أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - شرقٌ يقترب من صحوته…














المزيد.....

شرقٌ يقترب من صحوته…


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 12:37
المحور: قضايا ثقافية
    


في لحظةٍ تشبه استقالة القدر من فوضى التاريخ، يقف الشرق الأوسط على عتبةٍ تهتزّ تحتها خرائط الإرث الصفوي الذي تمدّد أربعة عقود بلا حياء، حتى صار ظلّه أثخن من جسده، وصار حضوره في العواصم العربية أشبه بطاعونٍ يوزّع الخراب بالعدل. لم يكن النظام الإيراني، منذ قيامه، مشروع دولة، بل مشروع ثأر طويل النفَس يمدّ أذرعه في المنطقة كما تمدّ النار أصابعها في الهشيم. ومع كل مدينة عربية سقطت في نطاقه، كان يعيد كتابة ذاكرته بزيفٍ مقدّس، ويوغل في تبرير الدم بفتوى، والاحتلال بشعار، والانقسام بقداسة مصطنعة لم تخدع إلا من فقدوا البوصلة. اليوم، ومع اهتزاز الداخل الإيراني تحت وطأة الانهيار الاقتصادي، وتضعضع الحرس الثوري، وصعود الأصوات الغاضبة في طهران وأصفهان وبلوشستان والأهواز، يتراجع وهج هذا النظام الذي ظنّ أن التاريخ ملكٌ لليل دائم. فها هو يتهاوى، ببطءٍ أولاً وبارتباكٍ لاحقًا، حتى بات السؤال: ماذا بعد خامنئي؟
يحاول البعض أن يضع ابن الشاه في الواجهة كرمزٍ لمرحلة ما بعد العاصفة، كأنّ التاريخ يريد أن يُغلق الدائرة التي فُتحت عام 1979. لكن الشرق ليس رواية رومانسية، ولا يستعيد ملوكه بمجرد الحنين. ما بعد خامنئي ليس عودة عرشٍ ضائع، بل احتمالٌ مضطرب لولادة دولة تائهة بين إرث الشاه الحديدي وبين كهنوت الولي الفقيه الذي حوّلها إلى ثكنة. ومع كل هذا، يبقى انهيار النظام الحالي قفزةً نحو شرق أوسطٍ يريد أخيرًا أن يهدأ بعد نصف قرن من الخنق السياسي والميليشياوي. فمتطلبات الاستقرار لم تعد حكراً على العواصم الكبرى؛ صارت رغبة شعوبٍ ملت السلاح العابر للحدود والمقاتلَ الذي يعيش على فتات الثورات والحروب الطائفية.
لكنّ فهم مستقبل الشرق لا يكتمل دون العودة إلى لحظة السقوط الكبرى: سقوط صدام حسين، الحارس الأخير لبوابة الشرق. قد يختلف معه كثيرون، وقد يُدان كثير من سلوكه، لكن الحقيقة التي لا يريد كثيرون الاعتراف بها أنه كان آخر سدٍّ عربي وقف بين العرب وبين الفيضان الإيراني. وقف أمام اثنين وثلاثين دولة، ووقف أمام المشنقة ثابتًا، ينطق الشهادتين في بثّ مباشر بينما كانت عواصم عربية كاملة ترتجف من مجرد بيان أو تهديد. كان خصومه يرتجفون، وكان هو يذهب إلى موته بوجهٍ لم ينكسر. وبينما كان صدام يقف منتصبًا في لحظته الأخيرة، كان حسني مبارك يرتجف في محكمته ويتبول على نفسه، لا تشفع له ملياراته، ولا تحميه دهاءاته الصغيرة ولا ولاؤه العميق لبوش وولده. تلك المفارقة لم تكن مفارقة أشخاص، بل مفارقة أمة بكاملها بين زمن كانت فيه القوة جزءًا من بنائها، وزمن صار فيه حكامها كراسيَ فارغة تتحرك بالتحالفات لا بالإرادة.
بعد سقوط العراق، دخلت الأمة مرحلة “أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض”، فالنظام الإيراني الذي كان يرتجف من مجرد اسم العراق، تمدّد بلا رادع. تمدّد في سوريا ولبنان واليمن وغزّة والعراق ذاته، وصار العرب يتراجعون خطوةً بعد خطوة، حتى صار القائد العربي مجرّد ظلٍّ لحلفٍ دولي أو لمنصبٍ هشّ تحرسه أجهزة أكثر مما تحرسه الشعوب. وحين خان العرب العراق، خانوا أنفسهم قبل أن يخونوا رجلاً اسمه صدام. خانوا مستقبلهم، وتركوها ساحةً مفتوحة لكل من أراد أن يمرّ بالسيف أو بالدين أو بالطائفية.لقد أدار النظام الإيراني، طوال العقدين الماضيين، أوسخ حروب الطائفية التي عرفها الشرق؛ حروبًا يقودها ورثة الصفويين والفاطميين والقرامطة والحشاشين الجدد، ميليشياتٌ تحترف تفكيك المجتمعات قبل أن ترفع بندقيتها. استخدموا اسم الحسين—ابن الأمة البار الذي قاتل الفرس وحارب ظلمهم—ذريعةً لقتلنا باسمه، لم يدركوا أن الذين قتلوه كانوا من مواليه لا من خصومه، وأن رفع رايته لا يتسق مع ذبح الشعوب ولا مع ابتزازها ولا تحويلها إلى قطعانٍ تنتظر أمر الوليّ. لقد كانت الطائفية آخر رصاصة يطلقها النظام الإيراني على الأمة، لأنه يعرف أنه كلما اشتعلت الفتنة، تمدّد هو. وكلما هدأ العقل العربي، انكمش مشروعه.
واليوم، مع اهتزاز هذا النظام من الداخل، ومع تقلّص نفوذه في العواصم العربية التي كان يفاخر بأنه فتحها بلا حرب، تقف المنطقة على أعتاب مرحلة جديدة. قد لا تكون وردية، وقد لا تكون سهلة، لكنها المرة الأولى التي يشعر فيها العرب أنهم قادرون على استعادة المساحة التي سُرقت منهم. ليس لأن إيران ستنهار بالكامل، بل لأنها ستنكفئ، وستحتاج سنوات طويلة لتداوي جراحها الداخلية، ولتعيد تعريف دورها في عالم لم يعد يخاف الشعارات ولا يخدع بالميليشيات. الشرق الأوسط الجديد لن يكون هادئًا تمامًا، لكنه سيكون أقلّ ارتهانًا وأقلّ تشتتًا، وربما أكثر قدرةً على مواجهة نفسه قبل مواجهة الآخرين.إنّ زوال النظام الإيراني ليس نهاية صراع، بل بداية مراجعة، وبداية انتقال نحو مرحلةٍ تتجاوز عقدة الثأر والتوسّع والتطييف. مرحلةٌ تتعلّم فيها الشعوب من أخطائها، وتفهم أنّ الأمم لا تُحمى بالتحريض الطائفي، بل بالوعي، ولا تُصان بالعصبيات، بل بوحدة المصير. وإذا كان التاريخ قد دوّن سقوط الثور الأبيض، فإنّ الشرق اليوم، بعد كل هذه الدماء والخذلان والأقنعة، يقف للمرة الأولى أمام فرصة ليرمم نفسه… وينهض.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة الازدحام… حين يتحوّل الطابور إلى ديانة خامسة في عالمٍ ...
- انسحابٌ يُشبهُ خفقة
- حين يتصدّر الصغارُ المشهد… وتغدو الساحةُ مرآةً مشروخة يقيم ف ...
- أجيالٌ تتبدّل… وذائقةٌ تبحث عن نفسها
- لهيبُ الوجد
- نهاية القارئ الأخير… القصة التي تُكتب بلا مَن يقرؤها
- -صمتٌ مصلوب-
- -تاريخ الأعمال الفنية التي حاولت قتل أصحابها-
- -صوتٌ بخمسين ألف… وبلاد تُباع في المزاد-
- جريمة قتل الانتماء… حين ينجو الوطن ويُقتل المواطن
- -عندما يبدّل الناس وجوههم عند عتبة الباب-
- الإنسان الممسوح: حين تُلغى الذاكرة باسم الحماية
- نهاية الشعر وبداية الصمت
- صباحُكِ ريما... حينَ تبتسمُ الحياة
- نهاية الإنسان قبل موته: سقوط الوعي في زمن الآلة المقدّسة
- العراق... حين تنتخب الظلال نفسها
- القيامة التي لم ينتبه لها أحد
- عندما مات الجمال في مرآة الفن
- حين أحببتها كانت النقود لا تعرف اسمي
- خونة بغداد


المزيد.....




- وزير السياحة السعودي لـCNN: سنجعل المملكة -واحدة من أكثر الد ...
- إيقاف -دمية ذكية- على شكل دب للأطفال بعد تقديمها نصائح جنسية ...
- هل إنجاب الأطفال يُقصّر العمر؟
- مقتل خاشقجي.. دعوات للكشف عن نص مكالمة قديمة بين ترامب وابن ...
- رسائل غياب ترامب عن قمة الـ20 في جنوب أفريقيا
- فنزويلا تهدد باعتبار ماتشادو -هاربة- إذا غادرت لتسلم جائزة ن ...
- حريق بمقر انعقاد مؤتمر المناخ في البرازيل
- محكمة فدرالية تبطل قانونية نشر الحرس الوطني في واشنطن
- رادار موسكو لم يستقبل إشارة.. هل وافقت كييف على التفاوض؟
- مصدر يكشف مكان تمركز القوات الأميركية في دمشق


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - شرقٌ يقترب من صحوته…