أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق… بين الطين والوصاية














المزيد.....

العراق… بين الطين والوصاية


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 16:09
المحور: قضايا ثقافية
    


العراق… ذلك الكائن الذي كُتب عليه أن يكون ساحةً تتقاطع فيها إراداتُ الآخرين قبل أن يكتشف إرادته. أرضٌ نُسجت من طين الأنبياء ودم الشهداء، لكنّها اليوم تُساق بخيوطٍ غير مرئية، تتدلى من أصابعٍ غريبةٍ تُدير المشهد من خلف الستار، وتدّعي الحماية وهي تمارس الوصاية. في كلِّ مرةٍ يُطلُّ فجرُ إصلاحٍ محتمل، تُطفئه يدُ السياسة قبل أن يُتمّ الشروق، وكأنّ العراق محكومٌ بأن يظلّ في المنطقة الرمادية بين الدولة واللا دولة، بين القرار والسيطرة، بين السيادة والولاء.في تصريحٍ أثار دهشةَ العارفين، رفضَ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني نزعَ السلاح من الميليشيات العراقية، وكأنّه يعلن أنَّ السلاحَ باتَ هويةً موازيةً للوطن، وأنّ من دون تلك البنادق لن تقوم للعراق قائمة. ربطَ نزعَ السلاح بانسحاب القوات الأمريكية، فصارَ الأمنُ العراقي مرهونًا بالمساومة، لا بالمؤسسات. نسيَ أن تلك القوات –على ما فيها من جدلٍ وتاريخٍ متشابك– كانت يومًا ما صمّامَ الأمان الذي حال دون انهيار البلاد حين تمددت الفوضى في 2014، يومها لم يكن السلاحُ العراقيّ كافيًا ولا الولاءُ الوطنيّ حارسًا.
هكذا يُدار العراق اليوم بمنطق المقايضة لا بمنطق الدولة. السياسة فيه سوقٌ مفتوحةٌ للمناورات، لا للتفاهمات. كلُّ شيءٍ قابلٌ للبيع: القرار، الولاء، وحتى الحلمُ البسيط لمواطنٍ يريد أن يعيش بلا خوف. الفصائل التي وُلدت من رحمِ الحروب صارتْ الآن أمًّا للدولة، تُرضعها الأوهام وتربيها على الاتكاء على الخارج. وما الخارجُ سوى إيران، تلك الجارة التي تحوّلت من جارٍ إلى قَدَرٍ، ومن شقيقٍ إلى وصيٍّ يرى في العراق ذراعًا طويلةً لمشروعه لا شريكًا في الوجود.إيران، وهي تحتفل بيوم “مقارعة الاستكبار”، لا تُقارع إلا شعبها. تهتف بالموت لأمريكا فيما يختنق الإيرانيّ في صفوف الخبز والحرمان، وتهتف للقدس وهي تسرق قوت الفقراء لتموّل ميليشياتٍ تنشر الموت باسم المقاومة. من يتحدث عن “مقاومة الاستكبار” وهو يُكمّم أفواه شعبه ليس ثائرًا، بل طاغيةٌ يختبئ وراء الشعارات المهترئة كمن يتدثر بثوبٍ مبلّل في عاصفة. خامنئي، في نشوته الخطابية، يعلم أن لا أحد يريد التفاوض معه، فيحاول حفظ ماء وجهه بادّعاء القوة، ويشترط انسحاب أمريكا قبل الحوار، كمن يشترط سقوط السماء ليؤمن بالمطر.أمّا العراق، فهو المرآة التي تنعكس فيها تناقضاتُ إيران. كلما ضعفت طهران، شدّت قبضتَها على بغداد. كلما جاع الإيراني، امتلأت جيوب سماسرة السياسة في الجنوب. وحين يحتجّ العراقي على الفساد، يُتهم بالعمالة، وكأنّ الوطنية أصبحت ماركةً مسجلة باسم الميليشيات، لا انتماءً فطريًّا لوطنٍ منهكٍ من الطاعة والانقسام.في المشهد الانتخابيّ، تتجلى الكارثة بأوضح صورها. أغلب المرشحين نتاجُ زمنٍ هجينٍ لا يفرزُ نخبةً بل يعيد إنتاج الرداءة. المستوى المتدني للخطاب، الفقر الفكريّ، انعدام الرؤية، كلّها تعكسُ عُمقَ الفساد الذي تحوّل من ظاهرةٍ إلى ثقافة، ومن ثقافةٍ إلى منظومةٍ أخلاقيةٍ مقلوبة. صار الفاسد ينتخب مثيله، والمنافق يُزيّن للمنافق سوءَ عمله، فغدت صناديقُ الاقتراع أشبه بمرآةٍ تعكس بشاعة المشهد السياسيّ لا إرادة الشعب.العراق اليوم يقف في مفترقٍ فلسفيٍّ لا سياسيّ: إما أن يُعيد اكتشاف ذاته كفكرةٍ تتجاوز الطائفة والوصاية، أو أن يذوب في خريطةٍ يُرسم لونها في طهران وتُنفّذ خطوطها في بغداد. لم يعد السؤال: من يحكم العراق؟ بل: هل ما زال العراق يحكم نفسه؟ بين سطور التصريحات والاتفاقيات، ثمة وطنٌ يبحث عن ملامحه، عن اسمه القديم حين كان يُدعى “بلاد الرافدين” لا “المنطقة الخضراء”.ربما لا يحتاج العراق إلى جيوشٍ جديدة، بل إلى ذاكرةٍ نظيفة. إلى وعيٍ يعيد ترتيب المعنى، لا السلاح. فالأوطان لا تُبنى بالبندقية، بل بفكرةٍ تُضيء الطريق وسط الظلام. وإلى أن يستعيد العراقيّ وعيه الجمعيّ، سيظلّ المسرح مفتوحًا للممثلين القادمين من وراء الحدود، وسيتحول الوطن من خريطةٍ إلى روايةٍ تُروى في مجالس السياسة، تُبدّل نهايتها حسب مَن يمسك القلم.لكنّ العراق، مهما انكسر، يظلّ كالفجرِ المؤجل، لا يموت في الغروب، بل يُؤجّلُ شروقَه ليومٍ يليقُ بدمه وتاريخه. يومٍ تُسكت فيه البنادقُ وتتكلمُ الضمائر. يومٍ تُكسر فيه وصايةُ الشرق والغرب معًا، ويقفُ العراق أخيرًا، كما وُلد أول مرة، سيدًا من طين الرافدين… لا من رماد الآخرين.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجادرية... المرآة التي كشفت وجه السلطة
- بلاد العبور الممنوع: انكسرت البوصلة بين دجلة والممرات.
- أنثى الضوء
- الخيانة الكبرى: خيانة الإنسان لذاته
- الكتابة من فم الموت
- جسدٌ يحاكي حُطامَهُ
- مواسم الانتظار
- وردٌ على فم الموت
- الخراب في مرآة الإنسان: الحرب السودانية وصراع النفوذ في جسد ...
- حينما هُدم التمثال، تكلم الحجر بلغة الجواد
- نامت المرآة في جيب الهاتف
- عليٌّ بريءٌ من عليِّكم
- العشيرة... بين لحمِ الأرض وروحِ الوطن
- الزجاج الذي لا يُشعَب… ووطنٌ كُسِرَت ملامحه
- عندما تجمّدت الشمس في صدورنا
- حين كُسِرت أصابعي ولم تَعُد تُمسك القلم
- الأحواز… نبيّ العطش المنسي
- اجعلوني مرجعاً لأيام
- إعلان وفاة حي
- اليمن.. من مملكة سبأ إلى ظلال الطائفية: رحلة وطنٍ في مواجهة ...


المزيد.....




- بالنص والفيديو.. شريهان تستعيد مشاركتها التاريخية في احتفالي ...
- مصدر يوضح لـCNN تفاصيل مساعي إدارة ترامب للدفع بقرار أُممي ب ...
- ميرتس: لا أساس قانوني لبقاء السوريين وأدعوهم للعودة لإعادة إ ...
- رونالدو يعلن اقتراب اعتزاله ويستعد للفصل الأخير من مسيرته
- ماكرون يعلن إطلاق سراح فرنسيين كانا محتجزين في إيران منذ عام ...
- غوتيريش: مجلس الأمن مرجعية أي كيان ينشأ لغزة وحان وقت السلام ...
- وفاة ديك تشيني أحد أبرز مهندسي غزو العراق عن 84 عاما
- بدء محاكمة لافارج الفرنسية بتهمة -تمويل الإرهاب- في سوريا
- صحف عالمية: تقارير تكشف جرائم الدعم السريع بالفاشر ودعوات لت ...
- للحد من الاحتباس الحراري.. ماسك يخطط لـ-حجب الشمس-


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق… بين الطين والوصاية