطرة
- يطير الملفوظ... ويبقى المكتوب
- الجذور في الجحيم: في معنى المعاناة كطريقٍ للتحول
- الوساطة منهج فكري وثقافة مؤسسية
- مؤشر مايرز بريجز للأنماط (MBTI) و 16 نوعاً من الشخصية
- تعلم مهارات التعاطف والشفقة على الذات في المدرسة
- بين الطابور والطيران: مأزق الذات بين الأمان المُقنَّن والحري ...
- النجوم لا تُقارن
- أمة بلا سؤال: جسد بلا روح
- رقصة بين ضفتي الإنسان
- ولادة خارج الصندوق


المزيد.....




- لماذا أعلن ترامب إنهاء جميع المعونات والدعم عن كولومبيا؟
- كولومبيا تتهم واشنطن بانتهاك مياهها وقتل صياد
- سرقة -مجوهرات- من متحف اللوفر الشهير خلال 7 دقائق فقط، فما ا ...
- فرنسا: زنزانة مساحتها 9 أمتار مربعة... ما الذي نعرفه عن السج ...
- معركة جديدة في إسرائيل بين الجيش ووزارة المالية بعد وقف إطلا ...
- أصوات من غزة.. أوضاع مأساوية داخل خيام بالية مع اقتراب الشتا ...
- معتقلون سابقون بسجون الأسد: ملفنا منسي
- لماذا يُعد زيت السمسم المكوّن المفضّل لدى خبراء العناية بالب ...
- إسرائيل تتحدث عن انتهاك -صارخ- لاتفاق غزة.. وحماس ترد
- حكومة نتنياهو تصادق على تغيير اسم حرب غزة


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل الدول - قانون جانتي: يُقلّل من الحسد الطبقي، ويُعزّز التماسك الاجتماعي