أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - المدن الغارقة: عندما تختفي حضاراتنا تحت الماء














المزيد.....

المدن الغارقة: عندما تختفي حضاراتنا تحت الماء


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 13:34
المحور: قضايا ثقافية
    


في عمق الزمن، حيث كانت الشوارع تصدح بحياة البشر، والبيوت تحتضن الضحكات والهمسات، ظهرت المياه فجأة لتكتب قصصًا جديدة على صفحات الخرائط، قصص المدن الغارقة التي كانت يوماً محطات للعيش والتاريخ والحضارة، اليوم أصبحت مجرد أشباح صامتة تحت سطح الماء تحكي عن هشاشة الإنسان أمام الطبيعة المتحولة. لم يكن الغمر مجرد حادثة مائية، بل فقدان للذاكرة الجماعية والهوية، المنازل التي كانت تحوي أسرار الأجيال والأسواق التي كانت تفوح بروائح التوابل والحرف اليدوية والحدائق التي تلألأت فيها ألوان الفصول أصبحت الآن صفحات منسية يرويها صدى الأمواج وصرير المياه على الحطام، والباحثون الذين يقصدون هذه المدن تحت الماء يجدون أنفسهم أمام لوحة صامتة من الحنين والفقدان، كل حجر وكل ركن يحمل قصة، وكل موجة تهمس بعبق الماضي.التغير المناخي لم يعد تهديدًا مستقبليًا بل واقعًا يطرق أبواب المدن والعواصم، فارتفاع منسوب المياه وبناء السدود وتحويل مجاري الأنهار وذوبان الأنهار الجليدية كل ذلك أدى إلى إعادة تشكيل المشهد الحضري، المدن التي كانت على ضفاف الأنهار الكبرى والمناطق الساحلية أصبحت معرضة للغمر، وكل مدينة غرقت تحت الماء كانت شاهدة على إرث معماري وثقافي غير قابل للاسترداد إذا لم يُسجل قبل فوات الأوان، وفي قلب هذه المأساة تكمن حياة الناس الذين اضطروا للرحيل، العائلات التي فقدت بيوتها ووثائقها وهوياتها، التاريخ الشخصي الذي اختفى مع المياه ولم يعد له أثر إلا في الذاكرة الجمعية.
زيارة هذه المدن اليوم تتطلب الغوص أو الطائرات المسيرة، لكن الصور والمشاهد لا تنقل أبدًا شعور الغموض الذي يعتري المكان، الحطام والغرق والسكوت يكوّنون لغة جديدة، لغة تحكي عن الصبر والحزن وعن الاتصال المفقود بين الإنسان وأرضه، كل شيء هناك متجمد في لحظة زمنية تحاول مقاومة الاندثار، وكل قطعة أثرية أو جدار نصف مدمر أو عمود غارق هو شهادة على ما كان وما فقد، وهنا يبرز دور الصحفي في التقصي، ليس فقط لنقل الأخبار، بل لاستدعاء الماضي وإعادة روايته بلغة الإنسان الذي يقرأ ويتأمل، ليشعر بأن هذه المدن ليست مجرد خرائط تحت الماء، بل مرايا للغرق الحضاري وللفقد التاريخي والإنساني.
إن التغير المناخي، والفيضانات العنيفة، وارتفاع مياه البحار والأنهار لم تعد مجرد أرقام وتقارير علمية، بل هي واقع ملموس على الأرض، واقع يطال التراث والموروثات والحياة اليومية، ويطرح أسئلة عن قدرة البشر على حماية حضاراتهم وموروثاتهم، عن واجب المجتمع والحكومات في مواجهة الطبيعة، وعن مسؤوليتنا الجماعية في الحفاظ على ما هو ثمين قبل أن يختفي تحت طبقات المياه. هذه المدن الغارقة، التي تبدو للوهلة الأولى كأطلال صامتة، هي في الحقيقة نداء للوعي، رسالة للمستقبل بأن ما نتركه اليوم هو ما سيحكي عنا غدًا، وأن كل حجر، وكل شارع، وكل نافذة غارقة هو شهادة على أن الإنسان والهواية والتراث مترابطون بطريقة لا تسمح بالتجاهل أو الإهمال.وفي قلب كل موجة، وفي انعكاس الضوء على المياه، تختبئ قصص الحنين والعشق للمكان، قصص البشر الذين عاشوا، ضحكوا، وحلموا على هذه الأرض، قصص تجعل من الصحافة الفنية والبيئية والإنسانية أداة لاكتشاف هذا التراث قبل أن يغرق في النسيان، ولتذكيرنا بأن الحضارة ليست فقط مبانٍ وأسوار، بل حياة ومعنى وذاكرة حية، وأن الفقد المادي يحمل في طياته فقد الهوية والتاريخ والجذور، وأن لكل مدينة غرقت تحت الماء قيمة لا تُقاس بالمال ولا تُستعاد إلا بالوعي والإصرار على التوثيق والرصد.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأصوات الضائعة: المرأة في الظل الأدبي العربي القديم
- الغزو بالصناديق أم بالصوارم؟ حينما يتحول الإعلامي إلى -طبّال ...
- بلبل الدراما العراقية: شذى سالم بين الحضور والضمور..
- عبثُ الكراسي وضياعُ الوطن
- على حافة القيامة: الحرب المؤجلة بين أمريكا وإيران
- المقاهي الشعبية المصرية… أرشيف الأرواح وذاكرة الحكايات
- العراق والمخدِّرات بعد 2003: اقتصاد الظلّ الذي يلتهم المجتمع
- لهيب العِشْق
- لعنة الذيول-
- حين تنكسر الموازين وتتعثر الأرض بخطى السياسة
- أنفاسكِ سَكني
- في قلب الجرح والحب
- -ريما حمزة... عندما تعزف القصيدة وتكتب الموسيقى-
- حين يُحاصَر الفن في وطن المواهب
- بان زياد… حين يختنق الحق بين أضلاع البصرة
- ما بين قلبي وعيناكي
- من المعلقات إلى المكتبات: رحلة خالد اليوسف في سطور الوطن
- غزال الروح
- ماريا تيريزا ليوزو… سيدة الحرف المترف بين زيتون كالابريا وعب ...
- يا غيمةً


المزيد.....




- -كافية لقتل كل سكان فلوريدا-.. خفر السواحل الأمريكي يصادر كم ...
- -أنا رجل يتمتع بفطنة سليمة عظيمة وذكاء-.. رد فعل ترامب على م ...
- ماذا يحدث عند انفجار جهاز يحمله غالبية المسافرين على متن الط ...
- -استقبلت 18 طفلًا برصاص في الرأس-.. طبيبة مُنعت من العودة إل ...
- ألمانيا ـ قطاع السيارات يخسر أكثر من خمسين ألف وظيفة
- لبنان يتسلم الرد الإسرائيلي وحزب الله يكرر رفضه التخلي عن ال ...
- مجلس الأمن يرجئ البت بمصير قوة اليونيفيل في جنوب لبنان: ما ن ...
- برّاك ينقل رسائل من إسرائيل إلى لبنان
- في 10 أعوام.. الاحتلال يدمر 1986 بئرا وبركة وخزان مياه بالضف ...
- ترامب يقيل محافظة الاحتياطي الفدرالي ومخاوف من التداعيات


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - المدن الغارقة: عندما تختفي حضاراتنا تحت الماء