أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -الفن العراقي... بين ضوء الماضي وظل الحاضر-














المزيد.....

-الفن العراقي... بين ضوء الماضي وظل الحاضر-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 08:41
المحور: قضايا ثقافية
    


في الحديث عن الفن العراقي، لا يمكن أن نمرّ مرور العابرين، فهنا، بين ضفتي دجلة والفرات، وُلدت الألحان من رحم المعاناة، وتشكلت الملامح الفنية في ظل صراع طويل بين الجمال والقهر، بين الحقيقة والرقابة، بين الموهبة والتهميش. هذا الوطن، الذي أنجب القيثارة السومرية قبل أن تعرف الدنيا معنى الإيقاع، هو ذاته الذي علّم الطين كيف ينطق بالشكل، والصوت كيف يحترف الوجدان. فالعراق، قبل أن يكون وطنًا جريحًا، كان وما زال رحمًا خصبًا لكل إبداع فني خالص.في ماضٍ ليس ببعيد، كان الفن العراقي يُضرب به المثل في النضج والأصالة، وكانت أعماله تعبر الحدود دون إذن أو فيزا، لأنها ببساطة، كانت أعمالًا تنتمي إلى الإنسان، لا إلى السلطة، وتعبّر عن همّه لا عن تعليماتها. فيروزيات العراق ليست فقط في الصوت، بل في المشهد، في الدراما، في المسرح، في السينما التي كانت تنحت من الصخر متكأً لتاريخ لا يُنسى.
كيف يمكن أن ننسى يوسف العاني حين كان المسرح على خشبته يتحول إلى منبرٍ وعيٍ لا يقلّ شأناً عن الجامعات؟..كيف ننسى خليل شوقي وسامي عبد الحميد و ومائدة نزهت وزهور حسين ووحقي الشبلي وبدري حسون فريد وقاسم محمد والقبانجي وناظم الغزالي وغيرهم من فناني العراق الذين جعلوا من العمل الفني موقفًا وذاكرة؟..أين ذاك الزمن الذي كان فيه التمثيل لا يُقاس بعدد المتابعين، بل بعدد القلوب التي بكى فيها المشهد؟..أين ذاك التلفزيون العراقي الذي كان يقدّم أعمالًا مثل "النسر وعيون المدينة" و"رجال الظل" و"ذئاب الليل" و"بيت الطين" و"الدهانة"، وهي أعمال بقيت رغم توالي السنين حاضرة في الذاكرة الجمعية، لأنها كانت تمثّل المجتمع، وتحاكيه بصدق لا مجاملة فيه؟..اليوم، تتردّد على ألسنة الكثيرين تساؤلات لا تهدأ: لماذا تراجع الفن العراقي؟ ..لماذا لم يعد لدينا "نجوم" كما في السابق؟.. ولماذا لا توجد شركات إنتاج ضخمة تُعنى بصناعة النجم كما هو الحال في دول الجوار؟..الحقيقة، أن الفن لم يتراجع لقلّة الموهبة، فالعراق ما زال يفيض بالمبدعين، من ممثلين ومخرجين وكتّاب وموسيقيين، بل إننا نرى أسماءً شابة تُبدع رغم الإمكانات المحدودة، وتحاول أن تزرع شجرة في أرضٍ صارت ترفض المطر. المشكلة ليست في اليد التي ترسم، بل في العين التي لا ترى.لقد فقد الفن العراقي البيئة الحاضنة، إذ لا توجد مؤسسات حقيقية تهتم بالفن كتعبير عن هوية المجتمع، بل تُدار الأمور غالبًا بعشوائية وقرارات فردية تفتقر إلى الرؤية، أما شركات الإنتاج فهي، في معظمها، إمّا غائبة أو تبحث عن الربح السريع على حساب القيم، وأما الدعم الرسمي فلا يكاد يُذكر، إذ صار الفن عبئًا بدل أن يكون رافعة للذوق والوعي.في الماضي، كان الفنان العراقي يحظى باحترام مجتمعي كبير، وكان الإنتاج الفني يُعامَل باعتباره جزءًا من الصورة الحضارية للبلاد، أما الآن، فقد أُفرغت الفنون من مضامينها، وتحوّلت بعض الأعمال إلى مشاهد مكررة ركيكة، لا تسمن ولا تغني من فكر. الدراما التلفزيونية أصبحت خاضعة لمزاج السوق، وغياب الرقيب الفني الحقيقي فتح الباب على مصراعيه أمام الهواة، فصعدت إلى الواجهة وجوه لا تملك من الموهبة إلا ما يكفي للضحك أو الاستفزاز.والأسوأ من ذلك، أن بعض الفنانين الحقيقيين أصبحوا مهمّشين، لأنهم لا يجيدون فن "العلاقات"، ولا يشاركون في حفلات الصعود السريع. فأصبح النجم يُصنع لا على الشاشة، بل على صفحات التواصل، وتحوّل الموهوب إلى ظلّ يُرجى له الظهور ذات موسم، في حين تُفسَح المنابر لمن لا يُتقنون غير الاستعراض.أزمة الفن في العراق ليست أزمة فنية بقدر ما هي أزمة منظومة كاملة.منظومة لا تؤمن بأن الثقافة قوة ناعمة، ولا تفهم أن المسلسل أو الأغنية أو المسرحية يمكن أن تكون أخطر من الرصاصة في كشف الواقع أو تغييره.لقد عشنا سنوات طويلة في ظلال الخوف، وكان الفنان فيها مجبرًا على تكميم صوته أو التماهي مع السلطة، وعندما تغيّرت الظروف، لم تُصنع بدائل، بل فُتِح الباب للفوضى دون أن يُبنى المشروع البديل.اليوم، حين نشاهد أعمالًا عربية تُبهر الجمهور من المحيط إلى الخليج، ونتساءل: لماذا ليس لدينا مثلها؟ علينا أولًا أن نسأل: هل لدينا منتج حقيقي؟ هل لدينا مؤسسات فنّية مستقلة تدعم المواهب، وترعى النص، وتمنح الفنان مساحة ليكون نفسه لا ما تريده قنوات التمويل؟ هل نعلّم أبناءنا في المعاهد كيف يكون الفن رسالة لا مجرد مهنة؟ هل نشجّع الطّفل العراقي على أن يعبّر عن نفسه من خلال الرسم أو المسرح؟
أم أن الفن، بالنسبة لمن يُدير المشهد، ما زال ترفًا يمكن الاستغناء عنه في سبيل السياسة والاقتصاد والأمن؟..صحيح أن الماضي كان أجمل، لكن الأصحّ أن الحاضر ما زال قادرًا على النهوض لو وُجدت النية والإرادة. ما نحتاجه ليس فقط مالًا ولا تقنيات، بل ضمير فني، وجرأة في دعم الموهبة، وتحرير الفن من قبضة الحسابات الضيّقة.الفنان العراقي اليوم بين مطرقة الإقصاء وسندان البقاء، يصارع كي لا يتحوّل اسمه إلى ذكرى، وكي لا تندثر تجربته في أرشيف النسيان. لكنه رغم ذلك، ما زال يحمل جمرة الأمل في قلبه، لأن من تربّى على مشاهد الطين، وحكايات الأمهات في ليالي الشتاء، لا يمكن أن يُغريه البريق المؤقّت.إنه الزمن الذي يجب أن نستفيق فيه، ونعيد للفن مكانته لا بوصفه أداة ترفيه، بل بوصفه ضمير شعب.وحين نفعل، حين نضع الفنان الحقيقي في مكانه، ونمنح النص الجاد فرصته، ونؤمن أن الثقافة ليست سلعة بل هوية… عندها فقط، سيعود للفن العراقي صوته… وصورته… ومكانته.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قفي أيتها الملكة.. فالساقطون لا يرون الهامات المرتفعة
- من أندلسِ تطوان إلى نبضِ بغداد: شهرزاد الركينة… نشيدُ الفنّ ...
- -أنا الحرف الذي لا يركع… هذا بعض ما كنته يا سائلين عن حامد ا ...
- -اخوتنا درع العراق… حين يكون العراقي ظلاً لأخيه-
- من دفتر فكتوريا... حيثُ تنوح الأرقام وتبكي الدولة.
- تَجَلّيات الحضارة الإغريقية بين وهج البدايات ومرآة التأثير ا ...
- ضحكة التريليون… وبكاء الخدعة الكبرى
- ملحمة جلجامش أقدم من تراتيل أنخيدوانا… ولكن لكل بداية معراجه ...
- إنخيدوانا وصوت الأدب الأول من معابد العراق
- عباس الويس.. لوكس التحدي في عتمة السرد
- حين احترقنا.. كان المسؤول يُهدي -لكزس- لعشيقته
- بُكاءُ الجَمرِ في نُزولِ المطرِ المُتَرب
- العراق حين يقصف قلبه: من يقصف الكرد
- تحت الطاولة... فوق الأعناق: حين تفاوض إيران على رقاب عشاقها
- حمورابي حين خطّ القانون على صخرة العدالة
- -حين انطفأت شمعة بغداد ونام الجمل في الظلام-
- الحسينُ بين دمعِ الخلود... وبدعِ الجهالة
- -غريبٌ في دفتر الوطن-
- -حينَ يتقاضى الغريب وتُسلب يدُ الحارس خبزَها-
- خرابٌ بني على الوهم: سردية الفوضى ومأساة الدولة الموءودة


المزيد.....




- ترامب يُحذر تايلاند وكمبوديا من وقف التعامل التجاري معهما.. ...
- تأخرت رحلتك؟ إليك استراتيجيات ذكية للاستفادة من وقتك في المط ...
- -مبيد حشري-.. النيابة المصرية تحل لغز وفاة 6 أشقاء ووالدهم ف ...
- إسرائيل تسمح بدخول مساعدات لأول مرة منذ أشهر، مع -تعليق تكتي ...
- كمين جديد لحماس في خان يونس.. مقتل 3 جنود في صفوف الجيش الإس ...
- أمل جديد لمرضى السكري.. الخلايا الجذعية تقلب موازين العلاج
- لماذا أعلنت إسرائيل فجأة -تعليقا تكتيكيا- لعملياتها العسكرية ...
- خمس خطوات لتجنب نزلات البرد الصيفية المزعجة
- العدو الذي يتحدث لغتك.. خطة إسرائيل الجديدة لاختراق المجتمعا ...
- قصص مجوّعي غزة.. شريف أبو معوض


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -الفن العراقي... بين ضوء الماضي وظل الحاضر-