أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل الدول - الكارثة المعرفية الراهنة..كيف تُصاغ قناعات الناس؟














المزيد.....

الكارثة المعرفية الراهنة..كيف تُصاغ قناعات الناس؟


عادل الدول
كاتب

(Adil Al Dool)


الحوار المتمدن-العدد: 8554 - 2025 / 12 / 12 - 02:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في كل يوم، يستيقظ ملايين البشر ليفتحوا هواتفهم، لا ليروا العالم كما هو، بل ليستهلكوا نسخة معدّلة منه. نسخة مُصمّمة خصيصًا لتثير مخاوفهم، وتؤكد قناعاتهم، وتعزز انتماءهم لجماعتهم السياسية أو الفكرية. هذه ليست مصادفة، بل هندسة معلوماتية متقنة، تحوّل الحقيقة من معطى موضوعي إلى سلعة قابلة للتشكيل والبيع والتسويق.
ما نشهده اليوم لا يمكن وصفه بمجرد "انتشار الأخبار الكاذبة". إنه أعمق من ذلك بكثير. إنه انهيار معرفي منظّم، تُبنى فيه القناعات على أساس العاطفة لا الحقائق، ويُصاغ فيه الواقع بواسطة قوى خفية تدرك تمامًا كيف تتلاعب بالعقل البشري. المنصات الرقمية، القيادات الشعبوية، الإعلام التحريضي، والجيوش الإلكترونية، جميعهم يشتركون في صناعة واقع موازٍ يتجاوز البيانات والإحصاءات، ويقدّم للجمهور ما يريد سماعه، لا ما يحتاج معرفته.

كان يمكن لأي متابع عادي أن يمرّ على ما يراه في وسائل التواصل مرورًا سريعًا، لولا ذلك الشعور الطفيف بأن شيئًا ما لم يعد طبيعيًا في طريقة حديث الناس عن العالم. فجأة، أصبح كل حدث صغير “دليلًا” على انهيار شامل، وكل صورة تُقتطع من سياقها تُصبح شهادة على “كارثة حضارية” قادمة. وفي لحظة، وجدنا أنفسنا أمام روايات كاملة عن مستقبل أوروبا، وعن “اجتياح إسلامي” مزعوم، وعن سقوط السويد، واقتراب بريطانيا من التحوّل إلى دولة إسلامية.

هذا ما لاحظه المعلق المحافظ إريك وودز إريكسون على منصّته، حين كتب أن جزءًا واسعًا من اليمين الأمريكي يعيش اليوم داخل عالم صاغته منصات مثل تويتر، عالم لا يشبه الواقع إلا بقدر ما تشبه المرآة المقعّرة ملامح الوجوه: شيء من الحقيقة… وكثير من التشويه.

فالسويد، التي تُقدَّم في الروايات الإلكترونية كبلد “منهار تحت الهجرة”، لا يتجاوز عدد المسلمين فيها ثمانية بالمئة. وألمانيا، التي يرسمها الخطاب المتوتر كدولة “تختنق بالأجانب”، نسبة غير المواطنين فيها نحو 13% فقط. لكن هذه الأرقام لا تجد طريقها إلى فضاء النقاش العام. ما يجد طريقه هو التهويل، والخوف، والقصص الجاهزة التي تُعيد تشكيل وعي الجمهور بسرعة تفوق قدرة الحقيقة على الدفاع عن نفسها.

ما الذي حدث؟ وكيف أصيب الناس بهذا العمى الانتقائي؟

في الحقيقة، لا يظهر هذا التحول فجأة. بل يتسلل ببطء، عبر تراكم يومي لمحتوى مصمّم بعناية.
والقصة تبدأ من هنا: الإنسان لا يبحث عن الحقيقة بقدر ما يبحث عن ما يؤكد مخاوفه.

الخوارزميات فهمت ذلك جيدًا. وهكذا، قدّمت للجمهور محتوى يخاطب أسوأ مخاوفه:
هجرة تهدد الهوية.
جاليات “تجتاح”.
مدن “تسقط”.

وكل ذلك في مقاطع قصيرة، عناوين لاهبة، وصور مقتطعة، سرعان ما تتحول إلى “قناعة راسخة”.

من يكتب هذه الرواية؟

ليست جهة واحدة. بل شبكة كاملة من الفاعلين:

1. منصات التواصل الاجتماعي

تويتر، فيسبوك، تيك توك… منصات لا تقدّم الحقيقة، بل تقدم ما يبقي المستخدم أطول وقت ممكن.
والخوف—لا الدقة—هو أكثر ما يشد الانتباه.

2. السياسيون الشعبويون

الشعبوية تتغذى على الخوف.
وتحتاج دائمًا إلى “عدو”.
ومثلما فعل ترامب حين قدّم المسلمين كمشكلة، والصومال كتهديد، وأطلق تصريحات تُلمّح إلى أن الهوية الأمريكية مهدّدة… كرر سياسيون كثر الأسلوب نفسه في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا.

إنها اللغة التي تقسم العالم إلى:
نحن… وهم.

3. القنوات التلفزيونية ذات الأجندة التحريضية

بعض القنوات اكتشفت أن “الغضب” هو أفضل وقود تجاري.
فتحوّلت من نقل الخبر إلى صناعة رواية كاملة حوله.
أحاديث مسائية، جداول مصممة لإخافة المشاهد، وربط بين أحداث متباعدة لتكوين قصة واحدة… صادمة بما يكفي لتضمن بقاء المشاهد.

4. الجهات الخفية وتحالفات المصالح

هناك دول، وأحزاب، ومجموعات مصالح، تستغل الفوضى المعلوماتية لتوجيه الرأي العام.
وما يحتاجونه ليس أكثر من:

بضعة حسابات وهمية

محتوى مقطّع

ولغة مصممة لإثارة ردود فعل قوية

لماذا يصدق الناس رغم أن الحقائق واضحة ومتاحة؟

لأن الحقائق أصبحت أبطأ من الأكاذيب.
الأكذوبة تسافر في ثوانٍ… بينما تحتاج الحقيقة إلى جهد وتدقيق وتحليل.
ولأن العاطفة أقوى من الإحصاء.
ولأن الهوية السياسية لدى البعض أصبحت أهم من مواجهة الواقع.

كيف أصبح التزييف سيد الموقف؟

لقد تغيّر تعريف “المعلومة”.
لم تعد تقريرًا أو دراسة، بل أصبحت:

تغريدة

فيديو قصير

صورة معدلة

قصة رائجة
وهكذا، صار العالم يُروى على طريقة “اللقطة” السريعة… وليس على طريقة البحث العميق.

إريكسون يرى أن إدارة ترامب خضعت لهذا العالم، وأن بعض صانعي القرار فيها لم يتعلموا من الكتب أو التقارير، بل من تويتر.
لكن الحقيقة الأوسع: نحن جميعًا دخلنا هذه الغرفة دون أن ننتبه.

من يحكي لنا العالم اليوم؟

لم يعد من الواضح من يكتب الواقع…
هل هو الصحفي؟
أم الخوارزميات؟
أم السياسي الذي يثير الخوف ليرفع رصيده؟
أم المحلل التلفزيوني الذي يبيع الإثارة؟
أم الحساب المجهول الذي يزرع الشكوك؟

في النهاية، ما نراه اليوم ليس صراعًا سياسيًا بقدر ما هو صراع على الرواية.
صراع على من يحدد معنى الحقيقة، ومن يكتب قصة العالم، ومن يملك القدرة على إقناع الملايين بما يناقض الإحصاءات والتقارير والمنطق.

لقد تغيّر العالم…
والسؤال الآن:
هل تغيّر معه وعيُنا كما يجب، أم أننا ما زلنا نركض خلف الظلال التي يصنعها الآخرون فوق شاشة صغيرة؟
والسؤال الأخطر:
هل ما زالت لدينا القدرة على التمييز بين العالم كما هو… والعالم كما يتم تسويقه لنا؟



#عادل_الدول (هاشتاغ)       Adil_Al_Dool#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصغير يعلم الكبير - تحول المعرفة يهز أركان المجتمع العربي
- الحرب كنموذج عمل: كيف تحولت الصراعات إلى آلة للربح المستدام
- في انتظار أن يصبح سببًا
- الحسد: رحلة الشعور الأزلي من الأسطورة إلى الخوارزمية
- أنت والحظ: حين تنحرف المعادلة عن قوانينها
- المأزق الثقافي العربي: بين العجز والنهوض
- الألم... ميلادٌ لا ينتهي
- العصر الأسود: أغنية الشاشات المغلقة
- العراق: هشاشة الدولة وأزمة الهوية الوطنية
- سجون عقولنا غير المرئية: كيف تُديرنا معتقدات الطفولة القديمة ...
- التغيير الإيجابي والمستدام: في معنى التكيّف الهوياتي
- البشتون وإسرائيل: بين الأسطورة التوراتية وأدوات المشروع السي ...
- عندما يُشلّنا الخوف من الخطأ: من تبرير النية إلى امتلاك الأث ...
- هل يحتاج العالم العربي إلى ديمقراطية... أم إلى رؤية جديدة لد ...
- قانون جانتي: يُقلّل من الحسد الطبقي، ويُعزّز التماسك الاجتما ...
- هوليوود تُعيد كتابة سرديّتها: حين يكسر النجوم صمتهم عن فلسطي ...
- التسامح مع عدم اليقين
- الإنسان في عصر البيانات الرقمية: بين الوعي والسيطرة
- يطير الملفوظ... ويبقى المكتوب
- الجذور في الجحيم: في معنى المعاناة كطريقٍ للتحول


المزيد.....




- ما تفسير البيت الأبيض لوضع ترامب ضمادة على يده؟
- أوكرانيا تقدم لترامب مسودة من 20 بندا لإنهاء الحرب - ماذا تت ...
- حركة 23 مارس تحكم سيطرتها على بلدة أوفيرا الاستراتيجية وتهدد ...
- خبير عسكري: روسيا تتقدم نحو القلعة الحصينة بدونيتسك عبر بوكر ...
- بلا خيام وبلا مقومات.. الغزيون يواجهون منخفضا جويا فاقم معان ...
- هيئة البث: إسرائيل أعدت خطة لهجوم واسع على حزب الله
- هجمات -الزيرو كليك- تهدد الهواتف عالميا.. ماذا يمكن أن نفعل؟ ...
- دعوى قضائية ضد -شات جي بي تي- بتهمة التشجيع على -القتل-
- البيت الأبيض: ترامب -سئم- اجتماعات أوكرانيا.. يريد أفعالا
- رحلة غامضة لطائرة عسكرية أميركية في اليابان تثير التساؤلات


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل الدول - الكارثة المعرفية الراهنة..كيف تُصاغ قناعات الناس؟