أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -حين يقف الشيخ أمام الكأس… وهل يجرؤ على الرشفة؟














المزيد.....

-حين يقف الشيخ أمام الكأس… وهل يجرؤ على الرشفة؟


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8545 - 2025 / 12 / 3 - 23:48
المحور: قضايا ثقافية
    


في ليل الشرق الأوسط الذي صار أثقل من رائحة البارود وأبطأ من دوران السياسة، تلمع على طاولة الحاكم الإيراني كأسٌ ليست ككل الكؤوس؛ فهي أشبه بمرآة يرى فيها صاحبها ملامحه حين تذبل، ومشروعه حين يتراجع، ونفوذه حين يتفتت تحت وقع المتغيرات التي لا تستأذن أحدًا. هكذا يبدو المشهد الإيراني اليوم: لحظة رمادية بين تاريخٍ كان يصفق لنفسه بصوتٍ عالٍ وواقعٍ يصفعه بصمتٍ أشد إيلامًا.في عام 1988 وقف روح الله الخميني أمام العالم وهو يعترف بأن الحرب التي ظنها بلا نهاية قد وصلت إلى حافة الهاوية، فقال عبارته الشهيرة:“أشبه من يتجرع السم.” كان ذلك الاعتراف أكثر صدقًا من كل الخطب التي سبقته، إذ أدرك الرجل أن استمرار الحرب يعني نهاية ما تبقى من الدولة، فاختار أن يشرب مرارة الهزيمة دفعة واحدة وبجرأة الحاكم الذي يعرف أن التاريخ لا يرحم لكنه يقدّر الوضوح حين يأتي شجاعًا.
اليوم، في عهد علي خامنئي، تبدو الكأس ذاتها على الطاولة، لكن يد الشيخ لا ترتفع إليها ولا تبتعد عنها. كل شيء يشير إلى أن إيران تتحرك ببطء من خطاب القوة إلى واقع الدفاع، من وهج التمدد إلى ظلال الانكماش. فالنّفوذ الإقليمي الذي طالما اعتُبر ورقة القوة الإيرانية لم يعد يسير في خط صاعد، والميليشيات التي غذّتها لسنوات بدأت تتكسر في حروب الاستنزاف، والاقتصاد يعيش حالة احتضار متكرر، فيما تحوّلت المنظومة الأمنية إلى سقف مثقوب تتسلل منه الاختراقات واحدةً تلو الأخرى. ومع ذلك، لا يأتي اعترافٌ علني، ولا تصدر كلمة صريحة، إذ بات الصمت هو اللغة الرسمية، والمكابرة هي السياسة العليا.
ورغم أن خامنئي لم ينطق بما نطق به سلفه، فإن الواقع السياسي اليوم أكثر بلاغة من كل خطاب. فالهزيمة ليست دائمًا صدمة تُعلَن، بل قد تكون سلسلة تنازلات متراكمة وتراجعات يُدار أمرها ببطء، وتحوّلات تُصاغ وكأنها انتصارات مؤجلة. وكأن الرجل يشرب السم لا دفعة واحدة، بل على شكل جرعات صغيرة بالكاد تُرى لكنها تتراكم لتصنع التأثير ذاته الذي صنعه ذلك الكأس الشهير قبل أكثر من ثلاثة عقود.إن الفلسفة الرمزية في المشهد الإيراني تقول إن الكأس ليست مجرد شراب مُر، بل هي مرآة كاملة للمرحلة. فهي تعكس مشروعًا ظلّ طويلاً يتكئ على الشعارات ثم وجد نفسه فجأة بلا أرض صلبة، وبلا حلفاء مطلقين، وبلا قدرة على إعادة عقارب النفوذ إلى الوراء. كما تعكس نظامًا يدرك أن الاعتراف بالهزيمة أصعب من الهزيمة نفسها، وأن التراجع المعلن مكلف، فيختار التراجع الصامت الذي لا يخدع إلا من يريد أن يُخدع.يقف خامنئي اليوم أمام تلك الكأس التي امتلأت حتى حافتها، لا لأنه يريد شربها بل لأنه لم يعد قادرًا على إزاحتها. فهي قدرٌ يطرق بابه، لا خيارٌ يتأمله. إن شربها، فعل ذلك متأخرًا، وإن رفض، فقد تذوق بالفعل ما هو أمرّ وأقسى عبر سنوات من الانكماش الذي لم يعد خافيًا على أحد. وهنا يصبح السؤال الأهم ليس ما إذا كان سيشرب الكأس، بل ما إذا بقي فيها شيء لم يتجرعه بعد.
في نهاية المطاف يكشف هذا المشهد — بكل رمزيته وسخريته وواقعيته — أن من يحكم عبر الظلال يبتلعه الظل، وأن الشعارات حين تعلو أكثر مما ينبغي تخبو في حلق أصحابها قبل أن تصل للناس. والشرق الأوسط، كعادته، يراقب من بعيد، يبتسم أحيانًا ويهزّ رأسه كثيرًا، ثم يعود إلى يومياته متسائلًا: هل يستطيع رجل قضى عمره يرفع قبضته عاليًا أن يشرب كأس الحقيقة بيدٍ مرتعشة؟



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -منطق الغياب-
- شرقٌ يقترب من صحوته…
- فلسفة الازدحام… حين يتحوّل الطابور إلى ديانة خامسة في عالمٍ ...
- انسحابٌ يُشبهُ خفقة
- حين يتصدّر الصغارُ المشهد… وتغدو الساحةُ مرآةً مشروخة يقيم ف ...
- أجيالٌ تتبدّل… وذائقةٌ تبحث عن نفسها
- لهيبُ الوجد
- نهاية القارئ الأخير… القصة التي تُكتب بلا مَن يقرؤها
- -صمتٌ مصلوب-
- -تاريخ الأعمال الفنية التي حاولت قتل أصحابها-
- -صوتٌ بخمسين ألف… وبلاد تُباع في المزاد-
- جريمة قتل الانتماء… حين ينجو الوطن ويُقتل المواطن
- -عندما يبدّل الناس وجوههم عند عتبة الباب-
- الإنسان الممسوح: حين تُلغى الذاكرة باسم الحماية
- نهاية الشعر وبداية الصمت
- صباحُكِ ريما... حينَ تبتسمُ الحياة
- نهاية الإنسان قبل موته: سقوط الوعي في زمن الآلة المقدّسة
- العراق... حين تنتخب الظلال نفسها
- القيامة التي لم ينتبه لها أحد
- عندما مات الجمال في مرآة الفن


المزيد.....




- محكمة جزائرية تؤيد حكما بالسجن 7 سنوات بحق الصحفي الفرنسي غل ...
- تـونـس: أي واقـع لـلـحـقوق والـحـريـات؟
- فرنسا - الصين: أي اختراق سيحققه ماكرون في بيكين؟
- ما أسباب تأييد الحكم بسجن الصحفي الفرنسي كريستوف غليز سبع سن ...
- لأول مرة خارج إسرائيل... ألمانيا تبدأ بتشغيل نظام -آروو 3- ل ...
- معبر رفح بين خطة ترامب وخطوة إسرائيل
- -شبكات- تتناول تفاعل المنصات مع تهديدات روسيا وتعليق هجرة ال ...
- سوريا ومخاطر المستقبل
- من المستفيد من استهداف الصينيين بطاجيكستان؟
- خبير عسكري: إسرائيل عاجزة عن رسم خارطة أنفاق غزة بعد عامين


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -حين يقف الشيخ أمام الكأس… وهل يجرؤ على الرشفة؟