أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -الطرق التي تبكي تحت أقدام الغائبين-














المزيد.....

-الطرق التي تبكي تحت أقدام الغائبين-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8480 - 2025 / 9 / 29 - 16:42
المحور: قضايا ثقافية
    


الطرق ليست مجرد امتدادٍ من الأرض بين نقطتين، بل تاريخٌ يتنفس، وشاهدٌ صامت على من رحل ومن بقي. كل طريق مهجور، كل شارع أفرغ من ضحكات المارين، يحمل حزنًا متراكماً، دموعًا لم تُسجَّل، خطوات غائبين لم تُسمع. الطرق حين تبكي، لا تسمعنا أصواتها مباشرة، بل تشعر بها حين تمر عليها أقدام من فقدوا أوطانهم، حين يمشي النازحون على الحصى والغبار، وعلى كل حجرٍ يتناثر أمامهم يتكرر صدى الرحيل.الطريق تحت أقدام الغائبين يصبح موسيقى حزينة، لا تحتاج إلى أوركسترا، ولا إلى صمتٍ كامل، يكفي أن يكون هناك من يسير عليها ببطء، مستشعرًا الوزن الثقيل للغياب. كل خطوة تُحدث ارتطامًا بصدى الماضي، كل حجرٍ يتحرك يحمل اسم مدينةٍ اختفت، بيتٍ تهدم، شارعٍ أغلق أبوابه. الطريق هنا ليست ممتدة فقط على الأرض، بل تمتد في الذاكرة، وتربط بين ما كان وما أصبح.الغائبون يتركون خلفهم فراغات على الطرق: فراغ في الهواء، فراغ في المكان، فراغ في القلب. والطرق تتذكر كل شيء. تصرخ في الصمت، تبكي بصوت خفي، تُعيد لنا صور من رحلوا، أصواتهم، ضحكاتهم، حتى دموعهم التي لم تُسكب. كل شارع مهجور اليوم يحمل حكايات لم تُروَ، ويكتب عليها المطر، الريح، الشمس، كل عناصر الطبيعة مشاركة في البكاء الصامت.
الألم الذي تحمله الطرق أكثر من مجرد حزن، إنه شهادة على القسوة والرحيل القسري. كل زاوية مهجورة، كل منعطف يظل صامتًا، لكنه يشهد على رحيل الأحبة، على انهيار المدن، على خراب البيوت. الغائبون ليسوا فقط من فقدوا حياةً، بل فقدوا كل ما يربطهم بالأرض: الأرصفة، المنازل، النوافذ، الأشجار التي كانت تظللهم. كل شيء على الطريق يبكيهم، ويحفظ أثرهم كما تحفظ الذكرى الورقة في كتاب قديم.الطرق التي تبكي تحت أقدام الغائبين تعلمنا أن الرحيل ليس مجرد جسد يترك المكان، بل أن كل أثرٍ يُترك خلفه يصبح نصًا حيًا من الألم. خطوات من غادروا تحفر خطوطًا في ذاكرة الأرض، وكل من يمر اليوم على هذه الطرق، يسمع الصدى، يرى الأشباح، يشعر بالحنين الذي لم يُكتمل. الغياب هنا لا يُختصر في المسافة، بل في الزمن الذي توقّف على أعتاب الرحيل، وفي القلب الذي يظل ممتلئًا بالأماكن التي لم تعد موجودة.
الطرق المهجورة أيضًا تعكس الحنين الجماعي: هي ليست شاهدة على فرد واحد، بل على آلاف الأشخاص، على شعوبٍ فقدت مدنها، على أطفالٍ لم يعرفوا حياتهم الأولى، على أمهاتٍ فقدن أحضان بيوتهن، على أزواجٍ فقدوا عشّهم. كل حجر في الطريق هو رسالة، كل شجرة مهجورة، كل جدار متصدّع، يحمل حكاية الرحيل، حكاية الغياب، حكاية القلب الذي يظل مرتبطًا بما لم يعد موجودًا.وفي النهاية، الطرق لا تنسى. تحت أقدام الغائبين، تختبئ الذكريات، تحت أشعة الشمس، بين قطرات المطر، في هدير الريح، كل شيء يبكي. الطريق تتحوّل إلى كتاب مفتوح، إلى سيمفونية حزينة، إلى مرايا تعكس الزمن الذي لم يأتِ بعد. كل من يمشي اليوم على هذه الطرق يحمل معها أعباء الغائبين، ويصبح جزءًا من حكايتهم، من حزنهم، من حنينهم.
الطرق التي تبكي تحت أقدام الغائبين، هي دعوة للإنصات، للتعاطف، لفهم أن كل خطوة تمشيها ليست مجرد حركة على الأرض، بل عبور في ذاكرة المدينة والإنسان، عبور في زمنٍ توقف عند نقطة الغياب، حيث كل شيء يحاول أن يُذكّرنا بأن الفقدان لم يكن مجرد حدث، بل تجربة وجودية، وأن الحنين الذي تحمله الطرق المهجورة لا يموت أبدًا، بل يبقى خفيًا، ينتظر من يراه، من يشعر به، من يكتب عنه.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دواء الروح بين كأس الحكمة وأفعى المعرفة
- عامل السكراب
- عطر الكتب القديمة… حوار بين الغبار والخلود
- مكتبة الأسرار الكونية
- بغداد حين تعيد للعتمة صوتها.. مسرح الطيب على ضفاف دجلة
- البؤس العربي وفقدان الحياء: صرخة في وجه الرذيلة
- -بين دم الأرض وحديد السماء: تأملات في صراع القوى ومآل الإنسا ...
- نهداكِ… حين يغنّي البنفسج
- تراتيل الرماد فوق معبد اليورانيوم المكسور
- أشباح الموت في وطن الطوائف
- دول المذهب وعرش الدم
- كارثة الأشباح والعبيد في عراق الهدر
- ملحمة السيوف والنار… ذكرى الرد العراقي على العدوان الإيراني
- -مهرجان بغداد السينمائي… احتفال بالصدى الفارغ-
- مأساة المبدع بين حياةٍ يُغتال فيها وموتٍ يُستثمر فيه
- موازنة 2025… لمن ذهبت؟ بجيب الفأر أم بجيب الجار
- رحيل داود الفرحان… حين يغادر القلم وتبقى الذاكرة
- العراق: عبث الوجود وفلسفة البقاء
- إلى المجهول… حيث تُساق إيران وحدها
- موتٌ واحد بشرف… ولا حياة بألف خيانة


المزيد.....




- حادثة هزت حيًا بأمريكا.. إليكم تفاصيل إطلاق نار مميت داخل كا ...
- اختفت دون أثر.. قصة المعلمة غادة رباح التي يُخشى مقتلها تحت ...
- صور متداولة لـ-فيضانات بالسودان بعد فتح بوابات سد النهضة-.. ...
- إدارة ترامب أمام أكبر موجة استقالات في البلاد: 100 ألف شخص ي ...
- اتهامات بالتلاعب بنتائج انتخابات مولدافيا
- فرنسا.. تهديدات بالقتل تطال رئيسة المحكمة التي دانت ساركوزي ...
- قبيل لقاء ترامب ونتانياهو...البيت الأبيض يقول إن إسرائيل وحم ...
- مصر: ما أسباب الحملة الأمنية على صناع المحتوى؟
- المغرب: سعاد البراهمة تؤكد أن -عنفا كبيرا مورس على المحتجين ...
- حرب المسيرات مشتعلة بين روسيا وأوكرانيا.. تصعيد من جديد


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -الطرق التي تبكي تحت أقدام الغائبين-