حامد الضبياني
الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 20:07
المحور:
قضايا ثقافية
سأحبكِ بصمتٍ يشبهُ انحناءةَ الدعاء،
بخشوعِ من يخافُ أن تفضحَهُ دمعة،
سأحبكِ في العتمةِ،
حيث لا يراكِ الضوءُ ولا يُخطئُكِ الظلّ،
سأحبكِ من وراءِ حجبِ الرنينِ والرسائل،
حُبًّا لا يَعرفُهُ أحد،
ولا يعترفُ بهِ أحد،
إلا قلبي الذي يتلعثمُ كلَّما كتبَ اسمكِ.
أخافُ الهاتفَ حينَ يضيء،
كأنَّ الشيطانَ يسكنُ إشعارًا،
وكأنَّ كلَّ ضوءٍ صادرٍ منه
هو وشايةٌ بالحبِّ
تُعلنُها الشاشاتُ أمامَ العائلة.
كم مرةٍ خِلتُ قلبي سيقعُ من مكانهِ
حينَ رنَّ الهاتفُ فجأة،
وانتفضتُ كما ينتفضُ العاشقُ أمامَ تهمةٍ مقدّسة،
تهمةِ أن يحبّ.
يا ابنةَ الأصل،
يا زهرةَ الحياءِ في زمنٍ فاحشٍ،
تعلمينَ أني لا أحبُّ ما يُكتبُ علنًا،
ولا ما يُقالُ في السرِّ عبرَ شاشةٍ ملوّثةٍ بالغرائز.
أنا آخرُ الذينَ يُحبّونَ بخوف،
آخرُ الذينَ يكتبونَ للروحِ لا للجسد،
ويُخفونَ نيرانَهم في جيبِ الكلام.
كم تمنيتُ أن أقولَ لكِ: "اشتقت"،
لكنَّني اكتفيتُ بالنظرِ إلى النقاطِ الثلاث في صندوقِ الدردشة،
تلكَ التي تخبرني أنكِ تكتبينَ شيئًا
ثم تتراجعين،
كأنَّ الخوفَ يمحو الحروفَ قبل أن تولد.
يا لرقّةِ الهلعِ حينَ يتواطأُ مع الحياء،
يا لجمالِ الصمتِ حينَ يصيرُ لغةً للحبّ.
سأغادرُ كلَّ البرامج،
وأتركُ العالمَ في ضجيجهِ الأزرق،
سأطفئُ كلَّ الأضواء،
وأبقي ضوءَكِ يتسللُ من بينِ أهدابي.
أريدُ أن أراكِ بلا شاشة،
أن أسمعَكِ بلا موجات،
أن ألمسَكِ من دونِ رموزٍ رقمية،
أريدُ أن يعودَ الحبُّ كما كانَ يومَ كانَ الخوفُ جمالًا،
واللقاءُ معجزة،
والكتمانُ طُهرًا.
أحبكِ...
لكنّي أخافُ عليكِ من العالم،
وأخافُ على نفسي منكِ،
من أن تنكشفَ رسائلي في منتصفِ العشاء،
أو يسمعَ أحدهم نغمةً فيها اسمي،
فأُدانَ من دونِ محاكمة،
وأُنفى من قلوبِ الطيبينَ
بتهمةِ أني أحببتُكِ في غيرِ الوقتِ والمكانِ المناسبين.
ما أعظمَ هذا الحبّ حينَ يُقاتلُ في الظل،
وما أوجعَهُ حينَ يُولدُ مكمَّمًا،
ينمو في جيبٍ،
ويحيا على حافةِ حذفٍ واحد.
أحبكِ...
لكنّي أعيشُ في زمنٍ
تُراقبُ فيهِ الملائكةُ الحسابات،
ويخافُ العاشقُ من لقطةِ شاشةٍ تُحاكمُ قلبه.
فاسمحي لي أن أكونَ الغائبَ الحاضر،
الذي يمرُّ في حياتكِ كالنسيم،
يتركُ أثرهُ ولا يُرى،
كالذي يُحبُّ من وراءِ الستارِ
كي لا يخدشَ حياءَ الحلم.
سأظلُّ أحبكِ هكذا،
بخوفٍ نبيل،
وصمتٍ يشبهُ العبادة،
لأنّي أدركُ أنَّ الحبَّ حينَ يكونُ صادقًا
يخشى أن يُمسكَ أحدٌ بيده،
قبلَ أن يُمسكَ بالروح.
#حامد_الضبياني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟