أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الجرذ الذي أكل 62 ترليوناً ولم يتجشأ














المزيد.....

الجرذ الذي أكل 62 ترليوناً ولم يتجشأ


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 17:26
المحور: قضايا ثقافية
    


في بلادٍ تُشكِّلُ فيها الحكومة لجنة تحقيق على كل "درهم" مفقود من ميزانية نادي الصمّ والبُكم، وتستنفرُ الأجهزة الأمنية عند سرقة كيبل كهربائي من عمود ميت، وتُنظّم الندوات القانونية لمناقشة تشريع قانون يمنع المتقاعد من التنفس إلا بموافقة الدائرة المالية... في هذه البلاد ذاتها، خرج علينا "جرذيٌّ وطنيٌّ" شهمٌ، قادمٌ من إحدى المكونات الجرابية المشفوعة بالحماية والقداسة، ليأكل في ليلة ظلماء ما لا تأكله جرذان الكرة الأرضية مجتمعة: اثنان وستون ترليون دينار، يا سادة، دون أن يُخلّف وراءه حتى قشرة "محرمة" أو صوت قضمٍ في العتمة.ولأنّنا في وطن الأعاجيب، فقد مرّ الحدث مرور الجرذ من تحت باب البرلمان، دون أن يُنبح عليه كلب، أو تُسلَّط عليه كاميرا حرارية، أو يُصوّر في مسلسل رمضاني بعنوان "الجرذي في حضرة المال العام".الغريب، أو بالأحرى المعتاد في هذه البلاد، أن وزارة المالية - التي ما انفكت تعترض على حقوق المتقاعد المسكين وكأنها تدفع له من جيب أبيها - لم تطلق بياناً شاجباً، ولا حتى تغريدة يتيمة تندد بالجرذي الغاشم. بل الأدهى من ذلك، أن الوزارة ما زالت تحتفظ بهدوئها الكامل، وكأنها تقول لنا: "صحتين على قلبه، أهم شي ما طالب بتقاعد".
أين البرلمان؟ أين الجلسة الطارئة التي تُعقد عادة لمناقشة نكتةٍ قالها نائبٌ عن غير قصد؟ أين رئيس اللجنة المالية الذي هدد ذات مرة سائق تكسي لأنه لم يلتزم بالتسعيرة الرسمية؟ لماذا لم نسمع عن لجنة لتقصي أثَرِ الجرذي؟ لماذا لم تُعرض صورته على الشاشات، ويُسأل الناس: "هل رأيتم هذا الكائن يتجول قرب المصرف المركزي؟" لماذا لم يُعلن عن مكافأة لمن يُدلي بمعلومة عن مكان وجوده أو هويته الجريبية؟ هل هو من الجرابيع الكردية؟ أم من فئران الجنوب؟ أم من الهامستر المهاجر من الخليج؟ أم ربما هو "فأر خرطومي" يعمل ببطاقة خضراء صادرة من وزارة التخطيط؟والأعجب من هذا كلّه أن الإعلام الوطني – إعلام الردح والتطبيل – لم يتناول الخبر في إطار وطني، ولم نسمع تلك الجوقة المعروفة وهي تتغنّى بإنجاز الجرذي، ولم يُسجّل أحدهم مقطعاً بعنوان: "الجرذ بطل قومي – أنقذنا من الفائض النقدي".ألم يكن حرياً أن يُقدَّم الجرذي إلى المحكمة الجنائية الدولية؟ ألم يكن من الأجدر أن نرى محامياً وطنياً يدافع عن حقوق الموازنة المسلوبة؟ ألم يكن أجدر بالقضاء أن يرفع الجلسة في قضايا الطلاق، ويعقد محكمة طارئة لمحاكمة الجرذ الذي التهم 62 ترليوناً كما يلتهم السياسي "المقعد النيابي" في مأدبة تمويل؟
بل أين أحزابُ الفزعةِ الموسمية؟ لماذا لم نسمع من يقول: "هذا الجرذي لا يمثل فئراننا، وإنما هو دخيل مزروع من الخارج لضرب الوحدة الوطنية بين الجرابيع والكناغر"؟ ولماذا لم تُصدر مرجعية الفئران بياناً تطالب فيه بعدم تعميم التهمة على باقي السلالات؟ هل الجرذ ينتمي إلى طائفة الجرذان الطوافة؟ أم إلى المذهب السنابيلي؟ أم أنه يحمل جواز سفر مزدوج: جريبي-سنجابي؟
يا للمهزلة...
في أوروبا - يا سادتي - لو سمعوا أن جرذاً قضم نصف ميزانية الدولة، لخرجت الصحف بعنوان: "أوروبا تنهار.. والجرذ يفرّ"، ولأعلنت الحكومة استقالتها، وأُعلن الحداد الوطني، ووزعت الكمامات كي لا يشم أحدٌ رائحة الفضيحة. أما عندنا، فالجرذي بطل، والصامت عنه وليّ أمر، والسائل عنه فتنة، والمندّد به مندسّ عميل.
فلا عجب أن يُطارد العجوز الذي يتقاضى راتباً تقاعدياً لا يكفي لشراء جبنة للفئران، بينما يُمنح الجرذ حصانة وطنية، ودعم لوجستي، وإعفاء ضريبي، وقطعة أرض في قلب العاصمة يبني عليها "مغارة الجرذان المتحدة".كنا ننتظر برنامجاً بعنوان "من الجحر إلى القصر – حكاية فأرٍ صنع مجداً"، لكن للأسف، اكتفت القنوات بعرض خبر انفصال مغنية مغمورة عن طليقها بسبب السحر الأسود، وتجاهلت الكارثة الاقتصادية التي التهمت جيوبنا على يد كائنٍ رمادي اللون، طويل الذيل، يُشبه كل من سرقنا يوماً ثمّ وقف يخطب فينا عن الشرف والوطن والمقاومة.إنّنا نعيش في جمهورية الجرذان المتحدة، حيث الكواليس تُدار من جحور، والأموال تُبتلع بصمت، ثم يقال لنا: عجز في الموازنة، وشدوا الأحزمة، وتحرّكوا بعقلانية. أمّا الجرذ، فما زال حرًّا، يمارس هوايته اليومية في السطو، ويقضمنا قضمًا، واحداً تلو الآخر، ونحن نصفق له ونهتف: "عاش الجرذي الوطني، حامي الدينار من الفائض!".



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صرخة في وجه التفاهة الإعلامية: حين يصبح الانحدار خبزًا يوميً ...
- -على موائد الإمبراطوريات: حين تُباع الأرواح بثمن الدولار-
- -دولة الوجهين ونصف عمامة-
- -قوّادو الكلمة وباعة الوهم: حين يصبح الإبداع طعنة في خاصرة ص ...
- -شهرة على مقاس العُري… ومثقفٌ خلف الستار-
- استري نفسكِ… قبل أن يفضحكِ هاتفكِ!
- فيروز تودّع نغمة قلبها.. حين بكى الصباح في حضن الوطن
- شمشونا... رماد ملكةٍ لم تولد، وسؤالٌ يمشي في شوارع بابل
- من باع الخور والنفط والأرض
- -المرشح الراقص والناخب الطيّب: من جوبي البرلمان إلى حفلة الد ...
- -الفن العراقي... بين ضوء الماضي وظل الحاضر-
- قفي أيتها الملكة.. فالساقطون لا يرون الهامات المرتفعة
- من أندلسِ تطوان إلى نبضِ بغداد: شهرزاد الركينة… نشيدُ الفنّ ...
- -أنا الحرف الذي لا يركع… هذا بعض ما كنته يا سائلين عن حامد ا ...
- -اخوتنا درع العراق… حين يكون العراقي ظلاً لأخيه-
- من دفتر فكتوريا... حيثُ تنوح الأرقام وتبكي الدولة.
- تَجَلّيات الحضارة الإغريقية بين وهج البدايات ومرآة التأثير ا ...
- ضحكة التريليون… وبكاء الخدعة الكبرى
- ملحمة جلجامش أقدم من تراتيل أنخيدوانا… ولكن لكل بداية معراجه ...
- إنخيدوانا وصوت الأدب الأول من معابد العراق


المزيد.....




- -لا يفهم كيف تعمل-.. شاهد كيف علق بولتون على قرار ترامب تحري ...
- -مكر الليل والنهار-.. الداعية علي الجفري يثير تفاعلا بدعائه ...
- بعد -صدمة- أرقام الوظائف.. ترامب يطيح بمسؤولة رفيعة في وزارة ...
- البشر الأوائل كانوا نباتيين .. هل تصدق؟
- أزمة النزوح المتكرر وانعدام الخيام في غزة
- أنظمة المنزل الذكي.. تحت المجهر
- الناس يرتدون قمصان النوم في كل مكان ما عدا السرير!
- ترامب عن ملفات جيفري إبستين: لا أريد إصابة أشخاص غير مذنبين ...
- أنقاض رومانية اعتُقد أنّها لكنيسة قديمة.. لكنّ الأدلّة تروي ...
- فيديو لمطاردة جنونية لرجل يقود شاحنة قمامة في شوارع مدينة أم ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الجرذ الذي أكل 62 ترليوناً ولم يتجشأ