أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - من باع الخور والنفط والأرض














المزيد.....

من باع الخور والنفط والأرض


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 14:50
المحور: قضايا ثقافية
    


كان العراقُ، مذ بزوغ حضارته الأولى على ضفاف دجلة والفرات، يحفر مجده بأظافر الطين، ويحرس حدوده بجفنٍ لا ينام. البصرة، رئة الجنوب وأيقونة التاريخ، لم تكن مجرد مدينة؛ كانت قصيدةً أزليةً نُظمت على حافة الماء، وحين تمددت الفاو بأرضها الطينية صوب البحر، لم تكن بوابة للموانئ فحسب، بل كانت عتبة الكبرياء العراقي الذي لم يسمح لغريبٍ أن يطأه دون أن تغضب الأرض ويثور الملح في جرحه الأزلي.في الثمانينات، كان صدى المعركة عند تخوم الفاو يهز أعمدة السماء، وكان الجندي العراقي يحمل روحه على كفه، لا ليقاتل عن قطعة أرض، بل عن هوية، عن حضارة اسمها العراق. كانت الفاو آنذاك، لؤلؤة الجبهات ومختبر الرجولة، تُروى بدماء الشباب العراقي، وتُغسل بندقيتها بدمع الأمهات، حتى تحررت، فلم يكن نصرها إلا توثيقًا للانتماء في سجل الخلود.
لكن أي يدٍ هذه التي امتدت اليوم لتعبث بالخريطة؟ أي نفسٍ هذه التي قبلت أن تُناور على حدودنا البحرية والنفطية كما يُناور تاجرٌ على قنطار تمر؟ هنا يتكلم القاضي وائل عبد اللطيف، ابن الجنوب، بنبرة تفضح ما كُتم، وتهتك أستار ما كان يُدار خلف ستائر السياسة، حيث لا وطن هناك بل دفاتر صفقات وسماسرة حدود.
رسائل سرية، كأنها وشوشات الخيانة، حملتها حقائب من بغداد إلى الكويت، بدأت في عهد نوري المالكي، ولم تُقفل في عهد حيدر العبادي، كما يقول عبد اللطيف، وهي تفاوض على العراق كأن الوطن ضيعة آبائهم، تعرض فيه ثلاثة من أهم الحقول النفطية على طاولة المنح والمكرمات، مقابل بضع ملايين تقرّها مؤتمرات المانحين.عبد اللطيف يتهم... لا لمصلحة شخصية، بل يضع إصبعه في عين الحقيقة، ويصرخ: "أنا لست عميلاً، الساكت هو العميل!" ويضيف: "ست عوائل، معلومة لدي، لها علاقة وثيقة بالكويت، وهم من هندسوا هذا التدهور، وسأضع وثائقي أمام المحكمة الاتحادية".
هنا، لا يتحدث الرجل عن نزاع عقاري على طرف قرية، بل عن الزبير وسجيل الأعلى وقبة صفوان، تلك الحقول التي لا تنضب، وتاريخ لا يجوز شطبه بالحبر الأزرق في اتفاقيات تعقد على عجل. يتحدث عن قرية أم قصر، التي أصبحت مسمارًا في خاصرة الحدود، يتحدث عن قاعدة بحرية تم التنازل عنها كأنها ثكنة مهجورة، لا موطئ سيادة ولا رمز قوة.لكن الطامة الكبرى، كما يسردها الرجل، أن يكون "خور عبد الله"، شريان العراق البحري وأهميته الإستراتيجية الممتدة من التجارة إلى الجغرافيا، قد تم التنازل عنه لصالح الكويت... ويا للمفارقة، حتى المندوب الأممي الماليزي رفض هذه المهزلة، وقالها بملء الضمير: "لا يحق لي ترسيم الحدود البحرية، وإن أُجبرت، سأغادر وأعود إلى بلدي".فأين ضمير من يفترض أنه ابن هذه الأرض؟ كيف تصير حدود الوطن ورقة قابلة للتمزيق؟ كيف يقبل من ينتمي لتراب العراق أن يُزاح الشبر بعد الشبر، والحقل بعد الحقل، ويُنقل الكنز إلى خزائن الجار، بينما البصرة – أم الثروات – تقاتل العطش والمجاري المكشوفة؟..الخرائط لا تُرسم على طاولات العملاء. والتاريخ لا يُباع بالتقسيط. وما كان الفاو يُدافع عنها بالدم، لا يحق لأحد أن يفرط بها بالحبر.
يا من جئتم دون تاريخ، لا تعبثوا بتاريخنا. جذور العراق، من سومر إلى العباسيين، من الفاو إلى خور عبد الله، أعمق من مصالحكم، وأرسخ من صفعاتكم التي لن تمحُ أثر دمعة أمٍّ على قبر شهيد.لقد آن أوان أن يُقال: من باع الأرض لا يُؤتمن على وطن. ومن فرّط بالخور، سيفرّط بالقدس، ومن ساوم على النفط، سيساوم على العرض. وليرتفع صوت العدالة في المحكمة، ولتُفتح الملفات، فالوطن ليس ضيعة، والنفط ليس هبة، والخرائط ليست لعبة.
هنا العراق... لا تُعَادوا جذوره.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -المرشح الراقص والناخب الطيّب: من جوبي البرلمان إلى حفلة الد ...
- -الفن العراقي... بين ضوء الماضي وظل الحاضر-
- قفي أيتها الملكة.. فالساقطون لا يرون الهامات المرتفعة
- من أندلسِ تطوان إلى نبضِ بغداد: شهرزاد الركينة… نشيدُ الفنّ ...
- -أنا الحرف الذي لا يركع… هذا بعض ما كنته يا سائلين عن حامد ا ...
- -اخوتنا درع العراق… حين يكون العراقي ظلاً لأخيه-
- من دفتر فكتوريا... حيثُ تنوح الأرقام وتبكي الدولة.
- تَجَلّيات الحضارة الإغريقية بين وهج البدايات ومرآة التأثير ا ...
- ضحكة التريليون… وبكاء الخدعة الكبرى
- ملحمة جلجامش أقدم من تراتيل أنخيدوانا… ولكن لكل بداية معراجه ...
- إنخيدوانا وصوت الأدب الأول من معابد العراق
- عباس الويس.. لوكس التحدي في عتمة السرد
- حين احترقنا.. كان المسؤول يُهدي -لكزس- لعشيقته
- بُكاءُ الجَمرِ في نُزولِ المطرِ المُتَرب
- العراق حين يقصف قلبه: من يقصف الكرد
- تحت الطاولة... فوق الأعناق: حين تفاوض إيران على رقاب عشاقها
- حمورابي حين خطّ القانون على صخرة العدالة
- -حين انطفأت شمعة بغداد ونام الجمل في الظلام-
- الحسينُ بين دمعِ الخلود... وبدعِ الجهالة
- -غريبٌ في دفتر الوطن-


المزيد.....




- أوكرانيا تُعلق شباك الصيد لتعطيل هجمات طائرات الدرون الروسية ...
- دموع لا تجفّ في غزة: وداع مؤلم لضحايا الغارات الإسرائيلية ال ...
- معارك في الظل.. إيران تعلن إفشال مشروع خارجي يهدف لتقسيم الب ...
- كيف أثّر فن وفكر زياد الرحباني في أجيال متعاقبة؟
- محذرًا إيران من عودة نشاطها النووي.. ترامب: سنعمل على إنشاء ...
- بعد إسقاط الحصانة: فرنسا تطلب مذكرة توقيف جديدة بحق بشار الأ ...
- مؤتمر نيويورك لحل الدولتين: خطوة مهمة نحو السلام في ظل تحديا ...
- ألمانيا تعلن عن إطلاق جسر مساعدات جوي إلى غزة
- واشنطن تدعو مجلس الأمن إلى تعديل العقوبات على سوريا
- المرصد يتناول أبشع فصول حرب الإبادة ضد نساء غزة وأطفالها


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - من باع الخور والنفط والأرض