أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق بين سُمّ المخدّرات وسوق الأعضاء














المزيد.....

العراق بين سُمّ المخدّرات وسوق الأعضاء


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 15:01
المحور: قضايا ثقافية
    


العراق اليوم، وهو يترنّح بين جراح الأمس ودماء الحاضر، يعيش مأساة جديدة أشدّ مرارة من الحروب التي التهمت أجياله. مأساة لا تُعلن نفسها في نشرات الأخبار الرسمية بقدر ما تنمو في الأزقّة المظلمة، وتزحف إلى أرواح الشباب في صورة أقراص وأبر ودخان، ثم تمتدّ إلى جسد الفقير الذي يُستباح في صفقات سرّية، حيث يُباع كبده أو كليته كما تُباع الأثاث المستعمل. هي حرب أخرى، حرب بلا مدافع ولا دبابات، لكنها أشدّ فتكًا لأنها تستهدف الإنسان ذاته: عقله وجسده وروحه.المخدّرات في العراق لم تعد ترفًا عابرًا لبعض المنهزمين أمام قسوة الحياة، بل تحوّلت إلى وباء منظم، تُديره شبكات عابرة للحدود، تتغذّى من الفقر والبطالة واليأس، وتجد في هشاشة المجتمع سوقًا رائجًا. الشاب الذي كان يمكن أن يكون شاعرًا أو مهندسًا أو طبيبًا، بات يُقاد إلى زاوية ضيّقة، يبحث فيها عن حبة صغيرة تنسيه عالمًا كبيرًا من الخيبات. وهكذا يُسرق المستقبل قبل أن يولد، ويُذبح الأمل من الوريد إلى الوريد.وفي الجهة الأخرى من الجريمة، تقف تجارة الأعضاء كوحش أشدّ توحشًا. أجساد الفقراء تحوّلت إلى بنك دم مفتوح، يُستغل فيه المقهورون الذين لا يملكون سوى لحمهم ليبيعوه بثمن بخس مقابل وجبة طعام أو سداد دين. في غرف عمليات مشبوهة، وفي مستشفيات تواطأت مع السماسرة، يُفكّك الإنسان كما تُفكّك السيارة القديمة، ثم يُلقى به في الشارع ناقصًا، هشًّا، بلا مستقبل ولا كرامة. إنّها تجارة لا تقتل الجسد فحسب، بل تقتل الروح والإنسانية في أوضح صورها.كلا الطاعونين، المخدّرات وسوق الأعضاء، يشتركان في شيء واحد: تواطؤ الصمت والفساد. هناك دائمًا سلطة تغضّ الطرف، وميليشيا تحمي، وموظف مرتشٍ يوقّع، ومجتمع يائس يكتفي بالأنين. العراق، الذي علّم البشرية الكتابة، يُراد له اليوم أن يُمحى من دفتر الحضارة، لا بالاحتلال وحده، بل بتحويل إنسانه إلى سلعة تُباع وتُشترى.إنّ أخطر ما في هذه المأساة أنّها لا تُدمّر الحاضر وحده، بل تجهز على ما تبقّى من المستقبل. بلد بلا شباب واعٍ هو بلد بلا غد، وبلد يُستباح جسده هو وطن يُغتال مرتين: مرّة حين يسقط في وحل السموم، ومرّة حين يُسلخ على موائد السوق السوداء. وهكذا يصبح العراق كله، بتاريخه وحضارته، جثة ممدّدة على طاولة الجراح، فيما العالم يراقب بصمت، وكأنّ الأمر مجرّد خبر عابر.لكن التاريخ لا يرحم، والوطن الذي استطاع أن ينهض من تحت ركام الحروب قادر أن ينهض أيضًا من هذه الكارثة، شرط أن يُقال الحق، وأن يُكشف المستور، وأن يُستعاد للإنسان كرامته وحقه في أن يعيش كاملًا بعقله وجسده وروحه. العراق ليس للبيع، والعراقي ليس بضاعة، والحياة أثمن من أن تُستبدل بحبة مُخدِّرة أو بكُلية مسروقة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الشكّ والوفاء
- سَنا العيون
- يتيم
- السينما الموءودة
- التفاهة والسفاهة: السرطان الذي يأكل الأدب العربي في القرن ال ...
- المال والسعادة.. جدل الإنسان بين وفرة الجيب وفراغ القلب
- الندم الكبير وضياع السيادة في زمن الضربات المتقاطعة...
- غبار المنافي المنقّحة
- حين يغدو البعد معبدًا للحب
- الوطن يختنق بخوفنا
- البعد
- ريما حمزة.. أنثى الوتر ومرآة البازلت
- حامد الضبياني: شاعر وفيلسوف الكلمة العربية المعاصرة بقلم فرح ...
- أوتار بابل ونايات الرافدين: الموسيقى في الحضارة العراقية وأص ...
- ميلاد النور
- الضبياني… مراثي الطاعة وأغاني الحرية
- اتركوا بهرز لأهلها
- أول من نطق العربية: بين الأسطورة والتاريخ
- حين تُصبح السيولة سراباً.. المتقاعد بين جدار الجوع وجدار الس ...
- على رصيف الانتظار


المزيد.....




- شاهد ما حدث لرجل يقود سيارة جيب باربي مخصصة للأطفال على طريق ...
- كتاب يكشف انقسام شرق ألمانيا وغربها بعد 35 عاما على الوحدة ا ...
- 35 عاما على الوحدة.. كتاب جديد يكشف عمق الاستقطاب بين شطري أ ...
- مقال بواشنطن بوست: دول الخليج تشكك في الحماية الأميركية بعد ...
- كل ما تحتاج معرفته عن طرز -آيفون 17- الجديدة
- قصف إسرائيلي يستهدف مدرسة أبو عاصي ويشرد عائلات نازحة في غزة ...
- ملف الشهر: التجويع كسلاح حرب.. رحلة عبر التاريخ من ناميبيا إ ...
- وول ستريت جورنال: إسرائيل تكسب الحرب لكنها تخسر العالم
- ما وراء اغتيال تشارلي كيرك
- تسليم الدفعة الرابعة من سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان


المزيد.....

- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق بين سُمّ المخدّرات وسوق الأعضاء