أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين تنكسر الموازين وتتعثر الأرض بخطى السياسة














المزيد.....

حين تنكسر الموازين وتتعثر الأرض بخطى السياسة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8441 - 2025 / 8 / 21 - 22:11
المحور: قضايا ثقافية
    


لم تعد السياسة اليوم فنّ الممكن كما وصفها الحكماء، بل صارت فنّ التدمير وإعادة تشكيل العالم تحت أقدام القوى العظمى. إننا نعيش زمناً غريباً، تتسارع فيه الأحداث حتى ليكاد النهار يشيخ في أول الصباح، وتتعثر الأرض بخطى البشر الذين يمشون مثقلين بما صنعت أيديهم من دماء وحروب. العالم كله أشبه بمرآة مشروخة؛ كلما حاولت الشعوب النظر فيها، رأت وجوهاً متداخلة من الخوف، الطمع، الدمار، والأمل الضائع.الحرب في أوكرانيا ليست مجرد نزاع حدودي، بل هي زلزال أعاد إلى السطح شبح الحرب الباردة. روسيا تُستحضر فيها ذاكرة القياصرة وحلم الاتحاد السوفيتي، والغرب يسعى لإبقاء النظام الدولي على صورته القديمة حيث الهيمنة الأطلسية بلا منافس. ومع ذلك، يظهر في الأفق تنين صيني يمشي بخطوات هادئة، يمد يده للتجارة في النهار ويُخفي قبضته الحديدية في الليل. هكذا تُعاد صياغة الخرائط من جديد، ليس على الورق فقط، بل في أذهان الشعوب التي ترى المستقبل غامضاً مثل بحرٍ لا قاع له.
وفي قلب الشرق، يظل جرح فلسطين شاهراً نفسه كخنجر في ضمير العالم. غزة لم تعد مجرد مدينة محاصرة، بل تحولت إلى ميزان يقيس صدق الشعارات وكذبها. على ركام البيوت وصرخات الأطفال، تسقط كل الأقنعة: قناع الحرية الذي تتغنى به الديمقراطيات، وقناع الإنسانية الذي ترفعه المؤسسات الدولية. هناك، حيث يُكتب التاريخ بمداد الدم، تتكشف مأساة البشرية في أوضح صورها: عالمٌ يعرف الحقيقة لكنه يشيح بوجهه عنها.أما العراق، ذلك الوطن الذي علّم البشرية أول الحروف وأضاء حضاراتٍ بأكملها، فإنه يقف الآن عند منعطفٍ عسير. بلدٌ يملك كل شيء؛ الثروات، التاريخ، الموقع، والشعب، لكنه مُثقل بجراحٍ قديمة وبصراعاتٍ تتجدد كلما ظن أنه خرج منها. إنه يقف على حدّ السيف: إما أن يستعيد دوره لاعباً إقليمياً يصوغ المعادلات، أو يبقى ساحةً مستباحة يتقاسمها الآخرون. في شوارع بغداد، وفي قلوب الشباب الذين يرفعون شعاراتٍ حالمة، ينهض السؤال الذي لا يهدأ: متى نصنع دولة تُشبه أحلامنا، لا ظلال الماضي الكئيب؟..السياسة اليوم لم تعد مجرد أوراقٍ تُوقّع في قاعات المؤتمرات، بل صارت ساحةً تتصارع فيها التكنولوجيا مع السلاح، والاقتصاد مع الجغرافيا. الذكاء الاصطناعي يقف على أعتاب العروش مثل ساحرٍ خفيّ، يملك أن يصوغ الحروب ويغير مسار الأسواق، بل أن يتحكم في مصائر البشر دون طلقةٍ واحدة. أما المناخ، ذلك العدو الصامت، فقد صار كابوساً يطارد الجميع: جفافٌ هنا، فيضانات هناك، وتصحر يبتلع الأرض كما يبتلع الغضب النفوس. إنها حرب جديدة لا يعلنها أحد، لكنها تفتك بالجميع بلا تمييز.في هذا المشهد الكوني، تسقط الخطابات واحداً تلو الآخر. القانون الدولي يبدو عاجزاً كشيخٍ يلهث خلف عكازه، والأمم المتحدة تبدو كمسارح صامتة يتبادل فيها الكبار الأدوار دون أن يوقفوا نزيف طفلٍ واحد. لم تعد هناك عدالة أممية، بل معادلة صارخة: من يملك القوة يكتب التاريخ، ومن لا يملكها يصبح مجرد رقم في قائمة الخسائر.إننا أمام زمنٍ غريب، تذوب فيه الحدود كما تذوب الثلوج على صفيحٍ ساخن، وتتشابك فيه الأزمات حتى لتبدو السياسة ككرةٍ من نار تتدحرج من يدٍ إلى أخرى. إنه زمن الأسئلة الثقيلة: هل نحن أمام ولادة نظام عالمي جديد يولد من رحم الخراب، أم أننا على أعتاب انهيار حضاري يعيدنا إلى فوضى بدائية لا نجاة منها؟
لقد عرفت الإنسانية الحروب منذ فجرها الأول، لكن ما يحدث اليوم مختلف؛ فهو ليس صراع جيوشٍ وحده، بل صراع عقول، صراع تقنيات، صراع على الماء والهواء والوجود ذاته. إنه زمنٌ تنكسر فيه الموازين، فلا عدالة تُنصف المظلومين، ولا قوة تتجرد للخير، ولا ضمير عالمي يستيقظ من غفوته الطويلة.وهكذا، يبقى العالم معلقاً على خيطٍ رفيع بين الحياة والانهيار. الشعوب تنادي ولا أحد يسمع، والأنظمة تتصارع ولا أحد يفكر، والسياسة تمضي كوحشٍ أعمى يركض في متاهةٍ مظلمة. وفي النهاية، يبقى السؤال مفتوحاً على المدى: هل سيولد من بين هذا الركام فجرٌ جديد، أم أننا سنبقى نعيش على رمادٍ يتراكم جيلاً بعد جيل؟



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنفاسكِ سَكني
- في قلب الجرح والحب
- -ريما حمزة... عندما تعزف القصيدة وتكتب الموسيقى-
- حين يُحاصَر الفن في وطن المواهب
- بان زياد… حين يختنق الحق بين أضلاع البصرة
- ما بين قلبي وعيناكي
- من المعلقات إلى المكتبات: رحلة خالد اليوسف في سطور الوطن
- غزال الروح
- ماريا تيريزا ليوزو… سيدة الحرف المترف بين زيتون كالابريا وعب ...
- يا غيمةً
- -العراق.. وطنٌ يضيء بالوعود وينطفئ بالابتسامات-
- الذين يريدون أن يفاوضوا ملك الموت
- -لظى الشوق في غيابك-
- حين تنام القصيدة ويصحو الخراب… قراءة في نص «وطنٌ يبيع ملامحي ...
- تاريخ العقول الممنوعة — حين يصبح الفكر تهمة أكبر من الخيانة
- الكتب غير المقروءة… مقابر فاخرة للحبر
- حين تتقاتل الظلال على جدار التاريخ
- -لم يكن الوطن بيتًا مشتركًا، بل مائدة حصرية، جلس عليها من ظن ...
- -على هامش الحضيض... حين يتقوّأ السفهُ على القامات-
- كنت أحبها... وما زلت


المزيد.....




- -لا توجد أماكن آمنة-.. فلسطيني يرفض نزوحه عن مدينة غزة مع اس ...
- شروط روسية -حاسمة- على طاولة التفاوض.. وزيلينسكي يتهم موسكو ...
- مصادر تكشف: تركيا تفرض قيودًا -غير معلنة- على السفن المرتبطة ...
- بطلب من ألمانيا.. توقيف أوكراني متشبه بتورطه في تخريب نورد س ...
- تركيا والسعودية في تنافس دبلوماسي..من يستضيف قمة بوتين وزيلي ...
- 21 دولة غربية تندد بخطة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغرب ...
- التبوريدة المغربية: فن الفروسية الحربي التقليدي المتوارث عبر ...
- 21 دولة تدين خطة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية وتعت ...
- إيطاليا توقف أوكرانيًّا مشتبها بتورطه في تفجير -نورد ستريم- ...
- فايننشال تايمز: حرب ضروس تشنها سوريا الجديدة على إرث الكبتاغ ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين تنكسر الموازين وتتعثر الأرض بخطى السياسة