أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين يغدو البعد معبدًا للحب














المزيد.....

حين يغدو البعد معبدًا للحب


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8460 - 2025 / 9 / 9 - 09:47
المحور: قضايا ثقافية
    


الحب ليس لقاءً عابرًا ولا عاطفةً تُقاس بمواعيد منتظمة، بل هو سرّ ينساب في الوجود كما ينساب الضوء في العتمة، يراه القلب حين تعمى العيون، ويشعر به الجسد وهو يتهاوى بين لذّة الحضور ووجع الغياب. إنّني كلما تأملتُ وجدت أنّ البعد لا يُقصي الحب كما يظن الناس، بل يختبره ويعيد صياغته، كالنار التي تمتحن الذهب فتنقّيه. كنتُ أظن أنّ اللقاء هو اكتمال الحكاية، لكنني أدركت أنّ الغياب هو اكتمال الفلسفة؛ ففي لحظة الصمت الطويل، حيث لا رسالة تصل ولا خطوات تُسمع، يتجلّى الحبّ في صورته الأصفى، وتنكشف هشاشتنا كبشر أمام قوة الشعور الذي لا ينطفئ. إنّ البعد موت مؤجَّل، تعيش خلاله بجسدك لكن روحك تُساق إلى محكمة الغياب، تتنفس هواءً لا يملأ رئتيك، وتشرب ماءً لا يروي عطشك، وتضحك بين الناس ضحكةً لا تشبهك، ثم تعود ليلًا لتبكي صامتًا لأنك لا تستطيع تفسير الخراب الذي يسكنك. لكن هذا الموت ليس إفناءً خالصًا، بل ولادة ثانية للحب، ولادة تجعله أرفع من كونه عاطفةً إلى أن يكون دينًا سريًا للقلب، بصلواتٍ تُتلى في الخفاء وأدعيةٍ لا تُرفع إلى السماء بل تُسكب في الذاكرة. إن الشوق في فلسفتي هو اللغة الوحيدة التي لم تُخطئ يومًا عنوانها، لا يحتاج إلى بريد ولا إلى طرق ممهدة، يكفي أن يطرق على جدران الروح فيتردد صداه حيث يسكن الحبيب. كنت أكتب إليها رسائل لا تصل، أدرك أن الأوراق بلا أجنحة، لكنني واصلت الكتابة كمن يبني سفنًا ورقية ليُلقيها في بحر لا يرى نهايته، مؤمنًا أن الأرواح تتخاطب بطرائق لا تفهمها الجغرافيا، وأن الكلمات حين تُكتب بالدمع لا تحتاج إلى ساعي بريد. وما أجمل أن تدرك أنّ الحب ليس امتلاكًا كما يظن الناس، بل فناء تام، أن تذوب حتى تنمحي الحدود بينك وبين من تحب، أن تصبح "أنا" و"أنت" كيانًا واحدًا يسبح في فضاء لا تحدّه المسافات. أحيانًا أشبه الحبيب بالنجم البعيد، قد يغيب عن العين لكنه يترك نوره يضيء آلاف السنين، وكذلك المحبوب، يبتعد بجسده لكن أثره يظل يسافر فينا بلا انقطاع. وما هذا النص الذي أكتبه إلا صلاة طويلة في معبد الكلمات، صلاة لا تُؤدّى بركوعٍ وسجود، بل بخفق قلبٍ يصرّ على أن الحب هو جوهر الوجود، وأن البعد وجهه المظلم، وأن الشوق لغته الخفية التي لا يتقنها إلا من عَبَرَ محنة الغياب. فإذا سألني أحدهم: ماذا بقي لك بعد كل هذا النزف؟ سأقول: بقيت عاشقًا، لا لأنني التقيت بمن أحب، بل لأنني اشتقت، لا لأنني امتلكت، بل لأنني فقدت، فالحب يا أصدقائي لا يكتمل إلا حين يصبح الشوق ديانة والبعد معبدًا والذكرى صلاة لا تنقطع.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطن يختنق بخوفنا
- البعد
- ريما حمزة.. أنثى الوتر ومرآة البازلت
- حامد الضبياني: شاعر وفيلسوف الكلمة العربية المعاصرة بقلم فرح ...
- أوتار بابل ونايات الرافدين: الموسيقى في الحضارة العراقية وأص ...
- ميلاد النور
- الضبياني… مراثي الطاعة وأغاني الحرية
- اتركوا بهرز لأهلها
- أول من نطق العربية: بين الأسطورة والتاريخ
- حين تُصبح السيولة سراباً.. المتقاعد بين جدار الجوع وجدار الس ...
- على رصيف الانتظار
- على سُلَّم العشق
- أنا لا أرى غيرَك
- عندما تبتلع الرمالُ أقدام الممالك
- وعد الحُلم
- الهويدر.. أغنية القدّاح على ضفاف ديالى
- -قلب الأنقاض الذي يتنفس-
- فقاعات الزمن: المدينة التي تسبح في الخيال
- كنفاس الشوق في منفى الروح
- نشيد الشوق


المزيد.....




- تقديرات لحجم الإنفاق العسكري لدول الناتو.. إليكم كم بلغ
- مروان المعشّر لـCNN: لا يجب الاكتفاء بالاعتراف بالدولة الفلس ...
- أنباء عن تغير في موقف حماس، وتحذيرات من كارثة إنسانية بسبب إ ...
- إلى أي حد يعتبر إجلاء كامل مدينة غزة أمرًا واقعيًا؟
- مشاريع فرنسية معلقة ومهددة بسبب سقوط الحكومة
- غباغبو وثيام خارج قائمة مرشحي الرئاسة بكوت ديفوار
- برنامج التجسس الإسرائيلي -غرافيت- بين يدي وكالة الهجرة الأمي ...
- بريتوريا تلغي مناورات بحرية مع روسيا والصين بسبب قمة العشرين ...
- عشرات الشهداء والمفقودين بغزة ووزارة الصحة ترفض مغادرة منشآت ...
- مبادرات لتعليم الأطفال في ظل الدمار الواسع للمدارس بقطاع غزة ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين يغدو البعد معبدًا للحب