حامد الضبياني
الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 07:24
المحور:
قضايا ثقافية
الوطن يجلس على حافة صمتٍ طويل، يتنفس خيوط الخوف المعلقة بين المكونات، كأن كل حجر في الشوارع يحمل وشاية، وكأن كل نافذة ترقب الآخر بعين مشبوهة. المكونات تتشبث بالسلطة كما يتشبث الغريق بالهواء، لا لأنها تملك القرار، بل لأن الخوف صار قانون الحياة، وغرسه الآخرون بعناية، نظام دولي يتقن العزف على أوتار الطائفية، يعزف موسيقاه في صمتنا، ونحن نرقص دون أن نشعر.كل كلمة تقولها المكونات تتحول إلى اتهام، كل ابتسامة تصبح مشبوهة، وكل حركة تُقاس بنظرية الشك. المجتمع البسيط، الذي كان متحابًا بطبيعته، صار حلبة صراع، حلبة لأقلام مدفوعة الثمن، تكتب الكراهية بين الناس، تزرع العداء، تحشو القلوب باللوم، وتفجر النفوس بقنابل العيد وحزام ديني ناسف، محشو بالكره والاتهام، لتبقى النار مشتعلة في الداخل، والنار أعمق من الحروب، أعمق من القنابل، لأنها تحرق الروح قبل الجسد.الفقراء أصبحوا ضحايا خوفهم، ضحايا الخوف المزروع الذي قتل شجاعتهم، وأمسك بهم بين أصابعه كدمى على خشبة مسرح. يهربون من الحقيقة، يهربون من الآخرين، يهربون من أنفسهم، وكل يوم يولد فيهم شك جديد، وكل يوم يموت أمل صغير كان يزرع بين القلوب.أخطر ما في الأمر أن الخطر ليس خارجيًا، بل داخلي: في عقولنا، في قلوبنا، في نظراتنا إلى بعضنا. إذا لم نحمي الناس من أنفسهم، من أفكارهم، من مخاوفهم المزروعة، فلن يكون هناك سلام، لا داخلي ولا خارجي، ولن نتجاوز دائرة الألم والاتهام واللوم.الوطن يئن ونحن نتجادل على شرفات السلطة، ونحن ننسى أن الحياة موجودة في الأرض، في النسيم، في الأطفال الذين يركضون في الطرقات، في النساء اللواتي يطبخن، في الفلاحين الذين يزرعون. إذا استطعنا أن نحرر قلوبنا، أن نعيد الثقة إلى الناس، أن نعيش بدون خوف، عندها فقط سيهدأ الوطن. عندها فقط سيصبح السلام حقيقة، لن يكون حلمًا بعيدًا، بل هو الحياة نفسها التي نستحق أن نعيشها، بلا كراهية، بلا لوم، بلا قنابل، بلا أقلام ملوثة، بلا خوف من بعضنا، بلا خوف من أنفسنا.
الوطن يختنق بخوفنا، لكننا نستطيع أن نحرره.
#حامد_الضبياني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟