أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - اتركوا بهرز لأهلها














المزيد.....

اتركوا بهرز لأهلها


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 10:39
المحور: قضايا ثقافية
    


على ضفاف نهر ديالى، حيث يجري الماء كأنه شريان ممتد بين الأزمنة، تنهض بهرز مدينةً لا تشبه سواها. مدينةٌ مشبعة بتاريخٍ أقدم من خطابات السياسيين وأبقى من نزاعاتهم، مدينةٌ شهدت على فجر الحضارات، حتى أن الروايات تؤكد أنّ رابع قانون مكتوب في العالم، قانون "بلالاما"، قد وُضع على أرضها، وكأنها منذ فجر الوعي كانت مرجعًا للعدل، ومسرحًا للإنسان الباحث عن معنى الحياة.بهرز لم تولد لتكون مجرد مدينة، بل وُلدت لتكون مقامًا روحيًا وفنيًا وثقافيًا. هنا صدح المقام البهرزاوي، ذلك اللون الغنائي العراقي الأصيل الذي حمل وجدان الأرض ودموعها وأفراحها إلى كل بيت. لم يكن المقام مجرد غناء، بل كان تاريخًا شفويًا يُحفظ باللحن، وصلاةً دنيوية تعلن أن في العراق قلبًا لا يموت. وفي بهرز تلاقى الشاعر مع العازف، والكاتب مع المنشد، والفنان مع الفلاح، ليتحول المكان إلى فضاء من الإبداع، وإلى مدينة تُعرّف نفسها بالكلمة والنغمة كما تُعرّف نفسها بالنخلة والبرتقال.إنها مدينة مقاومة بالفعل لا بالقول، مدينة الشهداء الذين سقوا ترابها بدمائهم، مدينة المثقفين الذين حملوا أقلامهم ليكتبوا وجعها، مدينة الشعراء الذين جعلوا من الحب والخراب نصوصًا تبقى بعد أن يفنى الجسد. وهنا، أيها الساسة، يكمن الفرق بينكم وبينها: أنتم عابرون، وهي باقية. أنتم تمارسون الجدل العقيم، وهي تكتب تاريخًا من صمود.أيها الساسة، اتركوا بهرز لأهلها. فهي ليست ساحة معارك انتخابية، وليست طاولة تفاوض لصفقات مشبوهة. إنها مدينة تعبَت من أصواتكم التي لا تجيد سوى إثارة الضجيج، مدينة تريد أن تسمع صوت نهرها، لا صدى صراخكم. بهرز التي بنى أهلها بيوتها بالحجر والطين، وزرعوا أرضها قمحًا وبرتقالًا، وغرسوا النخل الذي يظلّلها، ليست ملكًا لكم، بل لأبنائها الذين يعرفون قيمة الدم والتاريخ، ويجيدون قراءة الأرض أكثر من شعاراتكم الفارغة.لقد دفعت هذه المدينة ثمنًا باهظًا في سنوات الحروب الطائفية. عاشت حصار الفتنة، رأت أبناءها يُقتلون ويُهجّرون، وعاشت أيامًا كان الموت فيها جارًا يوميًا. لكنها، ورغم كل هذا، لم تتفتت. كان أهلها يتقاسمون الرغيف حين ضاق بهم الحال، ويحيون الأذان والترانيم في وقت واحد، ليعلنوا أنّهم أكبر من أي شرخ، وأبقى من أي نار. من قلب الألم نهضت بهرز، لتقول إن العراق مهما نزف فلن يموت.وهنا تستعيد الذاكرة القديمة؛ حين تروي الروايات أن بهرز قهرت قائد الفرس "بهروز". وكأن قدرها أن تواجه الغزاة منذ الأزل، وأن تنتصر عليهم بروحها، لا بسلاحها وحده. فمن بهرز خرجت ملاحم صغيرة قد لا يذكرها الإعلام، لكنها محفورة في صدور أبنائها الذين يعرفون أنّ مدينتهم ليست عابرة، بل عصيّة على الانكسار.بهرز مدينة البرتقال الذي يعبق بعطره كقصيدة حبّ، مدينة البساتين التي تحرسها النخيل، مدينة المقام الذي يعلو صوته في الليالي ليعيد للأرض ذاكرتها. إنّها ليست مجرّد حيّ أو ناحية، إنّها مرآة العراق كله؛ فيها الحضارة والوجع، فيها الفن والدم، فيها الحلم والخذلان، فيها كل ما يجعلنا نؤمن أنّ هذه الأرض ما زالت قادرة على الولادة.أهلها ليسوا بحاجة إلى وصاية منكم، ولا إلى توجيه من خطاباتكم البالية. فهم الذين يحددون مصيرهم، ويختارون طريقهم، ويمسكون بزمام مستقبلهم كما أمسكوا بماضيهم. دعوهم يعيشون، فقد شبعوا من سرقاتكم للمال العام، وغرقوا في فسادكم الذي جعل العراق كله يترنّح.بهرز ليست للبيع، وليست ورقة تفاوض في أيديكم. إنّها مدينة كتبت نفسها بالدم، وصاغت وجدانها بالمقام والشعر، وحملت ذاكرة العراق كله في بساتينها وأزقتها. اتركوها لأهلها، فهي أكبر من أن تُختصر في معركة انتخابية، وأعمق من أن تُختزل في شعار سياسي.إنها قصيدة عصيّة على التحريف، مدينة لا تُغزف أوتارها إلا بأيدي أبنائها. فليكن التاريخ شاهدًا، وليكن نهر ديالى قَسَمًا: أنّ بهرز ستبقى ما بقي العراق، شامخة مثل نخيلها، خضراء مثل بساتينها، مجروحة لكنها لا تموت.

اتركوها لأهلها.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أول من نطق العربية: بين الأسطورة والتاريخ
- حين تُصبح السيولة سراباً.. المتقاعد بين جدار الجوع وجدار الس ...
- على رصيف الانتظار
- على سُلَّم العشق
- أنا لا أرى غيرَك
- عندما تبتلع الرمالُ أقدام الممالك
- وعد الحُلم
- الهويدر.. أغنية القدّاح على ضفاف ديالى
- -قلب الأنقاض الذي يتنفس-
- فقاعات الزمن: المدينة التي تسبح في الخيال
- كنفاس الشوق في منفى الروح
- نشيد الشوق
- الأمة بين سيف الغزاة وخيانة الأقرب -
- فضل شاكر.. العائد من غياب الحنين
- صباحُكِ ريما
- -ريما.. سفر العاشقين-
- المدن الغارقة: عندما تختفي حضاراتنا تحت الماء
- الأصوات الضائعة: المرأة في الظل الأدبي العربي القديم
- الغزو بالصناديق أم بالصوارم؟ حينما يتحول الإعلامي إلى -طبّال ...
- بلبل الدراما العراقية: شذى سالم بين الحضور والضمور..


المزيد.....




- ترامب يكشف عن آخر تطورات مفاوضات إدارته مع -حماس-: -تطلب بعض ...
- خوذة الأشعة فوق الصوتية.. أمل جديد لعلاج الباركنسون دون جراح ...
- أثناء -ملاحقة متشددين-.. قتلى وجرحى عسكريين في جنوب اليمن
- أي تداعيات للمواجهات الأخيرة بين مهاجرين أفارقة في عدة أحياء ...
- في أوج أزمة حول الميزانية، ستارمر يُظطر إلى تعديل حكومته
- إسرائيل تهدد بإغلاق القنصلية الفرنسية في القدس
- سلسلة وفيات بين مرشحي حزب البديل المتشدد في ألمانيا تثير تسا ...
- سيناتور سابق يقود وفد باكستان في أسطول الصمود العالمي لمساعد ...
- -مسار الأحداث- يناقش تصعيد جيش الاحتلال بمدينة غزة
- ما وراء تدمير إسرائيل أبراج مدينة غزة وهل أغلقت أبواب التفاو ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - اتركوا بهرز لأهلها