أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - موتٌ واحد بشرف… ولا حياة بألف خيانة














المزيد.....

موتٌ واحد بشرف… ولا حياة بألف خيانة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8470 - 2025 / 9 / 19 - 11:07
المحور: قضايا ثقافية
    


في عراقٍ يتنفس على جراحه، ويستفيق كل يوم على رماد مدنه المهدمة وصوت أبنائه المبحوح في الساحات، يظل السؤال الأزلي حاضرًا: أيهما أهون على الإنسان، أن يموت مرة واحدة بشرف، أم أن يحيا ألف مرة بخيانة؟ إن الفرق بين الشريف والديوث هو الفرق بين من يكتب سيرته بدمه على صفحات الخلود، ومن يمحو أثره بمدادٍ ملوث يباع في أسواق الطغيان.الشريف هنا ليس أسطورة تتناقلها الأجيال كما تتناقل أساطير الأبطال، بل هو كل عراقي رفض أن يطأ على كرامته، كل من صرخ في وجه الفساد ولم يبالِ بالرصاص، كل من حمل حلم العراق في صدره كما يحمل الأم جنينها، كل من أيقن أن الحرية لا تُهدى بل تُنتزع، وأن الموت في سبيل المبدأ حياة تتجاوز حدود الجسد. الشريف يختار أن يموت واقفًا لأن الركوع موتٌ أبطأ وأقسى، ويعلم أن العار لا يغسله ماء الفرات ولا دجلة، بل يظل جرحًا يقيّح على جبين صاحبه إلى الأبد.أما الديوث، فليس سوى ظلٍ باهت لإنسانٍ خانعه الدولار وأعماه الكرسي. هو ذلك الذي يبدل قناعاته كما يبدل قميصه، ويبيع مواقفه في سوق النخاسة السياسية كما تُباع السلع التافهة. هو الذي يبرر القتل باسم الدين، ويشرعن النهب باسم الوطنية، ويصوغ الأكاذيب بلغة الشعارات، فيجعل من الخيانة بطولة، ومن الذل حكمة، ومن الطبل سياسة. هو الذي يبيع أبناء قومه باسم المذهب، ويبيع المذهب باسم القومية، ويبيع القومية باسم "المصلحة العليا"، فلا يبقى له من الشرف إلا اسمه، ومن الوطن إلا بطاقة تعريف.
لقد جُرّب العراق بما يكفي من هؤلاء، فمنذ عقود وهو يتقلب بين أنياب خياناتهم، يرونه غنيمة يقتسمونها لا وطناً يتقاسمون همومه. باعوا النفط في صفقات مريبة، وباعوا القرار الوطني في عواصم الخارج، وباعوا حتى دماء الشهداء مقابل صفقات سياسية عابرة. ومع ذلك، يتوهمون أنهم أفلتوا من الحساب، وأن لعنة الناس ستمر كما يمر الغبار على وجه الريح. لكنهم يجهلون أن لعنة التاريخ أثقل من كل المحاكم، وأن بصقة طفل جائع في شوارع بغداد أصدق شهادة من كل خطبهم الممجوجة.الشريف في العراق، وإن كان منفيًا أو مسجونًا أو مقتولًا، يظل حاضرًا في ضمير الناس، كالنخلة التي تثمر حتى بعد أن تُقطع، وكالنهر الذي يجري حتى لو أحاطته السدود. اسمه يلمع في ذاكرة الأحرار، وتاريخه يتحول إلى مشعل يضيء للأجيال. أما الديوث، فيُنسى بعد أن يذوب جسده في التراب، ولا يبقى من أثره سوى لعنة تلوكها الألسن في المقاهي والبيوت، وذكرٌ عفن في كتب التاريخ.ما قيمة حياة بلا كرامة؟ ما جدوى عمر طويل يرافقه العار في كل خطوة؟ الشريف يموت مرة واحدة، لكن موته حياة للآخرين، أما الخائن فيعيش طويلًا، لكن حياته موت متكرر يطارده في عيون أبنائه وفي ذاكرة وطنه. هنا يتكشف المعنى الفلسفي العميق: الموت في سبيل المبدأ ولادة ثانية، والخيانة ليست إلا موتًا مؤجلًا يتكرر كل يوم.
العراق اليوم عند مفترق وجوده: إما أن ينهض بأبنائه الشرفاء الذين يرفضون بيع الضمير، أو أن يظل رهينة الديوثين الذين جعلوا من الخيانة مهنة ومن التملق عقيدة. ولا خلاص لوطنٍ يطبل فيه الخائن ويصمت فيه الشريف، إلا حين تُرفع الكلمة الصادقة في وجه الباطل، ويستعاد الشرف كقيمة عليا لا تقاس بالدينار والدولار، بل بالدم الذي يُسكب في سبيل الكرامة.التاريخ لا يرحم ولا يجامل، يفرز المعادن كما يفرز النار الذهب من الخبث. يضع الشرفاء في مصاف الخلود، ويقذف بالخونة إلى هوامش النسيان. وفي نهاية المطاف، لن يبقى إلا سؤال واحد يواجه كل عراقي: هل تريد أن تترك خلفك وطنًا يذكرك بالكرامة، أم أن تترك عارًا يلاحق أبناءك؟ فالموت بسيف الكرامة حياة، والحياة بلا شرف قبرٌ مفتوح على اتساع الزمن.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يغتسل التاريخ في طين الذاكرة
- بين النص والسلطة: حرية الأمة ومصير العقل
- يا ربّ، لا أحتملُ عينيها
- -طقوس الجسد وديانة القبلة-
- العراق بين صناديق الموت وأقنعة الخيانة-.
- المحطات المغبرة… دموع على أطلال الحرب
- -النجوم التي تعبت من الحراسة-
- العالم على شفا الحافة.. سردية النار والظل
- -الصمت وطن الأرواح-
- -مجرّتان في عينيها-
- نوافذ العدم
- العراق بين سُمّ المخدّرات وسوق الأعضاء
- بين الشكّ والوفاء
- سَنا العيون
- يتيم
- السينما الموءودة
- التفاهة والسفاهة: السرطان الذي يأكل الأدب العربي في القرن ال ...
- المال والسعادة.. جدل الإنسان بين وفرة الجيب وفراغ القلب
- الندم الكبير وضياع السيادة في زمن الضربات المتقاطعة...
- غبار المنافي المنقّحة


المزيد.....




- شرح سبب -فيتو- أمريكا على قرار غزة بمجلس الأمن.. إليكم نص كل ...
- اشتباكات في باريس خلال مظاهرات ضد حكومة ماكرون
- ترامب يؤكد أنه على خلاف مع ستارمر حول نية لندن الاعتراف بالد ...
- مأزق الجيش الإسرائيلي والمعركة الفاصلة
- وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد عبد الملك الحوثي: سيأتي دورك
- وزير دفاع باكستان: برنامجنا النووي -سيكون متاحا- للسعودية
- خدع موضة لإطلالة أنحف وأكثر طولًا من دون ريجيم
- مع بدء الجيش الإسرائيلي خطواته الأولى لغزو مدينة غزة.. حماس ...
- مطالبة حماس وسوريا وإيران بتعويضات بمليارات الدولارات بدعوى ...
- من أين ينبع الدعم الإسباني تاريخياً للفلسطينيين، وكيف يؤثر ع ...


المزيد.....

- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - موتٌ واحد بشرف… ولا حياة بألف خيانة