أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - شمشونا... رماد ملكةٍ لم تولد، وسؤالٌ يمشي في شوارع بابل














المزيد.....

شمشونا... رماد ملكةٍ لم تولد، وسؤالٌ يمشي في شوارع بابل


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 19:07
المحور: قضايا ثقافية
    


في العتمة التي تركها لنا الطين البابلي بعد أن غسلت الأمطار ألواحه، تطلّ علينا شمشونا، لا كاسمٍ محفورٍ في سجلّ الملوك، ولا كتمثالٍ قائمٍ في متحف، بل كأنها ظلّ أنثى مرّ من هنا، لم تكتبها النقوش لكنها تُرى في كل حجر، تُشمّ في كل جدار، كأن التاريخ نسي أن يدوّنها فصرنا نبحث عنها في خيالاتنا لا في الآثار.شمشونا ليست ملكةً في قوائم بابل الرسمية، لم تذكرها ألواح سومر، ولم تخلّدها أساطير أكد، لكنها تظهر كأنها ضرورةٌ غابت، كأن الذاكرة الجماعية للحضارات قد صمتت عن ذكرها عمدًا أو خجلًا. فبين أسماء الملوك الكبار في بابل، لم تحكم امرأة، ولم تُترك للأنوثة فرصة لتضع تاجها فوق رأس المدينة. وربما لهذا السبب، اخترعت المخيلة "شمشونا"، ليس لتكذب على التاريخ، بل لتعاتبه.هي ليست شخصية تاريخية بالمفهوم الوثائقي، لكنها باتت اليوم رمزًا لأنوثةٍ حُرِمت من العرش، وذكاءٍ أُقصي عن الطموح، وقيادةٍ وُئدت قبل أن تتنفس. شمشونا تمثل الحكاية التي لم تحدث ولكن كان يجب أن تحدث، تمثل السطر الذي سقط من قصيدة التاريخ فاختلّ معناها، فبقيت المرأة في أرض الأنهار أمًّا لكل شيء إلا للحكم، خالقةً للحياة لا للنظم، وصانعةً للرجال لا للقرارات.يقولون إن شمشونا بنت قصرًا سماويًا في بابل، وأطلقت الجامعة الأولى، ووحّدت المعابد تحت راية المعرفة، لكننا لا نجدها إلا في الحلم، كأنها القصيدة التي كتبها شاعرٌ ولم يجرؤ أن ينشرها، خشية أن تتهمه السلطة بالهراء.
واليوم، حين نقف على أنقاض بابل، وننظر إلى وجه المرأة العراقية، وهي تحارب في كل صباح لأجل خبزها، وحريتها، وكرامتها، ندرك أن شمشونا لم تكن موجودة في الماضي... بل موجودة في كل امرأة اليوم. شمشونا تعيش في الفتاة التي تمنعها الأعراف من أن تتعلم، وفي الأم التي تسير في دوامة الحرب والفقر والخذلان، وفي العالِمة التي لا تُسمع، وفي السياسية التي يُختصر حضورها بحصةٍ انتخابية لا تتجاوز عدّ الأصابع.بين شمشونا التي لم تُولد، ونساء العراق اليوم، نقرأ الأسى ذاته: أن التاريخ حين يُكتب بالسيوف، لا يترك للأنوثة إلا أن تكون هامشًا في سرد الرجال.لكن أليس من حقنا أن نعيد كتابة التاريخ؟ أن نقول: كانت شمشونا هنا، لا بوثيقةٍ رسمية، بل بإرادة شعوبٍ تتوق إلى توازنٍ بين القوة والرحمة، بين السلطة والحكمة، بين السيف والفكر؟ أليس من حقنا أن نمنحها حياة رمزية لتكون مرآة للمرأة التي تُقصى اليوم باسم الدين أو العرف أو الذكورة المعطوبة؟شمشونا... قد لا تكون وُجدت، لكنها الحقيقة التي يكشفها الغياب، والصوت الذي نسمعه رغم الصمت. لم تكن، لكننا نحتاج أن تكون. فقد تعبت الأرض من الملوك الصارخين، وآن لها أن تحكمها ملكةٌ من طينٍ وذكاءٍ وأمل.ربما لم تحكم شمشونا بابل، لكنّ اسمها الآن يحكم الأسئلة…وأحيانًا، يكون السؤال أعظم من الجواب.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من باع الخور والنفط والأرض
- -المرشح الراقص والناخب الطيّب: من جوبي البرلمان إلى حفلة الد ...
- -الفن العراقي... بين ضوء الماضي وظل الحاضر-
- قفي أيتها الملكة.. فالساقطون لا يرون الهامات المرتفعة
- من أندلسِ تطوان إلى نبضِ بغداد: شهرزاد الركينة… نشيدُ الفنّ ...
- -أنا الحرف الذي لا يركع… هذا بعض ما كنته يا سائلين عن حامد ا ...
- -اخوتنا درع العراق… حين يكون العراقي ظلاً لأخيه-
- من دفتر فكتوريا... حيثُ تنوح الأرقام وتبكي الدولة.
- تَجَلّيات الحضارة الإغريقية بين وهج البدايات ومرآة التأثير ا ...
- ضحكة التريليون… وبكاء الخدعة الكبرى
- ملحمة جلجامش أقدم من تراتيل أنخيدوانا… ولكن لكل بداية معراجه ...
- إنخيدوانا وصوت الأدب الأول من معابد العراق
- عباس الويس.. لوكس التحدي في عتمة السرد
- حين احترقنا.. كان المسؤول يُهدي -لكزس- لعشيقته
- بُكاءُ الجَمرِ في نُزولِ المطرِ المُتَرب
- العراق حين يقصف قلبه: من يقصف الكرد
- تحت الطاولة... فوق الأعناق: حين تفاوض إيران على رقاب عشاقها
- حمورابي حين خطّ القانون على صخرة العدالة
- -حين انطفأت شمعة بغداد ونام الجمل في الظلام-
- الحسينُ بين دمعِ الخلود... وبدعِ الجهالة


المزيد.....




- كواحدٍ من رموزها الثقافية.. مدينة برمنغهام تعلن تفاصيل جنازة ...
- الجيش الإسرائيلي يُعلن تفاصيل أنشطته العسكرية في لبنان.. ومص ...
- -هجمات لصالح روسيا-.. بولندا توجه تهمة الإرهاب لكولومبي محتج ...
- إسرائيل -ترفض- إعلان لندن عن اعتراف محتمل بدولة فلسطين
- محادثات أمريكية صينية -بناءة- قبيل انتهاء هدنة الرسوم وسط ته ...
- اكتئاب خلف الكاميرا.. مشاهير هوليود يروون معاركهم النفسية
- -ما وراء الخبر- يناقش مستقبل قضية نزع سلاح حزب الله
- -أنقذوا الفاشر- حملة في السودان لفك حصار المدينة ووقف تجويعه ...
- نواب أميركيون يصفون الوضع في القطاع بالكارثي ويؤكدون فشل -مؤ ...
- مقترح أوروبي لمعاقبة إسرائيل أكاديميا لانتهاكاتها في غزة


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - شمشونا... رماد ملكةٍ لم تولد، وسؤالٌ يمشي في شوارع بابل