أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -صوتٌ بخمسين ألف… وبلاد تُباع في المزاد-














المزيد.....

-صوتٌ بخمسين ألف… وبلاد تُباع في المزاد-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 14:57
المحور: قضايا ثقافية
    


يا لهذا الوطن الذي صار مقبرةً للأصوات قبل أن يكون مقبرةً للأحلام، ويا لهذا المواطن الذي وقف أمام صندوق الاقتراع كمن يقف أمام بائع سجائر، فمدَّ يده المرتجفة ليستلم خمسين ألفًا، هي في الحقيقة ليست ثمن صوته، بل ثمن ضميره وهو يُسلَّم ملفوفًا بكيس نايلون مثل لفة دجاج رخيصة، أو مثل قميص ممزق رماه الزمان على حبال الفقر. ومع ذلك يمشي مرفوع الرأس كأنه أنجز انتصارًا، بينما كل ما أُنجز هو توقيع عقد إذلال طويل الأمد مع سارقٍ يعرف جيدًا أن هذا الصوت الأرخص من الهواء سيعود غدًا ليصرخ، وسيصرخ أكثر مما يحتمل صدره الضيق.ويا لسخرية القدر… فالبائعُ اليوم هو أولُ المشتكين غدًا، يقف عند أول قطرة مطر تهبط من السماء، فينفتح فمه بالشتائم ويده على رأسه يصيح: "وين الدولة؟" أيُّ دولة تبحث عنها يا صاحبي؟ وهل تبقى دولة حين تُباع أنت في سوق نخاستك السياسي؟ أيُّ مؤسسات تنتظرها لتسعفك والمستشفى عندنا لم يعد مستشفى، بل واجهة إسمنتية تُمارس الفضيحة بكل لغاتها، يقف فيها المريض ليطلب سريرًا كما يطلب فقير رغيفًا، ويموت قبل أن يكتشف أنه مجرد ظلٍّ تائه في دهليز بلا ضوء.أم تريد مدرسة؟ مدرسة!… ياله من حلم. مدارسنا اليوم أشبه بصوامع مهجورة، صفوفها تُدرّس الغبار أكثر من المناهج، وساحاتها تتكلم لغة الخراب، والطفل فيها يجلس على كرسي مكسور يشبه مستقبل الوطن، لكن ذلك لم يمنعك من بيع صوتك، لأنك ظننت أن خمسين ألفًا ستصنع لك خلاصًا، بينما هي لم تشترِ إلا صمتك، ولم تمنحك إلا عبودية جديدة.إن الذي باع صوته لا يقل خيانةً عن الذي اشتراه، كلاهما يتقاسمان جريمة واحدة: الأول سرق الوطن بختمٍ رسمي، والثاني فتح له الباب وسلّمه المفتاح وهو يبكي من ضيق الحال. لا تخبرني بأن الحاجة قاسية، نعم قاسية، لكنها لا تبرّر أن تتحول أنت إلى جسر يعبر عليه اللصّ نحو البرلمان ليقضم ما بقي من وطنك ثم يعود إليك بعد أربع سنوات ليقول لك: "خدمناكم… صوّتوا لنا مرة أخرى!".أتعرف ما الذي صنعته بيديك؟ لقد فوّضت السارق ليُشرّع سرقتك، ومنحته الحق في أن يضحك عليك وأنت واقف في طابور البنزين، وفي طابور الدواء، وفي طابور البطاقة التموينية التي لم تعد تُسمن ولا تغني من جوع، وفي طابور الماء الذي ينقطع كلما قرر المسؤول أن يمارس هواية التجفيف. فوّضته ليحوّل حياتك إلى طابورٍ يمتد من باب بيتك حتى آخر حدود اليأس.وحين تجتاح مدينتك أول موجة مطر، وتطفو الأرصفة كأنها سفن غارقة تبحث عن ميناء، وحين تتقيأ الشوارع كل ما فيها من أوساخ، وتصبح الطرق شرايين مسدودة، لا تقل لي: "أين الإعمار؟ أين الخدمات؟" بل اسأل نفسك أولًا: أين كان عقلك حين بعت صوتك؟ أين كان ضميرك حين قبلت أن يتحول وطنك إلى فريسة؟ إنك شريك كامل في الجريمة، شريكٌ لا يمكن إعفاؤه من المسؤولية، لأنك وقّعت بيدك على صك خرابك.والنائب الذي اشتراك… لا تلومه. فهو لم يحتلّك عنوة، أنت من رافقته إلى كرسيه وقلت له: "خذني، واغتصب حقي، واصنع منّي رقمًا في سجل ضحاياك." وهو فعل ذلك بمهارة، وعدك ببحر من وعودٍ لا ماء فيها، وألقى عليك بقايا كلمات من نوع "سنصلح، سنبني، سنخدم"، ثم نسيك، لأنك نسيت نفسك أولًا.أكتب إليك اليوم لا لأجل جلدك، بل لأجل أن تفهم أن الوطن لا يبنى بالأصوات المباعة، ولا ينهض على أكتاف المرتجفين، ولا يستعيد كرامته بجيش من الحمقى الذين يظنون أن خمسين ألفًا تغيّر قدرًا. الوطن يُبنى حين يكفّ المواطن عن أن يكون جزءًا من المزاد، وعن أن يمد يده كما يمدّها الشحّاذ، ثم يتوقع أن يعيش كالملوك.
يا أيها البائع صوته، حين تتراكم المياه عند باب بيتك، وحين تتوقف شبكة الكهرباء كما تتوقف الحكايات الرديئة، وحين يعلو صراخ المرضى في المستشفيات المكسورة، لا تقل لي إنك مظلوم. أنت لست مظلومًا… أنت صانع الظلم، لأنك سلّمت المفتاح بيدك، ثم أردت للباب أن يبقى مغلقًا على غيرك فقط، بينما الخراب لا يعرف التمييز، يصلك كما يصل غيرك، ويلدغك كما يلدغ من لم يبع.
هذه البلاد تستحق من يصوّت لها… لا عليها. ومن يرفعها… لا يبيعها. ومن يسمو بها… لا يذلّها. أما أنت، فإمّا أن تعود إنسانًا، أو تبقى سلعة. وفي المزادات السياسية، السلع لا تبكي. لكنها تُرمى حين تنتهي صلاحيتها.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جريمة قتل الانتماء… حين ينجو الوطن ويُقتل المواطن
- -عندما يبدّل الناس وجوههم عند عتبة الباب-
- الإنسان الممسوح: حين تُلغى الذاكرة باسم الحماية
- نهاية الشعر وبداية الصمت
- صباحُكِ ريما... حينَ تبتسمُ الحياة
- نهاية الإنسان قبل موته: سقوط الوعي في زمن الآلة المقدّسة
- العراق... حين تنتخب الظلال نفسها
- القيامة التي لم ينتبه لها أحد
- عندما مات الجمال في مرآة الفن
- حين أحببتها كانت النقود لا تعرف اسمي
- خونة بغداد
- حين سُرِقت حاوية الزبالة… ومات الضمير في صمت الوطن!
- موت الحقيقة في مقبرة الثقافة
- نشوز الأرواح
- تبتسمُ العيونُ في وجهي
- ريما.. حين تبتسم الكواكب
- الرب الذي هرب من معبده
- الخيانة الكبرى... بين ابن العلقمي وورثة المجوس
- على عتبة الغياب
- العراق… بين الطين والوصاية


المزيد.....




- دريسكول: الجيش الأمريكي مستعد لتحرك عسكري بشأن فنزويلا -إذا ...
- هويته الحقيقية لم تمنع احتجازه.. شاهد عملاء فيدراليين يعتقلو ...
- مصر تستضيف مبادرة الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار بعد النزاع ...
- قطعان الأغنام تعبر مدن ألمانية نحو مراعي الشتاء
- حكومة نتنياهو تقرر تشكيل لجنة غير رسمية للتحقيق بأحداث 7 أكت ...
- أعطوا سوريا فرصة.. الكونغرس الأميركي يراجع عقوبات قانون قيصر ...
- نتائج 30 سنة من البحث العلمي: العلاقات الناجحة تبدأ من الطفو ...
- خطاب حرب أم ضغط تفاوضي؟.. نتنياهو وزامير يرفعان نبرة التهديد ...
- إعلان جبل العرب.. محاولة لكسر الاحتكار السياسي في السويداء
- حماس تحذر من -وصاية بديلة- وتطالب بقرار أممي لحماية وقف إطلا ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -صوتٌ بخمسين ألف… وبلاد تُباع في المزاد-