أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الكتب غير المقروءة… مقابر فاخرة للحبر














المزيد.....

الكتب غير المقروءة… مقابر فاخرة للحبر


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8430 - 2025 / 8 / 10 - 12:39
المحور: قضايا ثقافية
    


في رفوف المكتبات العربية، هناك كتب تعيش حياة أشبه بحياة نبلاء منفيين: أوراق مصفوفة بعناية، أغلفة أنيقة، وديباجات إهداء رنانة… لكنها لم تُمسّ منذ يوم صدورها. هذه الكتب ليست "مقروءة"، وليست حتى "مهجورة"، بل هي أشبه بالجثث الجميلة في توابيت ذهبية: تلمع من الخارج وتتعفّن من الداخل، لا لعيب في محتواها، بل لعيب في قارئها.
القارئ العربي — في كثير من الحالات — صار يشتري الكتاب كما يشتري وسادة للصالون: للعرض فقط. المهم أن يرى الضيف غلافًا عليه صورة كاتب بلحية وقورة أو شَعر منفوش يوحي بالعبقرية. المحتوى؟ ليس من اختصاصه. فالكتاب عند البعض "قطعة ديكور ثقافي"، تُظهره وكأنه أحد أبناء نخبة فكرية، بينما آخر ما قرأه بتمعّن هو قائمة المشتريات من السوبرماركت.
مأساة الكتب غير المقروءة تبدأ منذ لحظة توقيعها في معارض الكتاب. ترى المؤلف يجلس خلف طاولة، يكتب إهداءً طويلاً لشخص يعرف أنه لن يتجاوز الصفحة الأولى، وربما لن يفتح الكتاب أصلاً. سيأخذه معه إلى البيت، يلتقط له صورة على "إنستغرام" مع كوب قهوة، ثم يركله إلى أقصى الرفّ حيث يعلوه الغبار كوسام من الكسل المعرفي.والحقيقة أن بعض المؤلفات لم تُكتب لتُقرأ أصلاً، بل لتُطبع. هناك كُتاب يطبعون كتبهم ليهدوها للوزراء ورؤساء المؤسسات، لتكون بطاقة تعريف بوزن اجتماعي، لا بفكر. وهناك دور نشر تعرف أن بعض العناوين لن تُباع، لكنها تراهن على المشتري الذي يريد "كرت فيسبوك" مكتوب عليه: أنا مثقف.
أما الكتب التي تستحق القراءة، فتموت ببطء تحت هذه الجريمة اليومية. كتاب في الفلسفة قد يغيّر حياتك ينتظر على الرف منذ عقد، بينما كتب الطبخ والبرج الفلاني والديكورات المودرن تتصدر المبيعات.السخرية الكبرى أن هذه الكتب غير المقروءة قد تنجو من الغباء الحالي لتصبح غالية الثمن بعد نصف قرن، لا لشيء إلا لأن أحدهم اكتشف أن نسخها قليلة وأن مؤلفها مات شاباً. حينها، سيقيمون لها ندوات تمجيد، وسيتباكى الجميع على "الظلم الثقافي" الذي لحق بها، وكأنهم لم يكونوا شركاء في قتله.
إن حياة الكتب غير المقروءة هي المرايا الأكثر فجاجة لثقافة تفضل الصورة على الجوهر، واللمعة على المعنى. وأخطر ما فيها أنها تعري القارئ قبل أن تعري الكاتب. فالكتاب الذي لم يفتح منذ عشرين عاماً، ما زال ينتظر، ويعرف في أعماقه أن الذنب ليس ذنبه… بل ذنب قارئ مشغول بأحدث ترند، وأجدد فضيحة، وأطول سلسلة تعليقات فارغة.فإذا مررت يوماً بمكتبة ورأيت كتاباً يبدو كأنه لم يلمسه أحد، لا تتردد… ليس من أجله فقط، بل من أجل أن تبرئ نفسك من جريمة قتل بدم بارد، اسمها: ترك الحبر يموت بلا قارئ.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تتقاتل الظلال على جدار التاريخ
- -لم يكن الوطن بيتًا مشتركًا، بل مائدة حصرية، جلس عليها من ظن ...
- -على هامش الحضيض... حين يتقوّأ السفهُ على القامات-
- كنت أحبها... وما زلت
- بغداد... حين كانت العرش والسيف والمحراب والقصيدة ...
- عبد السادة البصري... شاعرٌ نَزَفَ الجنوبُ بين حروفه .حين تصب ...
- -الدم الذي يقطر من سبحات الزيف-
- -القصة القصيرة جدًّا... أو كيف تقتل الأدب بسطرين!-
- حين يغيب العقل عن السرد: هل انتهت الفلسفة من الرواية العربية ...
- -جرذان الذهب.. وشيب العراق المنسيّ-
- موطئ القدم الناعم: خطر العمالة الأجنبية حين تستحيل أقليةً مط ...
- العراق والكويت: ملحمة السقوط العربي في حضرة التحالف الغادر
- ياسين غالب.. طائر الحرية الذي حطّ في هلسنكي
- الشرق الأوسط الجديد... حين يتهاوى ظلُّ طهران ويُولد الضوء من ...
- الجرذ الذي أكل 62 ترليوناً ولم يتجشأ
- صرخة في وجه التفاهة الإعلامية: حين يصبح الانحدار خبزًا يوميً ...
- -على موائد الإمبراطوريات: حين تُباع الأرواح بثمن الدولار-
- -دولة الوجهين ونصف عمامة-
- -قوّادو الكلمة وباعة الوهم: حين يصبح الإبداع طعنة في خاصرة ص ...
- -شهرة على مقاس العُري… ومثقفٌ خلف الستار-


المزيد.....




- بوساطة قطرية أمريكية.. اتفاق سلام تاريخي بالكونغو يفتح باب ا ...
- -لسوء الأحوال الجوية-.. الجيش الإسرائيلي يعترف بإطلاق نار عل ...
- زيارة محمد بن سلمان للبيت الأبيض.. مصادر تكشف استعدادات ترام ...
- اندلاع نزاع بين ترامب وحليفته مارجوري تايلور غرين قبل التصوي ...
- الجيش الروسي يعلن السيطرة على قريتين إضافيتين بمنطقة زابوريج ...
- جون أفريك: مشروع نفق جبل طارق حلم لا يزال حاضرا
- اشتباكات ضارية بجبهات المعارك بين روسيا وأوكرانيا ومساعٍ لتب ...
- تحذير جديد للنساء.. خطر خفي في الأطعمة السريعة والمعلبة
- مرضى السكري معرضون لخطر فقدان السمع
- أول الغيث كارثة.. نازحو غزة بين وحل الأرض وبرودة الأجواء


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الكتب غير المقروءة… مقابر فاخرة للحبر