أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - فيروز تودّع نغمة قلبها.. حين بكى الصباح في حضن الوطن














المزيد.....

فيروز تودّع نغمة قلبها.. حين بكى الصباح في حضن الوطن


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8418 - 2025 / 7 / 29 - 09:59
المحور: قضايا ثقافية
    


في صباحٍ لبنانيٍّ لا يُشبه الصباحات، صمتت الشمس على كتف جبل الصوان، وارتعش البحر عند خلجان الروشة، وكأن صوتًا ما قد انسحب من العالم. ليس صباحًا عاديًّا ذاك الذي ودّعت فيه فيروز ابنها، زياد، فالأمهات حين يبكين أبناءهن تُطوى في دموعهن قاراتٌ من الحنين، فكيف إذا كانت تلك الأمّ فيروز؟ وهل كان زياد مجرّد ابن؟ أم أنه كان صوتًا خرج من حنجرتها فأخذ يسير على قدمين؟فيروز، تلك السيدة التي حاكت الضوء أغنيةً، ولفّت لبنان بعطرها كأنها أرزته التي لا تسقط ولا تنكسر، كانت دائمًا صورة للوطن المشرق حتى في عز العتمة، وظلّت لعقود شمسًا تشرق من شباك بيروت كلّما ضاقت الأرض، فكيف لنا أن نتصوّرها اليوم تنحني على نعش؟ وكيف يُفهم الفقد حين يتلبّس امرأة صنعت من صبرها صلاةً على أوتار كل بيت؟
لقد كان زياد أكثر من ابن. كان الجزء الذي تمرد منها، ثم عاد، ثم هاجر، ثم كتبها موسيقىً وألّفها وجعًا، ثم صار معها ثنائياً لا يُشبه أحد. زياد لم يكن صورة مطابقة لها، بل كان ظلّها الطويل حين يميل المساء، ونقاشها المتوتر مع الزمن، ومزاجها الآخر الذي يحترق في صمت كي تبقى الأغنية عابقةً بالعطر.كان زياد يقول لها مرارًا في موسيقاه ما لم يقله لسانه، وكانت فيروز تسمعه دائمًا بقلب الأمّ الذي لا يُخطئ نبرة الألم حتى لو كانت مغلفة بسخرية، أو متنكرة بلحن غاضب. عاشا كأن بينهما بلادًا من التفاصيل، جزرًا من المشاعر التي لا تُقال، وقاراتٍ من الحب العميق الذي لا يحتاج إلى شرح، الحبّ الذي يتجاوز اللغة ويستقرّ في الطبقة الصامتة من الوجدان.
في لحظة الوداع، لم تكن فيروز تغني، بل كانت تصمت.. وهذا بحدّ ذاته نشيد، فصمتها أبلغ من ألف غناء، وصورتها المنحنية على تابوت ابنها تشبه خريطةً للوطن المفجوع. هل بكت؟ ربما، ولكن لا أحد رأى دمعها، ففيروز تعرف أن الدمع حين يسقط من جبل، يصير نهرًا لا يهدأ.
كان وداعها له وداع الأرز لنسيمه، والعود لصوته، وكان وداع لبنان لمرآته العاكسة. كم أغنيةٍ كتباها معًا، وكم لحنًا ولد بينهما مثل طيفٍ مرّ في الصالون ثم خرج ليعيش في قلوب الناس! من "بما إنو" التي غنّت فيها فيروز الحزن بأبجدية جديدة، إلى التوزيعات الجريئة التي كانت توقيع زياد على جبين الأغنية اللبنانية.وفي النهاية، لم يكن زياد فنانًا عاديًا. بل كان غيمةً متمرّدة تشتهي دائمًا أن تمطر خارج توقيت الطقس. لم يرضَ أن يكون في ظلّ أحد، حتى وإن كانت فيروز، فصار ظلًّا لا يُمحى، وجرحًا موسيقيًا له نكهةٌ لا تنتهي. تحدّى الجميع، كتب عن الوطن الموجوع، سخر من السياسة، من الطائفية، من العتمة، من الحرب، لكنه حين كان يعود إلى البيت، كان طفلًا فيروز تسمّيه "زيّو" وتنتظر منه قبلة المساء.وهكذا، حين سقطت الستارة الأخيرة، لم يكن الأمر موتًا فقط. كان صمت مسرحٍ ضجّ نصف قرن، وكان انطفاء وترٍ ظلّ ينبض حتى اختنق. وها هي فيروز، الآن، جالسةٌ قرب صورته، تُشعل البخور وتغنّي له في سرّها:
"يما ويا يما.. راحوا الحبايب"ثم تصمت، وتضع يدها على قلبها، لا لتتألم، بل لتحتفظ بالنغمة الأخيرة، نغمة زياد، ذاك الطفل الذي صار فنانًا، ثم وطنًا، ثم غاب.لبنان كله شاهد ذلك الوداع. بيروت بكت، وصباحات الأشرفية خففت من ضجيجها، ودالية الروشة لبست الأسود، وكأن أمًّا اسمها فيروز قد فقدت قطعةً من سمائها.
الفنّ لا يموت، نعم، ولكن الفنان يُوجع حين يغادر. وزياد كان وجعًا استثنائيًا، لا يُكتب عنه في صفحات النعي، بل يُغنّى.واليوم، تبقى فيروز — الأم والوطن والرمز — تمشي وحدها في طريق الحنين، تحمل تابوت الأغنية على كتفها، وتُكمل الدرب نحو صباحٍ لا نعرف متى يشرق من جديد. لكننا نعلم، تمامًا، أن الصوت الذي بكاه الجبل والعود، سيبقى يرنّ فينا ما دامت أمٌّ تُغني، وما دامت فيروز تنظر إلى السماء وتقول: "سلامٌ لك يا ابني.. فقد سكنت الموسيقى".



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شمشونا... رماد ملكةٍ لم تولد، وسؤالٌ يمشي في شوارع بابل
- من باع الخور والنفط والأرض
- -المرشح الراقص والناخب الطيّب: من جوبي البرلمان إلى حفلة الد ...
- -الفن العراقي... بين ضوء الماضي وظل الحاضر-
- قفي أيتها الملكة.. فالساقطون لا يرون الهامات المرتفعة
- من أندلسِ تطوان إلى نبضِ بغداد: شهرزاد الركينة… نشيدُ الفنّ ...
- -أنا الحرف الذي لا يركع… هذا بعض ما كنته يا سائلين عن حامد ا ...
- -اخوتنا درع العراق… حين يكون العراقي ظلاً لأخيه-
- من دفتر فكتوريا... حيثُ تنوح الأرقام وتبكي الدولة.
- تَجَلّيات الحضارة الإغريقية بين وهج البدايات ومرآة التأثير ا ...
- ضحكة التريليون… وبكاء الخدعة الكبرى
- ملحمة جلجامش أقدم من تراتيل أنخيدوانا… ولكن لكل بداية معراجه ...
- إنخيدوانا وصوت الأدب الأول من معابد العراق
- عباس الويس.. لوكس التحدي في عتمة السرد
- حين احترقنا.. كان المسؤول يُهدي -لكزس- لعشيقته
- بُكاءُ الجَمرِ في نُزولِ المطرِ المُتَرب
- العراق حين يقصف قلبه: من يقصف الكرد
- تحت الطاولة... فوق الأعناق: حين تفاوض إيران على رقاب عشاقها
- حمورابي حين خطّ القانون على صخرة العدالة
- -حين انطفأت شمعة بغداد ونام الجمل في الظلام-


المزيد.....




- شاهد رد فعل موظفين في منهاتن لحظة وقوع إطلاق النار المميت في ...
- -الحوثيون- يعرضون مشاهد لاحتجاز 11 فردًا من طاقم سفينة أغرقو ...
- حنظلة.. أيقونة ناجي العلي التي تحوّلت إلى رمز للفلسطينيين وا ...
- -هل يُثمر الخِلاف بين ترامب ونتنياهو عن اعتراف عالميّ بدولة ...
- في حادثة يُشتبه بأنها انتحار.. وفاة ضابط احتياط إسرائيلي حدد ...
- الشرطة الفرنسية تُحقّق في مزاعم محامي نتنياهو بشأن مخطط من ح ...
- محكمة ألمانية ترفض طلب لجوء عائلة إيزيدية بعد ترحيلها إلى ال ...
- اتهام سوري بمحاولة قتل إسباني عند النصب التذكاري للهولوكوست ...
- عشية مؤتمر -حل الدولتين-... وزير الخارجية السعودي يؤكد مشارك ...
- انتخابات برلمانية في سوريا منتصف سبتمبر


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - فيروز تودّع نغمة قلبها.. حين بكى الصباح في حضن الوطن