أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل الدول - الحرب كنموذج عمل: كيف تحولت الصراعات إلى آلة للربح المستدام















المزيد.....

الحرب كنموذج عمل: كيف تحولت الصراعات إلى آلة للربح المستدام


عادل الدول
كاتب

(Adil Al Dool)


الحوار المتمدن-العدد: 8549 - 2025 / 12 / 7 - 00:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لطالما نُظر إلى الحرب باعتبارها كارثة إنسانية واقتصادية، حدثاً استثنائياً يستنزف موارد الدول ويعطل مسارات التنمية. غير أن التحليل المعمق للصراعات المعاصرة يكشف عن واقع مختلف تماماً: لقد تحولت الحرب، بالنسبة لشرائح محددة من النخب والمؤسسات، إلى نموذج اقتصادي مُمنهج يدر أرباحاً هائلة، ويخلق دورة مستدامة لتدوير الثروة.
من الاستنزاف إلى الاستثمار
الفرضية المركزية لهذا التحول هي أن الحرب لم تعد مجرد استنزاف للموارد، بل أصبحت محركاً لتوليد السيولة والأرباح. يزدهر في ظلها نظام اقتصادي معقد كلما طال أمد الصراع وتعمقت حالة عدم اليقين بشأن نهايته. السمة الأساسية لهذا النموذج هي تحويل التهديد الأمني إلى سلعة ذات قيمة سوقية قابلة للتسعير والتداول.
آليات النموذج: دائرة مغلقة للربح
يعتمد هذا النموذج على ثلاث آليات متداخلة تضمن استمراريته:
صناعة الخوف وشرعنة الإنفاق
لا تبدأ الآلة الاقتصادية للحرب بالقتال، بل بإدارة التصورات. تُطلق حملات إعلامية وسياسية مكثفة لخلق إحساس بوجود تهديد وجودي حقيقي. هذا الخوف المُصنّع يمنح صناع القرار ترخيصاً سياسياً للإنفاق غير المحدود على الأمن والدفاع، متجاوزاً القيود الميزانية التقليدية.
في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، تحولت دول حلف الناتو من النقاش حول حجم الإنفاق الدفاعي إلى سباق محموم لضخ مئات المليارات في التسلح والمساعدات العسكرية. الخوف الوجودي المُستحضر برر تحويل مبالغ ضخمة من أموال دافعي الضرائب إلى خزائن شركات تصنيع الأسلحة.
إطالة أمد الصراع: ضمان الاستمرارية
جوهر هذا النموذج هو ضمان استمرارية الصراع، لأن النهاية تعني توقف التدفقات المالية. تُصمم الحروب لتكون منخفضة الحدة وطويلة الأمد، أو تُدار بلا أهداف سياسية واضحة وقابلة للتحقيق، مما يجعل الحسم النهائي مستحيلاً.
الصراعات في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن تحولت إلى حروب بالوكالة مفتوحة، حيث أصبح الهدف إدارة الصراع وليس حسمه. هذا سمح باستمرار العقود اللوجستية والأمنية، وازدهار المقاولين الخاصين الذين أصبح بقاؤهم مرتبطاً بالفوضى المُدارة.
تحويل المال العام إلى ربح خاص
هذه الآلية هي الأكثر دقة وتأثيراً في استدامة النموذج. تحت غطاء "الأمن القومي"، تُحوّل أموال الضرائب والديون العامة إلى عقود ضخمة تُدار عبر شبكة معقدة من المقاولين والشركات.
شبكة المقاولين: اقتصاد متشعب
لم يعد النموذج مقتصراً على مصنعي الأسلحة التقليديين، بل توسع ليشمل قطاعات متعددة:
المقاولون العسكريون يوفرون الأسلحة والذخائر، ويستفيدون من التجديد المستمر للمخزونات واستبدال الأنظمة القديمة. المقاولون الأمنيون الخاصون يتولون حماية المنشآت وتدريب القوات وجمع المعلومات، مستبدلين الجيوش النظامية في مناطق الخطر. المقاولون اللوجستيون يوفرون الغذاء والوقود والنقل، فكل يوم إضافي من الصراع يعني عقوداً جديدة. مقاولو التقنية والمراقبة يقدمون حلول الحرب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي والمسيّرات.
هذه الشبكة المتشعبة تخلق جماعات ضغط هائلة، حيث يجد كل طرف في هذه السلسلة مصلحته في استمرار دوران العجلة.
التحالف بين النخب: إغلاق الدائرة
الأرباح الهائلة من هذه العقود لا تبقى حبيسة الخزائن، بل تُعاد استثماراتها في:
التبرعات السياسية والضغط حيث يُوجه جزء كبير من الأرباح لتمويل حملات المسؤولين الذين يقرون الميزانيات العسكرية، ما يضمن استمرار الدعم السياسي للإنفاق الأمني.
المناصب المتبادلة إذ يُعيّن المسؤولون العسكريون والسياسيون المتقاعدون في مجالس إدارات الشركات الأمنية بأجور ضخمة، مما يخلق حافزاً للمسؤولين الحاليين لخدمة مصالح هذه الشركات أملاً في الحصول على مكافآت لاحقة.
ينشأ من ذلك تحالف بين النخب السياسية والصناعية والعسكرية، تحالف لديه مصلحة مؤسسية في عرقلة أي حلول دبلوماسية جذرية قد تنهي الصراع، لأنها تهدد مصدر نفوذهم وثرواتهم.
أمثلة واقعية
في الحرب الأوكرانية، سجلت شركات مثل لوكهيد مارتن ورايثيون أرباحاً قياسية منذ عام 2022، ليس فقط من بيع الصواريخ، بل من العقود طويلة الأجل لتجديد المخزونات الاستراتيجية للدول المانحة. المال العام يتحول مباشرة إلى أسهم مرتفعة وتوزيعات أرباح.
في العراق وأفغانستان، أصبحت شركات الخدمات الأمنية الخاصة المستفيد الأكبر من طول أمد الصراع، حيث تتلقى مبالغ ضخمة لتأمين القوافل والمنشآت، مع رقابة محدودة مقارنة بالجيش النظامي.
حتى في حالات "الحرب غير العسكرية" مثل العقوبات الاقتصادية، يزدهر النموذج. في فنزويلا، تستغل النخب المقربة من السلطة شبكات معقدة للتهرب من العقوبات، ما يدر ثروات على شبكة محدودة من الوسطاء تزدهر بفضل استمرار الأزمة لا حلها.
التكلفة الحقيقية
النتيجة الحتمية لهذا النظام هي نشوء اقتصاد طفيلي مرتبط بالصراع، حيث يصبح العنف مصدراً للدخل والنفوذ. هذا يؤدي إلى تآكل الخدمات الأساسية عبر توجيه الميزانيات من الصحة والتعليم نحو الإنفاق العسكري، وتراكم الديون العامة لتغطية العقود الضخمة، وتمركز الثروة في يد فئة ضيقة تملك حافزاً جوهرياً للحفاظ على النظام القائم.
كسر الدائرة: تحدي السلام
هذا التحليل يفسر لماذا قد يكون إنهاء بعض الحروب أصعب من بدئها. الصعوبة ليست عسكرية أو أيديولوجية فحسب، بل اقتصادية متجذرة: نما نظام كامل للسلطة والمال حول استمرار الصراع.
السلام الحقيقي لا يتطلب اتفاقيات سياسية فقط، بل تفكيك نموذج اقتصادي كامل. يتطلب ذلك مستوى غير مسبوق من الشفافية في العقود الأمنية، وإصلاحات جذرية لقوانين الضغط السياسي، ومنع تبادل المناصب بين القطاعين العام والخاص في المجال الأمني.
كما يتطلب تفكيك الخطاب الإعلامي المسيطر، ذلك أن الإعلام هو الأداة الأولى في تسويق الخوف وتصنيع القبول الشعبي للحرب المستدامة.
إن فهم الصراعات المعاصرة، خاصة في الشرق الأوسط، لا يكتمل من خلال عدسات الأيديولوجيا أو الجغرافيا السياسية وحدها. يجب إضافة عدسة "نموذج العمل الاقتصادي" لفهم دوافع الاستمرار الحقيقية.
الاعتراف بتحول الحرب إلى نموذج عمل هو الخطوة الأولى نحو تحييد هذه الآلة. السلام يحتاج إلى مواجهة التحالف الاقتصادي الذي يستفيد من الدمار، وإلى إرادة سياسية حقيقية لكسر الدائرة المفرغة التي تحول المآسي الإنسانية إلى فرص استثمارية.



#عادل_الدول (هاشتاغ)       Adil_Al_Dool#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في انتظار أن يصبح سببًا
- الحسد: رحلة الشعور الأزلي من الأسطورة إلى الخوارزمية
- أنت والحظ: حين تنحرف المعادلة عن قوانينها
- المأزق الثقافي العربي: بين العجز والنهوض
- الألم... ميلادٌ لا ينتهي
- العصر الأسود: أغنية الشاشات المغلقة
- العراق: هشاشة الدولة وأزمة الهوية الوطنية
- سجون عقولنا غير المرئية: كيف تُديرنا معتقدات الطفولة القديمة ...
- التغيير الإيجابي والمستدام: في معنى التكيّف الهوياتي
- البشتون وإسرائيل: بين الأسطورة التوراتية وأدوات المشروع السي ...
- عندما يُشلّنا الخوف من الخطأ: من تبرير النية إلى امتلاك الأث ...
- هل يحتاج العالم العربي إلى ديمقراطية... أم إلى رؤية جديدة لد ...
- قانون جانتي: يُقلّل من الحسد الطبقي، ويُعزّز التماسك الاجتما ...
- هوليوود تُعيد كتابة سرديّتها: حين يكسر النجوم صمتهم عن فلسطي ...
- التسامح مع عدم اليقين
- الإنسان في عصر البيانات الرقمية: بين الوعي والسيطرة
- يطير الملفوظ... ويبقى المكتوب
- الجذور في الجحيم: في معنى المعاناة كطريقٍ للتحول
- الوساطة منهج فكري وثقافة مؤسسية
- مؤشر مايرز بريجز للأنماط (MBTI) و 16 نوعاً من الشخصية


المزيد.....




- بعد مقتل أبو شباب المتهم بالتعاون مع إسرائيل، غسان الدهيني ي ...
- -متهوّر وغير كفوء-.. انتقادات متزايدة تلاحق وزير الحرب الأمر ...
- بوعلام صنصال يتسلم جائزة -سينو ديل دوكا-.. ويأمل بالإفراج عن ...
- مصدر يمني: السعودية سحبت قواتها من قصر عدن الرئاسي ومواقع أخ ...
- اجتماع أميركي سوري بشأن السويداء في عَمان
- خطة هروب جاهزة لكندا.. فرنسيون قلقون من حرب محتملة مع روسيا ...
- توقيف 4 نشطاء لطخوا صندوق عرض التاج البريطاني بالطعام
- لو باريزيان: ماذا وراء تصريحات بوتين ضد أوروبا؟
- هل تمثل محاكمة الهيشري مدخلا للعدالة الدولية في ليبيا؟
- نجل بولسونارو يعلن نفسه وريثا سياسيا لوالده ومرشحا لرئاسة ال ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل الدول - الحرب كنموذج عمل: كيف تحولت الصراعات إلى آلة للربح المستدام