أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين يغيب العقل عن السرد: هل انتهت الفلسفة من الرواية العربية.














المزيد.....

حين يغيب العقل عن السرد: هل انتهت الفلسفة من الرواية العربية.


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8425 - 2025 / 8 / 5 - 23:22
المحور: قضايا ثقافية
    


في زمن تتكدّس فيه الوقائع وتتسارع الأحداث بشكل لا يتيح التأمل، لم يعد الأدب مجرّد ترف سردي، بل صار ضرورة وجودية. وحين يغيب العمق الفلسفي عن النصوص الأدبية، فإنها تفقد نبضها، وتصير كالأجساد الجميلة الخالية من الروح. هذا ما تعانيه الرواية العربية اليوم، حين تتخفف من أسئلتها الكبرى، وتكتفي بالحكي دون الحفر، بالتصوير دون التأويل، وبالشخصيات دون الأفكار.الرواية ليست سردًا فقط، بل هي طريق آخر للفهم، أداة للتأمل، وللفلسفة أن تتسلل إلى النص الأدبي كما تتسلل الروح إلى الجسد، لا تُرى ولكنها تُحَس. ليست الفلسفة وعظًا، ولا تنظيرًا، ولا إملاءً فكريًا من أعلى، بل هي ذلك التوتر الخفي الذي يجعل الرواية قابلة للانفجار في ذهن القارئ بعد أن يطوي الصفحة الأخيرة. نحن لا نحتاج كاتبًا فيلسوفًا، بل نحتاج رواية تفكر؛ تسائل الحياة، تعبث بالبديهي، وتقترح طرقًا أخرى للمعنى.عندما كتب ألبير كامو "الغريب"، لم يكن يقصد كتابة أطروحة في العبث، لكنه خلق شخصية لا تبالي بشيء، لا بموت والدتها، ولا بعبثية محاكمتها، ولا حتى بموتها هي نفسها. ورغم البساطة الباردة في لغته، كان كامو يفتح نافذة داخل رأس القارئ، لينظر منها إلى الفراغ. وكذلك فعل دوستويفسكي في "الجريمة والعقاب"، حين جعل من بطل روايته قنبلة أخلاقية تتفجر على مهل، طالب فقير يقتل عجوزًا ليختبر فكرة الإنسان المتعالي، ليعيش بعد ذلك صراعًا داخليًا أشد قسوة من المحكمة. لم تكن هذه الروايات نصوصًا تعليمية، بل كانت أسئلة مفتوحة ببلاغة سردية.في الأدب الغربي، ظلت الرواية مساحة للفكر، قادرة على مواجهة المقدسات، مناقشة السلطة، تعرية الأخلاق، والمضي بعيدًا في استكشاف الهوية، العقل، والحرية. روايات مثل "1984" لجورج أورويل، و"كائن لا تحتمل خفته" لميلان كونديرا، لم تكن مجرد متون سردية، بل كانت مشاريع فكرية هزّت الوعي الجمعي. أما في الأدب العربي، فالرواية غالبًا ما تكتفي بإثارة العاطفة، أو الانغماس في ثيمات الهوية والجسد والسياسة، دون أن تذهب إلى الجذور الفلسفية للوجود العربي نفسه.نحن لا نقلل من جهود كُتّاب قدموا لنا روايات تتلمس هذا العمق، كرضوى عاشور في "ثلاثية غرناطة"، أو يوسف زيدان في "عزازيل"، أو حتى سعود السنعوسي في "ساق البامبو"، وبهاء طاهر في "واحة الغروب"، لكن هذه النماذج تبقى استثناءً لا يصنع تيارًا. بل إن كثيرًا من الروايات الحديثة تُبنى على مشاهد درامية فارغة، أو حبكات سطحية، أو قضايا آنية تتلاشى فور انتهاء القراءة، لتظل مجرد متعة مؤقتة لا تترك أي أثر فكري دائم.فلماذا تغيب الفلسفة عن الرواية العربية؟ أهو الخوف من مساءلة المحرّم؟ أم الرقابة المتغلغلة في بنية المجتمعات العربية؟ أم هو تفشي الأمية الثقافية التي صارت تعتبر الفلسفة شكلاً من أشكال الإلحاد؟ لا شك أن الكاتب العربي محاصر بأكثر من قيد: سياسي، ديني، اجتماعي. وفي مناخ كهذا، يصبح التفكير تهمة، والسؤال خطرًا. كيف يمكن لرواية أن تتفلسف إذا كان كاتبها مهددًا بالمنع أو التخوين أو النفي، فقط لأنه أراد أن يتساءل عمّا لا يُقال؟كما أن السوق يلعب دورًا مدمرًا، فالرواية التي تُسوّق اليوم هي الرواية الخفيفة، السريعة، التي تشبه الوجبات الجاهزة. القارئ، في أحيان كثيرة، لا يريد أن يتفكر، بل يريد أن يتسلّى. والكاتب، في لهاثه نحو النشر والترويج والجوائز، قد يجد نفسه مضطرًا لتبسيط كل شيء، بل تسطيح كل شيء. في مقابل ذلك، نجد أن الغرب رغم تحوله نحو الصورة والفيديو والاختزال، لا يزال يحترم الكاتب الفيلسوف، ويمنح الرواية الفلسفية حيزًا واحتفاءً نقديًا وجماهيريًا يليق بها.
الفلسفة في الرواية ليست إلحادًا ولا تمرّدًا عبثيًا، بل هي بحث أصيل عن الحقيقة. الرواية التي تحمل في بنيتها سؤالًا، هي رواية تُراكم وعيًا، وتُثير جدلًا، وتفتح بابًا لحوار داخلي طويل لدى القارئ. إنها تلك الرواية التي لا تنتهي بانتهاء قراءتها، بل تبدأ بعد الغلاف الأخير.
الغياب الفلسفي عن الرواية العربية هو عرض لأزمة أعمق: أزمة العقل في الثقافة العربية، أزمة الحريات، أزمة الجرأة، أزمة الأسئلة التي صارت تُعتبر عيبًا أو تهديدًا. وغياب الفلسفة عن الأدب لا يعني فقط ضياع الجمال، بل ضياع القدرة على التغيير. لأن الجمال الحقيقي، كما قال أفلاطون، هو ما يفتح طريقًا إلى الحقيقة.ما نحتاجه اليوم ليس كتّابًا أكثر، بل كتّابًا أعمق. ليس روايات أكثر، بل روايات أكثر صدقًا مع السؤال، أشد انحيازًا للمعنى، وأقل خضوعًا لما يُطلب منها. حين تعود الفلسفة إلى الرواية، تعود الرواية إلى الحياة. لأن السرد بلا عقل، كجسد بلا روح.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -جرذان الذهب.. وشيب العراق المنسيّ-
- موطئ القدم الناعم: خطر العمالة الأجنبية حين تستحيل أقليةً مط ...
- العراق والكويت: ملحمة السقوط العربي في حضرة التحالف الغادر
- ياسين غالب.. طائر الحرية الذي حطّ في هلسنكي
- الشرق الأوسط الجديد... حين يتهاوى ظلُّ طهران ويُولد الضوء من ...
- الجرذ الذي أكل 62 ترليوناً ولم يتجشأ
- صرخة في وجه التفاهة الإعلامية: حين يصبح الانحدار خبزًا يوميً ...
- -على موائد الإمبراطوريات: حين تُباع الأرواح بثمن الدولار-
- -دولة الوجهين ونصف عمامة-
- -قوّادو الكلمة وباعة الوهم: حين يصبح الإبداع طعنة في خاصرة ص ...
- -شهرة على مقاس العُري… ومثقفٌ خلف الستار-
- استري نفسكِ… قبل أن يفضحكِ هاتفكِ!
- فيروز تودّع نغمة قلبها.. حين بكى الصباح في حضن الوطن
- شمشونا... رماد ملكةٍ لم تولد، وسؤالٌ يمشي في شوارع بابل
- من باع الخور والنفط والأرض
- -المرشح الراقص والناخب الطيّب: من جوبي البرلمان إلى حفلة الد ...
- -الفن العراقي... بين ضوء الماضي وظل الحاضر-
- قفي أيتها الملكة.. فالساقطون لا يرون الهامات المرتفعة
- من أندلسِ تطوان إلى نبضِ بغداد: شهرزاد الركينة… نشيدُ الفنّ ...
- -أنا الحرف الذي لا يركع… هذا بعض ما كنته يا سائلين عن حامد ا ...


المزيد.....




- من شركة محلية إلى صيحة عالمية.. كيف أصبحت -Jet2 Holidays- ظا ...
- شاهد.. تسجيل صادم يكشف آخر ما قاله مراهق يشتبه بقتله والديه ...
- الجاكيت الرجالي بإطلالات المشاهير العرب.. قصّات مبتكرة وألوا ...
- اجتماع مرتقب للكابينت لبحث السيطرة على غزة.. كاتس: على رئيس ...
- وزارة الداخلية السورية تعلن إحباط -مخطط إرهابي- لتفجير كنيسة ...
- عودة طيور الفلامنغو إلى بحيرة فان في شرق تركيا خلال الهجرة ا ...
- في منطقة البقاع.. إسرائيل تعلن استهداف -قيادي- في حزب الله ...
- يحيى السنوار يثير عاصفة جدل في جناح ولادة بمستشفى ألماني.. ك ...
- قمة مرتقبة في واشنطن بين أرمينيا وأذربيجان.. هل تُنهي عقوداً ...
- حريق -ضخم- يلتهم أكثر من 11 ألف هكتار في إقليم أود جنوب فرنس ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين يغيب العقل عن السرد: هل انتهت الفلسفة من الرواية العربية.