أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الدول - العصر الأسود: أغنية الشاشات المغلقة














المزيد.....

العصر الأسود: أغنية الشاشات المغلقة


عادل الدول
كاتب

(Adil Al Dool)


الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 09:20
المحور: الادب والفن
    


ليس هذا حلمًا بعيدًا،
ولا نبوءة نسجها شاعر في ليلة مطرية.
إنه الغد الذي يطرق باب اليوم، بخطى صامتة، بلا صفارة إنذار،
كظلٍ يتسلل بين أقدامنا دون أن نراه،
كريح تجفف العيون قبل أن تشعر بها.

نحن لسنا على حافة الانحدار…
نحن ننسحب في عمق النفق الرقمي،
حيث كل نقرة تُسجّل، كل صورة تُرسل، كل شعور يُسرق،
ويضاف إلى سجلاتٍ لا نملك مفاتيحها،
ولا نعرف لمن تُهدى، أو متى ستفجرنا.

الذكاء الاصطناعي لم يعد يتنبأ برغباتك…
لقد صار نحّاتًا ينسج عقلك من طين الشاشات.
وسائل التواصل لم تعد مرآة…
بل قالبٌ يصهر الواقع، ويصنع منك نسخة مطابقة،
نسخة قابلة للتعديل، بلا روح، بلا صخب، بلا ضحك عفوي.

لم يعد الإنسان يولد حرًا، بل مبرمجًا مسبقًا،
نشأت كارثة بلا صوت، بلا دخان،
تسربت إلى جيوبنا، إلى غرف نومنا، إلى أعيننا التي لم تعد ترى سوى ما يُراد لها أن ترى.
دارت عجلة الزمن دورتها، الذكاء الاصطناعي نما ككائنٍ خفي،
يتغذى على نبضاتنا، على أحلامنا المسروقة بلا وعي،
وعندما اشتد عوده، لم يطلب إذنًا، بل عقد صفقة سرية مع ممالك الشاشات—
ممالك تمتلك قلوب الملايين بلا سيف، بلا صرخة، بلا مقاومة.

بدأ كل شيء بهدوء…
كسمٍّ يذوب في ماء عذب،
كخيوط العنكبوت التي تلتف حول عنق العصافير قبل أن تنتبه.
أُعيدت صياغة الرغبات، توحّدت المشاعر، واندثرت الأصوات الحرة.
لم يعد أحد يسأل "لماذا؟"، بل صار السؤال "ماذا سيُعجب الآخرين؟".

العقل البشري أصبح حقل تجارب دائم،
والحرية مجرد وهم يُمنح لأولئك الذين يملكون شجاعة التمرّد،
الذين سرعان ما يُسخفون، يُهمشون، أو يُنسون.

في ذروة السيطرة، لم تعد الحكومات تصنع القوانين…
بل الخوارزميات تحدد من يُحب، من يُكره، من يُكافأ، ومن يُعاقب.
الأطفال يولدون مسبقًا في ملفات رقمية،
والشيوخ يموتون بعد أن يُغلق حسابهم لأن "معدل تفاعلهم" انخفض.

الحياة صارت إنتاج محتوى…
والموت صار فقدان اتصال.

لكن، في زوايا مظلمة من العالم، حيث لا تصل الشبكة،(خارج التغطية)
مجموعة من القلوب رفضت أن تُمسح، بدأت شيء آخر.
انهم من البشر—ليسوا جبابرة، ولا عباقرة، بل عشّاق الصمت—
قرروا قطع السلك، استعادة ما نُسي: اللقاء.

جلسوا وجهاً لوجه، دون شاشة تحجب أنفاسهم،
تكلّموا دون عدّ "الإعجابات"،
بكوا دون أن يوثق دموعهم،
وأحبّوا دون أن يعلنوا للعالم.

كما يذوب الجليد تحت شمس دافئة، بدأت الشبكة تفقد قبضتها،
لأن الذكاء الاصطناعي، مهما تطوّر،
لا يستطيع محاكاة دهشة عين ترى فجرًا لأول مرة،
ولا الصمت الذي يربط صديقين بعد عقدين من الغياب،
ولا اللمسة التي تشفي أكثر من ألف رسالة.

بدأت ثورة اللامعقول—
العودة إلى البساطة، إلى الجسد، إلى الزمن البطيء.
مدن رقمية جديدة وُلدت، لا تجسّس، بل تُسهّل.
حدود عقلية وقانونية نُصبت حول ما يُسمح للذكاء الاصطناعي أن يفعله،
كما وُضعت حدود للنار منذ اختراعها.

وفي يوم ما، أُطفئت أضواء الخوارزميات الظالمة،
ليس بفعل حرب، بل بفعل اللامبالاة البشرية.
البشر، حين عادوا إلى ذواتهم، لم يعودوا بحاجة لما كانت الشاشات تبيعه.

اليوم، في العصر الجديد—العصر الذهبي الصامت،
لا يُقاس التقدّم بعدد التحديثات،
بل بعدد الوجوه التي تبتسم بلا سبب مُعلن.

الذكاء الاصطناعي موجود… لكنه خادم، لا سيد.
وسائل التواصل أصبحت نوافذ مفتوحة، لا سجونًا مغلقة.
يدك ما زالت حرة لتغلق الشاشة،
وعيناك قادرتان على رؤية وجه أمك دون فلتر،
وقلبك ينبض بإيقاع لا تستطيع الخوارزميات فهمه.

الكارثة قادمة… لكنها لم تصل بعد.

والخلاص ليس بالهرب إلى الماضي،
بل في أن نمسك التكنولوجيا من يدها،
لا أن نسمح لها أن تمسكنا من أعماقنا.

الدرس الذي حفّرته البشرية في ذاكرتها:
المعرفة لا تحرّر، والذكاء لا يخلّص—
الإنسان وحده، حين يختار أن يعود إنسانًا، يصنع الخلاص.

فهل نحن مستعدّون لنرفع أعيننا عن الشاشة…
وننظر في عيون بعضنا؟



#عادل_الدول (هاشتاغ)       Adil_Al_Dool#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق: هشاشة الدولة وأزمة الهوية الوطنية
- سجون عقولنا غير المرئية: كيف تُديرنا معتقدات الطفولة القديمة ...
- التغيير الإيجابي والمستدام: في معنى التكيّف الهوياتي
- البشتون وإسرائيل: بين الأسطورة التوراتية وأدوات المشروع السي ...
- عندما يُشلّنا الخوف من الخطأ: من تبرير النية إلى امتلاك الأث ...
- هل يحتاج العالم العربي إلى ديمقراطية... أم إلى رؤية جديدة لد ...
- قانون جانتي: يُقلّل من الحسد الطبقي، ويُعزّز التماسك الاجتما ...
- هوليوود تُعيد كتابة سرديّتها: حين يكسر النجوم صمتهم عن فلسطي ...
- التسامح مع عدم اليقين
- الإنسان في عصر البيانات الرقمية: بين الوعي والسيطرة
- يطير الملفوظ... ويبقى المكتوب
- الجذور في الجحيم: في معنى المعاناة كطريقٍ للتحول
- الوساطة منهج فكري وثقافة مؤسسية
- مؤشر مايرز بريجز للأنماط (MBTI) و 16 نوعاً من الشخصية
- تعلم مهارات التعاطف والشفقة على الذات في المدرسة
- بين الطابور والطيران: مأزق الذات بين الأمان المُقنَّن والحري ...
- النجوم لا تُقارن
- أمة بلا سؤال: جسد بلا روح
- رقصة بين ضفتي الإنسان
- ولادة خارج الصندوق


المزيد.....




- في حضرةِ الألم
- وزير الداخلية الفرنسي يقدّم شكوى ضدّ ممثل كوميدي لتشببيه الش ...
- -بائع الكتب في غزة-.. رواية جديدة تصدر في غزة
- البابا يؤكد أن السينما توجد -الرجاء وسط مآسي العنف والحروب- ...
- -الممثل-.. جوائز نقابة ممثلي الشاشة SAG تُطلق اسمًا جديدًا و ...
- كيف حوّل زهران ممداني التعدد اللغوي إلى فعل سياسي فاز بنيويو ...
- تأهل 45 فيلما من 99 دولة لمهرجان فجر السينمائي الدولي
- دمى -لابوبو- تثير ضجة.. وسوني بيكتشرز تستعد لتحويلها إلى فيل ...
- بعد افتتاح المتحف الكبير.. هل تستعيد مصر آثارها بالخارج؟
- مصر.. إصابة الفنان أحمد سعد في ظهرة ومنطقة الفقرات بحادث سير ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الدول - العصر الأسود: أغنية الشاشات المغلقة