أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق.. جمهورية الجسور المكسورة














المزيد.....

العراق.. جمهورية الجسور المكسورة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 10:48
المحور: قضايا ثقافية
    


كان يمكن لهذا الوطن أن ينهض على كتف نخلة، لو لم تُثقل ظهرها صفقات النفط، وأن يُغني أغنية للوطن، لو لم تُكمم فم المغني أوراق التعيين والولاء. لكنّ سلطة الفساد آثرت أن تجعل من الخراب مشروعًا وطنياً، ومن الصمت فضيلة جمهورية، ومن الكذب شعارًا انتخابياً يتكرر كل أربع سنوات، بنفس الوجوه، وبنفس الوعود التي تُعاد صيانتها أكثر من الجسور المتهالكة.لقد أُهملت الملفات كما تُهمل أرواح الفقراء في طوابير المستشفيات، وكأن لكل ملف شهادة وفاة مُسبقة، مذيلة بختم "عدم المتابعة". فالتعليم صار مزحة سمجة في فم سياسي جاهل، والماء غدا أمنية لا تُستجاب إلا بعد استحصال موافقات من سدود الآخرين، والزراعة تحولت إلى مشهد فولكلوري في مهرجان استيراد البصل من إيران والطماطم من تركيا، أما الفلاح فقد باع آخر محراث ليشتري عبوة ماء بارد.أما الأمن المجتمعي، فهو مجرد كلمة يُتلى بها خطاب، في بلد كل مواطن فيه يحمل قطعة سلاح ليؤمن وطنه بنفسه، لأن الدولة منشغلة بتأمين مناصبها، لا بسلامه. الخدمات؟ كلمة تثير الضحك المرّ، فالكهرباء لا تأتي إلا لتقول لك إنها ستذهب، والمستشفيات تمارس الطب بالتمني، والطرق تتثاءب من كثرة الحفر، والبنى التحتية تشكو من هشاشتها كما يشكو المواطن من فقره المزمن.الاقتصاد؟ إنه النفط فقط، نفط يبيعونه كما تُباع القصائد الرديئة في سوق الأدب. كل شيء مرهون ببرميل أسود، بينما عقول الشباب تُهاجر، وأيديهم تبحث عن عمل حتى في قاع البحر. العدالة؟ تلك خرافة نُدرّسها في كتب التربية الوطنية، لكن القاضي الحقيقي اليوم هو الهاتف السياسي، والنزاهة صارت لجنة من ورق، تقيس الرشوة بمسطرة المصلحة.أما السيادة، فهي كلمة تُرفع على الشاشات كعلم ممزق. البلاد تُدار بالوصايا، والقرارات تُطبخ في عواصم غير بغداد، والمواطن يسمع عن استقلال وطنه في نشرات الأخبار فقط. الشباب؟ الجيل الضائع بين الهجرة والبطالة والخذلان. الصحة؟ مستشفيات كأنها متاحف للألم، وأدوية مزيفة تبتسم لك على رفوف الصيدليات كأنها تسخر منك، بينما الطبيب يرحل إلى الخارج ليعالج أبناء الآخرين.البيئة؟ بغداد تختنق من الغبار، والأنهار تموت عطشًا، والهواء يحمل نكهة الفساد قبل أنفاس الصباح. الثقافة؟ يُكمم الشعراء، وتُلاحق الأقلام، وتُشترى الفضائيات كما تُشترى الذمم، حتى أصبح الإعلام نشيدًا للمديح الرسمي، ومسرحًا يصفق فيه المنافقون لمن سرقهم. القضاء؟ العدل فيه أعرج، يمشي بعكاز السياسة، ويُصدر أحكامه بميزان الحزب لا بميزان القانون.الاستثمار والإعمار؟ شعارات على يافطات مشاريع لم تُنجز، وشركات وهمية تصنع الأرباح من الخرائط فقط. العلاقات الخارجية؟ عزلةٌ أنيقة، كمن يجلس في عرسٍ لا يُدعى إليه.وهكذا صارت السلطة تفتخر بإنجازٍ خرافي: أنها جعلت الفساد مؤسّسة، واليأس منهجًا، والوطن فكرة قديمة يُحتفى بها في المناسبات. صار المواطن يحلم بجسر لا يسقط، بمدرسة لا تُلقن الولاء، بمستشفى لا يطلب واسطة، بمسؤول يخاف الله لا الكرسي. لكن الأحلام نفسها خضعت للمصادرة، كأنها تهمة.في هذا البلد الذي تعب من الشعراء والسياسيين على حدّ سواء، لم تعد المأساة في الخراب فقط، بل في الاعتياد عليه. صرنا نضحك ونحن نبكي، ونسخر ونحن نُدفن أحياء. كل شيء مكسور: الجسور، والضمائر، والوعود، وحتى الأغاني الوطنية أصبحت تُغنّى بنبرة اعتذار.سلامٌ على وطنٍ عظيمٍ خذله الصغار،وعلى مواطنٍ ظلّ يرممُ وطنه بالكلمات،بينما الفاسدون يبنون قصورهم من رماد أحلامه.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين بدأ الحب يتفتّت بصمت
- لماذا نجعل دائمًا من هزائمنا انتصارًا؟
- -الخنجر المتكرر… سردية الغدر عبر العصور-
- غزة: أنين الروح المحاصرة
- أنتخبهم… حتى يُباع الوطن في سوق الوهم
- البستان الذي ينام في الخراب
- ريما...
- حين يتكلّم الركام ويصمت العالم
- عندما تعزف طبول الحرب لحن الفلسفة
- إياد الطائي.. حين يترجّل المسرح عن صهوته
- -الأحلام التي لم تعشها البيوت المهجورة-
- أساطيل الحديد وأشباح البحر
- أتعس الخونة من يبيعون الوطن باسم الوطنية
- العراق بين عقدة الماضي وامتحان المستقبل
- انحنى الحجر وظل النور قائماً
- -المذبوحون باسم الله-
- -الطرق التي تبكي تحت أقدام الغائبين-
- دواء الروح بين كأس الحكمة وأفعى المعرفة
- عامل السكراب
- عطر الكتب القديمة… حوار بين الغبار والخلود


المزيد.....




- روسيا تعلق بعد إجراء تعديلات على خطة ترامب الأصلية للسلام في ...
- ظنوا أنها ميتة.. سيدة تايلاندية تتحرك في نعشها قبل إحراق جثت ...
- معطف أبيض وقفازات حمراء..هكذا استقبلت ميلانيا ترامب شجرة الم ...
- ذعر في بريتيش كولومبيا إثر هجوم دب على أطفال ومعلّمين
- -أزمة نقص الجنود-.. تقرير يكشف تكثيف السلطات الروسية ملاحقته ...
- السودان: الموفد الأمريكي يؤكد أن طرفي النزاع يرفضان مقترح وق ...
- واشنطن تصنف عصابة فنزويلية يشتبه بتهريبها للمخدرات كمنظمة -إ ...
- تصاعد موجات النزوح في شمال دارفور وغرب كردفان
- المنخفض الجوي يغرق الخيام التعليمية بقطاع غزة.. ما أبرز التف ...
- تعرف على بركان هيلي غوبي بإثيوبيا والهزات العنيفة بالمناطق ا ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق.. جمهورية الجسور المكسورة