أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -على موائد الإمبراطوريات: حين تُباع الأرواح بثمن الدولار-














المزيد.....

-على موائد الإمبراطوريات: حين تُباع الأرواح بثمن الدولار-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8420 - 2025 / 7 / 31 - 14:08
المحور: قضايا ثقافية
    


في ظلال المدافع، بين دخان المصانع وهدير المطابع التي سكّت أولى أوراق الدولار، كان العالم يتمخّض بولادة غريبة. لم تكن الولادة هادئة، ولا مكتملة الجمال، بل أشبه بخروج مخلوق هجين: نصفه إنسان يحلم بالعدل، ونصفه وحش يتعطش للسيطرة. هناك، في عام 1717، لم يكن شيء يبدو للعيان كما هو في جوهره. كانت البدايات تصوّب نحو النهضة، لكنها كانت تحمل في طياتها ما هو أدهى من كل عصور الظلام السابقة: عقل لا يؤمن بغير الربح، وروح لا تهتدي إلا ببوصلة المصلحة.منذ تلك اللحظة التي ارتجّت فيها الأرض بفعل البخار والحديد، مرّت أربعة قرون والعالم يتدحرج في حفرة الاستعمار الجديد، لا تغوص فيها الدبابات بقدر ما تندس فيها القيم، ولا تُخضَع الشعوب بالبنادق فقط، بل بالدينار والدعاية، بالفيديو الموشى بالعواطف المصطنعة، وبقوانين تقنن الفوضى على أنها نظام.نعم، منذ الثورة الفرنسية التي زُلزلت بها أوروبا في عام 1789، تغيّر كل شيء. لم تعد الكنيسة حاكمةً، بل حوّلها الزمن إلى متحف، وتقدّم المال والآلة ليحكم باسم العلم، ولكن بلا ضمير. لقد بات للإنسان مرآتان لا يرى فيهما ذاته: الشاشة، والرصيد البنكي. أصبح الإيمان عبئًا، والرحمة هشاشة، أما الصدق فصار رفاهية لا تليق بعالم السوق.ولعل أشد مشاهد هذا التحول ألماً، هو كيف غيّر الغرب قوانينه لكي يفرض الحماية على طائفة أو عرق، فقط لأنه يعلم جيدًا أنه قد غذّى الكراهية ضدهم في الأرض. ثم يأتي ليصوغ قوانين من ورق تحمي من نارٍ هو من أشعلها، في فلسطين، في العراق، في اليمن، في كل بقعة من هذا الكوكب حيث تفيض دماء الفقراء لتروّي حدائق الأثرياء.لقد صنع الغرب "النظام العالمي الجديد"، لا كمفهوم تجميلي لعصر العولمة، بل كوحش أسطوري لا يعترف بدين، لا يصغي لألم، ولا يترك شيئًا في مكانه دون أن يُعيد تشكيله وفق هواه. إنه نظام لا يريدك أن تفكر، بل أن تستهلك. لا يريد منك أن تُحب، بل أن تشتري. لا يريد منك أن تؤمن، بل أن تُطيع. وهكذا، أصبحنا جزءًا من ماكينات عملاقة تُدار من غرفة مظلمة لا نعرف من بداخلها، لكنها تعرف كل شيفراتنا.ومع هذا، نحن العرب كنّا — وما زلنا — الحلقة الأضعف في السلسلة. لم تُستهدف أراضينا فقط، بل استُهدف عقلنا الجمعي، ذاك الذي تفتت بين الطوائف والمذاهب والرايات. لقد أُفرغت كلمتا "الوطن" و"الكرامة" من معناهما، وتحوّلت الحدود إلى أسلاك مشحونة بالكراهية، لا لحماية الشعوب بل لعزلها عن فكرة الوحدة.ألم تسألوا أنفسكم: لماذا يُمنع علينا التفكير، بينما تُفتح لنا قنوات الترفيه على مدار الساعة؟ لماذا يُشيد الغرب بمبدأ "حقوق الإنسان" ثم يدوس بأقدامه كل كرامة في غزة وصنعاء ودمشق؟ لماذا نُشعل الحروب في جيراننا ثم نطلب حماية الغرب؟ لماذا نقتل باسم الدين ونموت في سبيل أوهام طائفية بينما لغتنا واحدة، وربّنا واحد، وتاريخنا واحد؟
وللأسف، ما يُبكينا أكثر مما يُدهشنا. فالأموال العربية التي يُقال إنها تُهدر في دعم القضية الفلسطينية، لا تصل إلى فلسطين إلا وقد مرت بمحطات الولاء للقوى الكبرى. إنهم لا يُموّلون الاحتلال فقط، بل يموّلون كراهيتهم لأنفسهم، كما لو كانوا يشترون حبال مشانقهم بأيديهم. ومن فرط الجهل، يظنون أن السيادة تُشترى بالبترودولار، لا بالدماء التي سالت منذ داحس والغبراء حتى آخر طفل فلسطيني يرتجف تحت أنقاض منزله.أمريكا — تلك التي كانت تدعي أنها "شرطة العالم" — خلعَت الآن بزتها الرسمية، وارتدت بدلة مدير شركة. من يدفع أكثر، يحكم. من يفتح الأبواب، يدخلون بصفقات لا يُعرف لها وجه أخلاقي. تُدمَّر المدن باسم إعادة الإعمار. تُمنَح القروض للأنظمة كي تُبقي شعوبها سجينة، وتُشعل الحروب لتُسوّق لأسلحتها. ومن أكثر استحق للنهب؟ العرب، لأنهم منشغلون في لعن بعضهم بعضاً، يرفضون الوحدة كما يرفض التاجر خسارة سوقٍ رابح.هل تذكرون حرب اليمن؟ حرب بلا نهاية، ولا هدف، ولا نصر. فقط نزيف. دفعت السعودية ثمن قذيفة أغلى من ثمن الهدف ذاته، فقط لترسل للعالم رسالةً بأنها تحتاج للحماية. ويا للسخرية! دولة تدفع ثروتها لِمَن يحتقرها، كي يُدافع عنها من شعب لم يعرف إلا القهر!في هذا العالم، لا مكان للضعفاء، والضعيف ليس فقيرًا فقط، بل هو الجاهل، النائم، الذي لا يدرك أن النفط الذي يسيل تحت قدميه، هو ذاته الذي يُشعل فيه الحرائق. أما من يظن أن أمريكا "غاضبة من إيران"، فليعلم أن اللعبة أكبر من الغضب. إنها لعبة كسر العظام، تحاصر وتُجوّع ثم تعرض التفاوض، لا حبًا في السلام، بل لاستنزاف أطول.إذًا، لا تتفاجؤوا إن وُضعت شعوب بأكملها أمام خيارين: الموت أو الموت، لأن الربح الوحيد في تلك المجازر هو بقاء النظام العالمي متحكمًا بكل شيء. يُحاصرنا بالمال، بالإعلام، بالخوف، ويبيع لنا وهم الأمن الذي سرق منا منذ زمن بعيد.
في النهاية، أقول لكم، لا تنتظروا نبيًا يوقظنا. الرسل لا يُبعثون في زمن الدولار، ولا يُسمح للكرامة أن تنمو في صحراء الإعلام المأجور. نحن وحدنا القادرون على استعادة وعينا، إن توقفنا عن تمزيق ذواتنا بحثًا عن أعداء خارجيين. فأقسى عدوٍ هو من نراه في المرآة، ولا نعترف بخيانته.لقد تأخرنا كثيرًا، ولكن ما زال بإمكاننا أن نبدأ... بشرط أن نكفّ عن أن نكون "مواد خام" في معمل الآخرين.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -دولة الوجهين ونصف عمامة-
- -قوّادو الكلمة وباعة الوهم: حين يصبح الإبداع طعنة في خاصرة ص ...
- -شهرة على مقاس العُري… ومثقفٌ خلف الستار-
- استري نفسكِ… قبل أن يفضحكِ هاتفكِ!
- فيروز تودّع نغمة قلبها.. حين بكى الصباح في حضن الوطن
- شمشونا... رماد ملكةٍ لم تولد، وسؤالٌ يمشي في شوارع بابل
- من باع الخور والنفط والأرض
- -المرشح الراقص والناخب الطيّب: من جوبي البرلمان إلى حفلة الد ...
- -الفن العراقي... بين ضوء الماضي وظل الحاضر-
- قفي أيتها الملكة.. فالساقطون لا يرون الهامات المرتفعة
- من أندلسِ تطوان إلى نبضِ بغداد: شهرزاد الركينة… نشيدُ الفنّ ...
- -أنا الحرف الذي لا يركع… هذا بعض ما كنته يا سائلين عن حامد ا ...
- -اخوتنا درع العراق… حين يكون العراقي ظلاً لأخيه-
- من دفتر فكتوريا... حيثُ تنوح الأرقام وتبكي الدولة.
- تَجَلّيات الحضارة الإغريقية بين وهج البدايات ومرآة التأثير ا ...
- ضحكة التريليون… وبكاء الخدعة الكبرى
- ملحمة جلجامش أقدم من تراتيل أنخيدوانا… ولكن لكل بداية معراجه ...
- إنخيدوانا وصوت الأدب الأول من معابد العراق
- عباس الويس.. لوكس التحدي في عتمة السرد
- حين احترقنا.. كان المسؤول يُهدي -لكزس- لعشيقته


المزيد.....




- مقطورات مغمورة ومركبات عالقة.. شاهد نتائج الفيضانات الخطيرة ...
- بايدن يُحذر: أمريكا تواجه -أياما مظلمة- في عهد ترامب
- مصر.. تداول فيديو لشخص يدعي أنه ضابط شرطة -مختف قسريا- والدا ...
- -هذا موت وليس مساعدة أو طعامًا-.. شاهد ردود فعل سكان غزة على ...
- -مصالح مشتركة-.. أيّ دور لعبته حرب غزة في تقارب السيسي وأردو ...
- البرلمان السلفادوري يمنح الرئيس بوكيلي قابلية الترشح إلى ما ...
- قوافل المساعدات تدخل السويداء وسط هدوء حذر
- خطة سحب سلاح المخيمات.. حسابات ما بعد -دبور-
- دمشق تشكل لجنة تحقيق في أحداث السويداء
- بعد وفاة شاب وإصابة 6 بحفلة محمد رمضان يزعم: كانت محاولة اغت ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -على موائد الإمبراطوريات: حين تُباع الأرواح بثمن الدولار-