أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -بين دم الأرض وحديد السماء: تأملات في صراع القوى ومآل الإنسانية-














المزيد.....

-بين دم الأرض وحديد السماء: تأملات في صراع القوى ومآل الإنسانية-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 09:46
المحور: قضايا ثقافية
    


العالم اليوم يبدو وكأنه صرح ضخم من الحديد والنار، لوحة كونية تتقاطع فيها خطوط النفوذ والسياسة، وتتصادم فيها الحضارات القديمة مع مطالب الحاضر. الصراع الأوروبي الروسي لم يعد مجرد نزاع على الأراضي أو الغاز أو الحدود، بل هو إعادة كتابة للتاريخ، حيث تتطلع روسيا لاستعادة الرموز الكبرى للقوة، بينما تحاول أوروبا أن تحمي مصالحها الاقتصادية والأمنية، وكأن التاريخ يهمس بأن القوي وحده هو من يكتب الصفحات، أما الضعيف فيكتفي بتسجيل الصرخات والدموع.في قلب هذا المشهد، يعيش العالم العربي مأساة مركبة. فلسطين ما زالت تنبض بالقضية، ومع ذلك يختلط الحلم بالواقع، فتراكم الاحتلال والتهجير والتهويد يحاصر أي أفق للسلام، وكأن الأرض نفسها ترفض أن تكون شاهدة على غير الحق. لبنان، بدوره، يعاني انهيارًا سياسيًا واقتصاديًا لا مثيل له، والمجتمع يتفتت بين الطوائف، فيما القوى الدولية تتفرج على هذا الانهيار كأنها جمهور في مسرح مأساوي، لا تتحرك إلا عندما تمس مصالحها مباشرة. اليمن يحترق بصراع متعدد الطبقات، حرب بالوكالة تغذيها مصالح القوى الإقليمية والدولية، بينما الشعب اليمني يسير في طريق الألم والجوع والتهجير، كمن يمر في متاهة بلا نهاية. العراق أيضًا يرزح تحت آثار الاحتلال والفساد والصراع الطائفي، محاولًا أن يلتقط أنفاسه من جراح تاريخية لم تلتئم، بين أحلام الديمقراطية الهشة وواقع النفوذ الخارجي.أما إيران، فمستقبلها محاط بالغموض. دولة ذات حضارة عميقة، وتاريخ يمتد لآلاف السنين، لكنها اليوم مركز صراع على النفوذ الإقليمي والعالمي، بين أوروبا وأميركا وروسيا، وبين جيرانها العرب. قوتها العسكرية والتاريخية تجعلها لاعبًا إقليميًا مؤثرًا، لكنها أيضًا عُرضة لتوازنات القوة الدولية المتقلبة، وكأنها مركب على بحر هائج، يتحرك وفق رياح المصالح لا وفق إرادة الشعب.خارطة العالم الحديدية، هذه الشبكة من التحالفات والتوترات، ليست مجرد خطوط سياسية على الورق، بل هي قوة حية تتحرك عبر الاقتصاد، الطاقة، الحروب الرقمية، والتحالفات العسكرية، تاركة الشعوب على هامش القرار، ترزح تحت وطأة الصراعات التي لا تصنعها، لكنها تدفع ثمنها. اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير كان شاهدًا على هذا الواقع: قراراتها ومقرراتها تمثل أكثر صورة للخطاب الرمزي منها الفعل الحقيقي، حيث يلتقي الكلام الأخلاقي مع الحسابات الباردة للمصالح، في مشهد يذكّر بأن السلام غالبًا ما يكون شعارًا، لا حقيقة.تاريخ الحضارات يهمس في آذاننا، يحكي عن تكرار الصراعات، عن قوة الشعوب التي أبدعت الفنون والفلسفة والعلوم، لكنها عانت أيضًا من الحروب والفتن، من التهجير والقتل الطائفي، ومن محاولات القوى الكبرى أن تتحكم في مصائرها. الشعوب التي علمتنا الكتابة والزراعة والفلسفة، اليوم تُخاض عليها الحروب، ويعاد تقسيم أراضيها، بينما المؤرخون والمحللون يكتبون عن الخرائط وكأن الدم والدموع مجرد حبر على صفحات.القتل الطائفي، الذي يشهد له التاريخ على مر العصور، أصبح أداة للسيطرة السياسية، ورمزًا مؤلمًا لتكرار الألم بين الأجيال. الشرق الأوسط يبدو وكأنه متاهة من الحروب القديمة والجديدة، حيث يصعب تمييز الحدود بين الحرب الوطنية والصراع الطائفي، بين المقاومة والمصالح الدولية. الشعوب تظل أسيرة هذه الدوامة، لكنها أيضًا تحمل الأمل، وتبحث في التاريخ عن لحظات الوحدة، عن قدرات التضامن التي صنعت حضارات عظيمة من الصفر.إنه عالم يحفر بمطارقه الحديدية، لكنه يتيح لنا أيضًا رؤية دروس الماضي: أن القوة بلا عدل تصنع الخراب، وأن التاريخ الذي لا يعتنق الرحمة والمصالحة يعيد نفسه بلا توقف. الشعوب اليوم، رغم ألمها، هي من يمكنها أن تعيد صياغة العالم، إذا ما استيقظت من سباتها، إذا ما اختارت الحوار بدلاً من القتال، والفكر بدلاً من الخوف، والوحدة بدل التفكك.الدم، الحديد، التاريخ، والمصير البشري، كلها عناصر تتشابك في لوحة كونية واحدة. العالم العربي، أوروبا، روسيا، إيران، والولايات المتحدة، جميعهم شخصيات في مسرح كبير، لكن الأبطال الحقيقيين هم الشعوب، التي تحمل إرث الحضارات، وتحلم بعالم يحقق العدالة والكرامة، حيث لا يكون الحديد سوى أداة للبناء، لا للدمار، وحيث تصبح الأمم المتحدة أكثر من مجرد منصة خطابية، بل قوة فاعلة تحفظ التوازن بين الحقوق والواجبات، بين القوة والرحمة.والخلاصة، أن عالمنا اليوم هو مسرح معقد من الحروب والمصالح، لكنه أيضًا منصة للأمل، مكان حيث يمكن للشعوب أن تصنع التاريخ بوعيها، وأن تحوّل الخراب إلى بناء، والفوضى إلى توازن، وأن تثبت أن الحياة، رغم كل الدم والحديد، لا تزال ممكنة، وأن العدالة، رغم كل الصراعات، ليست حلمًا بعيدًا، بل حقيقة قابلة للتحقيق إذا ما اجتمعت الإرادة والشجاعة والإيمان بالإنسانية.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهداكِ… حين يغنّي البنفسج
- تراتيل الرماد فوق معبد اليورانيوم المكسور
- أشباح الموت في وطن الطوائف
- دول المذهب وعرش الدم
- كارثة الأشباح والعبيد في عراق الهدر
- ملحمة السيوف والنار… ذكرى الرد العراقي على العدوان الإيراني
- -مهرجان بغداد السينمائي… احتفال بالصدى الفارغ-
- مأساة المبدع بين حياةٍ يُغتال فيها وموتٍ يُستثمر فيه
- موازنة 2025… لمن ذهبت؟ بجيب الفأر أم بجيب الجار
- رحيل داود الفرحان… حين يغادر القلم وتبقى الذاكرة
- العراق: عبث الوجود وفلسفة البقاء
- إلى المجهول… حيث تُساق إيران وحدها
- موتٌ واحد بشرف… ولا حياة بألف خيانة
- حين يغتسل التاريخ في طين الذاكرة
- بين النص والسلطة: حرية الأمة ومصير العقل
- يا ربّ، لا أحتملُ عينيها
- -طقوس الجسد وديانة القبلة-
- العراق بين صناديق الموت وأقنعة الخيانة-.
- المحطات المغبرة… دموع على أطلال الحرب
- -النجوم التي تعبت من الحراسة-


المزيد.....




- ممثلة بريطانية ترتدي فستانا من -رقائق إلكترونية- على السجادة ...
- -سحب له الكرسي-.. تصرف ترامب مع أردوغان يثير تفاعلا خلال اجت ...
- -حفيداتي عم بنافسوكم بالغلاوة-.. الملكة رانيا العبدالله تهنئ ...
- لقبها -عُش النسر- في تركيا.. داخل مدينة أثرية لم يستطع الإسك ...
- مع تزايد الاعتراف العالمي بأحمد الشرع.. الأقلية الدرزية في س ...
- اكتشاف جمجمة عمرها مليون سنة قد تغيّر فهمنا لنظريات نشوء وتط ...
- زجاج حيوي ثلاثي الأبعاد يفتح آفاقًا جديدة لعلاج كسور العظام ...
- عشية إعادة فرض العقوبات.. النووي الإيراني أمام مجلس الأمن وع ...
- متسلق بولندي يحقق إنجازًا تاريخيًا بالنزول متزلجًا من قمة إي ...
- فرنسا: ساركوزي يعلن استئناف الحكم بسجنه 5 سنوات في قضية التم ...


المزيد.....

- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -بين دم الأرض وحديد السماء: تأملات في صراع القوى ومآل الإنسانية-