أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق والمخدِّرات بعد 2003: اقتصاد الظلّ الذي يلتهم المجتمع














المزيد.....

العراق والمخدِّرات بعد 2003: اقتصاد الظلّ الذي يلتهم المجتمع


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8443 - 2025 / 8 / 23 - 09:07
المحور: قضايا ثقافية
    


منذ لحظة سقوط بغداد في عام 2003، انفتحت الأبواب على مصاريعها أمام فوضى لم تعرف البلاد مثلها من قبل. الحدود التي كانت محروسة صارت مسرحاً للعبور السري، والموانئ البرية والصحارى تحولت إلى طرق ممتدة لشبكات الظلّ، فدخلت المخدرات كما يدخل الماء إلى الشقوق، بلا رادع ولا حساب. لم تعد المسألة حالات فردية متفرقة، بل أصبحت سوقاً سوداء لها تجارها الكبار، وحماياتها المسلحة، ومساراتها الثلاثة التي ترسم خطوطاً خفية بين الشمال والجنوب والغرب.لقد تحوّل العراق، بحسب تقارير أممية، إلى معبر رئيسي للأنواع الأخطر؛ من الكبتاغون الذي تمدد مع انهيار الجوار السوري، إلى الكريستال ميث الذي صار ضيفاً ثقيلاً في شوارع بغداد والبصرة وكربلاء والنجف. وعندما ارتفعت الضبطيات في عامي 2024 و2025، لم يكن ذلك علامة نصر، بل إشارة واضحة إلى حجم السوق الكامن تحت الرماد. إنّها منظومة متكاملة من التهريب والتخزين والتوزيع، يحميها أمراء حرب وعصابات تعرف كيف تتكيّف وتعيد إنتاج نفسها، مستفيدة من عجز الدولة وانشغالها بأزماتها.“المخدرات ليست سلعة جامدة، بل لعنة حيّة، تخلخل الأسرة وتفتح أبواب العنف والجنون.”ولأنها كذلك، فإن أثرها يضرب في العمق الاجتماعي. الكريستال مثلاً لا يكتفي بتدمير الجسد، بل يفتح أبواب الذهان والعنف والاندفاع الأعمى، فيغدو المتعاطي مهيأً لكل نزق، من الاعتداء على أسرته إلى ارتكاب الجريمة بحق الأبرياء. الأسر تتهشم، المدارس تفقد أبناءها، وسوق العمل يمتلئ بشباب مهدور الإمكانات، يلهثون خلف جرعة تسرق منهم مستقبلهم. السرقة، الانتحار، العنف الأسري، كلها لم تعد حالات معزولة، بل تجليات طبيعية لانتشار السمّ في الجسد الاجتماعي.إنّ ما يزيد الصورة قتامة هو العجز السياسي عن المكافحة. تعدّد مراكز القوة، وهيمنة جماعات مسلحة على بعض المعابر، جعل القانون انتقائياً. العصابات وجدت في الفوضى حليفاً، فاستثمرت اقتصاد الحرب والبطالة والفقر، لتجند جيلاً جديداً من المروجين والضحايا في آن. الأجهزة الأمنية وإن حققت ضبطيات متزايدة، إلا أنها تبقى مواجهة شكلية ما لم تُغلق الثغور الحدودية بوسائل ذكية، وما لم تُصادر عائدات هذا الاقتصاد الأسود التي تُموّل دوائر عنف أوسع. أما المراكز العلاجية، فهي قليلة السعة، عاجزة عن استيعاب الأعداد المتزايدة من المدمنين، فتكتمل الحلقة: مريض لا يجد سريراً، وعائلة تنهار بصمت، ومجتمع يشيح بوجهه حياءً وخوفاً.
المشكلة إذن ليست في المخدر وحده، بل في منظومة سياسية واقتصادية وأمنية جعلت منه تجارة رابحة وملاذاً لأمراء الحرب، بينما دفعت المجتمع العراقي نحو الهاوية. إنّ المؤشرات الأممية والأكاديمية لا تترك مجالاً للشك: العراق غدا جزءاً من الخريطة الإقليمية الكبرى للكبتاغون والميثامفيتامين، وأضحى الميدان الذي يدفع الفاتورة الإنسانية الأثقل.
ومع ذلك، فإن الطريق لم يُغلق بعد. ثمة إمكان لبناء إستراتيجية وطنية تُدمج بين الأمن والصحة والتعليم، ولإطلاق حملة وقائية تضع المدارس في صلب المواجهة، ولإقامة مراكز تأهيل تردّ للمدمن إنسانيته بدل أن تدفنه في العار. لكن البداية لا تكون بالخطابات، بل بالاعتراف بحجم الكارثة. وحده الاعتراف يُطلق الفعل، ووحده الفعل يردّ للعراق حقه في أن يكون جسداً سليماً لا تعبره السموم.إنّ المخدرات في العراق ليست عرضاً عابراً، بل جرحاً مفتوحاً في خاصرة وطنٍ أثقلته الحروب والخيبات. ومع كل يوم يتأخر فيه القرار الحاسم، يتسع الجرح أكثر، ويتحوّل الاقتصاد الأسود إلى دولة ظلٍّ داخل الدولة. تلك هي الحقيقة التي يجب أن تُقال بجرأة، لعلها توقظ الضمير السياسي والاجتماعي معاً، قبل أن يستحيل الدواء إلى وهم، والجريمة إلى قدر.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لهيب العِشْق
- لعنة الذيول-
- حين تنكسر الموازين وتتعثر الأرض بخطى السياسة
- أنفاسكِ سَكني
- في قلب الجرح والحب
- -ريما حمزة... عندما تعزف القصيدة وتكتب الموسيقى-
- حين يُحاصَر الفن في وطن المواهب
- بان زياد… حين يختنق الحق بين أضلاع البصرة
- ما بين قلبي وعيناكي
- من المعلقات إلى المكتبات: رحلة خالد اليوسف في سطور الوطن
- غزال الروح
- ماريا تيريزا ليوزو… سيدة الحرف المترف بين زيتون كالابريا وعب ...
- يا غيمةً
- -العراق.. وطنٌ يضيء بالوعود وينطفئ بالابتسامات-
- الذين يريدون أن يفاوضوا ملك الموت
- -لظى الشوق في غيابك-
- حين تنام القصيدة ويصحو الخراب… قراءة في نص «وطنٌ يبيع ملامحي ...
- تاريخ العقول الممنوعة — حين يصبح الفكر تهمة أكبر من الخيانة
- الكتب غير المقروءة… مقابر فاخرة للحبر
- حين تتقاتل الظلال على جدار التاريخ


المزيد.....




- إطلاق سراح رجل تم ترحيله إلى سجن سيئ السمعة في السلفادور بشك ...
- ماذا نعرف عن غزة على مر العصور؟ ولماذا وصفت بـ-بنت الأجيال-؟ ...
- لماذا نكره أصواتنا في التسجيلات؟ وما الحل؟
- بيونغ يانغ تتهم سول بـ-استفزاز خطير- لقوات الشمال
- قاتل صامت خلف جيل جديد من الحرائق يهدد البشرية
- إدانة برلمانية وشعبية في ماليزيا لقتل الصحفيين الفلسطينيين ب ...
- وفيات وإصابات في حادث سير -مأساوي- بنيويورك بعد انقلاب حافلة ...
- -أفعى قوس قزح- النادرة تهرب في فلوريدا.. وسلطات الولاية تطار ...
- إطلالات النجمات العربيات على الشاطئ بين الجرأة والأناقة
- أوكرانيا لعبة كبيرة ترهن الدور الأوروبي بحسابات واشنطن وموسك ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق والمخدِّرات بعد 2003: اقتصاد الظلّ الذي يلتهم المجتمع