أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - نامت المرآة في جيب الهاتف














المزيد.....

نامت المرآة في جيب الهاتف


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 11:49
المحور: قضايا ثقافية
    


في البدء كانت المرأةُ مرآةَ الكون، تحمل الضوءَ في حدقتيها، وتُعيد للحياةِ طُمأنينتها كلّما اختنق الوجودُ من غباره. كانت تمشي بخطواتٍ من خفرٍ ونور، تعرف أنّها سرُّ الخلق، لا تابعته. لكنّ العالم حين غيّر ملامحه، لم يغيّر قلبه، فنامت المرآة في جيب الهاتف، ونامت معها أنوثةٌ كانت تُحسن الإصغاء لصوتها الداخلي أكثر مما تُحسن الإصغاء للضجيج الخارجي.تحوّلت المرأةُ من كائنٍ يُحاور ذاته إلى كائنٍ يُحاور شاشته، ومن وجهٍ يلمع بالصدق إلى صورةٍ تبحث عن الضوء الاصطناعي كي تُقنع العالم بأنها سعيدة. صار الجمالُ يُقاس بزاوية الكاميرا لا بزاوية الفكر، وصارت العيون تفتّش عن "الفلتر" قبل أن تفتّش عن الحقيقة. وهكذا، سُرقت منها البراءة القديمة التي كانت ترى الجمال في التعب، والبهاء في العفوية، والقداسة في التجاعيد التي تشهد على عمرٍ من الكفاح لا من المساحيق.نامت المرآة في جيب الهاتف، وصارت المرأةُ تحمل هاتفها كما تحمل مصيرها، تُمسك به كي لا تسقط من قائمة الوجود، وتبتسم فيه كي لا تُتهم بالكآبة، وتُجمّل نفسها فيه كي لا يقال إنها لم تواكب الزمن. وما علمت أنّ الزمن لم يطلب منها أن تواكبه، بل أن تُعيد إليه روحه.في عالمٍ يدّعي المساواة، لم يتحرّر الجسد بقدر ما تغيّرت قيوده. كانت الأغلال من حديد، فأصبحت من ضوءٍ وشهرة، من إعلانٍ وصورة، من نظرةٍ تتسلّل إلى العيون عبر الشاشات فتُعيد تشكيل الوعي. حُوصرت المرأةُ داخل قالبٍ أنيقٍ يُدعى "الحرية"، لكنه يخفي تحت بريقه عُزلةً من نوعٍ جديد.لم تعد تُقاس مكانتها بما تحمله من فكرٍ أو بما تمنحه من دفءٍ للعالم، بل بما تتركه من أثرٍ في موجات الإعجاب اللحظي، في الإشعارات التي تُشبه التصفيق الإلكتروني. صارت أنوثتها مسرحًا يُعرض عليه الجسد، بينما تُطفأ فيه أضواء الروح. ومع ذلك، لم تمت المرأة، بل تخلّقت من جديدٍ في أشكالٍ أكثر دهاءً: صارت تكتب، وتفكّر، وتتمرّد بلغةٍ أعمق من الصراخ.كلُّ امرأةٍ هي تاريخٌ لا يُكتب إلا حين تتألم. تحمل في صمتها فلسفةَ البقاء، وفي عينيها سؤالَ الوجود: لماذا يُطلب منها دائمًا أن تكون كلَّ شيءٍ إلا نفسها؟ لماذا يُغفر للرجل جنونه ويُدان حزنها؟ لماذا تُنادى بالعقل حين تطيع، وتُرمى بالجنون حين تختار؟في الشرق، ما زالت تحفر طريقها بين حجارة العادات القديمة. وفي الغرب، تُصارع قالبًا آخرَ من التشييء المزيّن بالألوان. كلاهما يطلب منها أن تكون كما يريد، لا كما هي. ومع ذلك، تقف في المنتصف، شامخةً كتمثالٍ من نبضٍ ووعي، تُعيد للعالم توازنه حين يختلّ.ليست المرأةُ خصمًا لأحد، بل هي توازنُ الوجود. هي الصدى الذي يُعيد للضجيج لحنَه، وهي الحنان الذي يُرمّم الخراب في قلب العالم. من رحمها يولد الإنسان، ومن صبرها تنبت الفصول، ومن دمعتها يتطهّر التاريخ من قسوته. وإذا كانت الحضارةُ تُقاس بما تُعطيه للمرأة، فإنّ الإنسانية تُقاس بما تفهمه منها.يا امرأة العالم، يا وجه الحقيقة المختبئ خلف شاشات الزيف، لا تنتظري أن يُمنح لكِ ما هو حقّك. الحريّة لا تُوهب، إنّها تُنتزع بالوعي، والكرامة لا تُستعطى، إنّها تُخلق من إصراركِ على أن تكوني ذاتك. كوني أنوثةً تفكّر، لا أنوثةً تُستهلك. كوني المرآة التي لا تنام، لأنّ العالم يحتاج أن يرى نفسه فيكِ لا في انعكاسكِ عليه.وحين تستيقظ المرآة من نومها في جيب الهاتف، لن ترى المرأة وجهها فحسب، بل سترى البشرية كلّها وهي تحاول أن تتذكّر أنّ أجمل ما في الإنسان هو صدقه، وأنّ أصدق ما في الصدق هو وجه امرأةٍ لا تخاف من أن تكون إنسانة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عليٌّ بريءٌ من عليِّكم
- العشيرة... بين لحمِ الأرض وروحِ الوطن
- الزجاج الذي لا يُشعَب… ووطنٌ كُسِرَت ملامحه
- عندما تجمّدت الشمس في صدورنا
- حين كُسِرت أصابعي ولم تَعُد تُمسك القلم
- الأحواز… نبيّ العطش المنسي
- اجعلوني مرجعاً لأيام
- إعلان وفاة حي
- اليمن.. من مملكة سبأ إلى ظلال الطائفية: رحلة وطنٍ في مواجهة ...
- مواعيدُ عَرقوبٍ على مَائدةِ المتقاعدين.. فلسفةُ الوعود المؤج ...
- المسرح ككائن سيكولوجي: جدلية النصّ والفنّان والجمهور بين الخ ...
- العراق… مأساةٌ في هيئةِ انتخابات
- تخوم النفس والخيال: تأملات في السيكولوجيا الأدبية الفلسفية
- مارك سافايا… المبعوث الذي يوقظ جراح العراق بين الشك واليقين
- أمراء الظلال... وتجار النسب في سوق الوهم
- تُناجي الأطلالُ غريبَها
- الضعف المضيء
- العاشق الخائف من الرنين
- حديث الظلال.. في فلسفة الفتنة ومكر السلطان
- الآلة التي بكت في صمت الوجود


المزيد.....




- كوريا الجنوبية تمنح ترامب تاجًا ملكيًا كأحد أفراد العائلة ال ...
- نم بحذر.. تجربة مبيتٍ في فندق بطابع المهرّجين سيّئ الصيت في ...
- كيتي بيري تخطف الأنظار بإطلالة فستان أحمر أنيق في باريس
- إسرائيل تعلن استئنافها وقف إطلاق النار في غزة بعد غارات ليلي ...
- نحو 100 قتيل في غزة خلال أقل من 12 ساعة.. والجيش الإسرائيلي ...
- بعد أكثر من مئة عام.. العثور على زجاجة تحمل رسائل جنود أسترا ...
- ابن مروان البرغوثي يقول إن إسرائيل يستهدفون والده لأنهم يرون ...
- صور أقمار اصطناعية تظهر أجساماً يُرجح أنها تعود لجثث بشرية ف ...
- إسرائيل تُعلن -إعادة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار-، وكاتس يؤك ...
- ملفات حقوقية وسياسية شائكة تلقي بظلالها على أول زيارة لميرتس ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - نامت المرآة في جيب الهاتف