أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -قوّادو الكلمة وباعة الوهم: حين يصبح الإبداع طعنة في خاصرة صاحبه-














المزيد.....

-قوّادو الكلمة وباعة الوهم: حين يصبح الإبداع طعنة في خاصرة صاحبه-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8419 - 2025 / 7 / 30 - 22:18
المحور: قضايا ثقافية
    


في مشهد تتقاطع فيه أنفاس القصائد مع بخار فناجين القهوة الباردة، وفي صالات ينتصب فيها النفاق كديكور أساسي للعرض، يمشي الأدباء والفنانون كتلاميذ مشاكسين في مدرسة للأنانية، يتبادلون التحايا المزيفة والابتسامات المسروقة من وجوه مهرّجة، وكلٌّ منهم يخفي في جيبه خنجرًا نقديًا لا ليذبح الخطأ، بل ليصوّب الطعنة إلى خاصرة نجاح خصمه، كأنهم في سوق لا تُعرض فيه البضائع بقدر ما تُعرض فيه الرؤوس للجزّ بسيف الحسد.ما إن تكتب نصًا، وتؤمن به كمن يحضن رضيع اللغة للمرة الأولى، حتى يتسلل إليك من الخلف شاعرٌ آخر أو فنانٌ لا يحبك إلا إذا صمتَّ للأبد، يقرأ النص لا بصفاء القلب، بل بعدسة مكبّرة يبحث فيها عن شاردة أو واردة، عن نقطة فوق حرف قد انزلقت سهوًا، ليقول لاحقًا بكل وقاحة: "أنا من صححت له نصه!"، وكأن الأدب أصبح مستنقعًا ينتظر فيه الذباب فرصة السقوط ليعلن انتصاره البيولوجي على الجمال.إنه زمن غريب، حيث لا أحد ينصح أحدًا إلا وفي قلبه جرعة سمّ، ولا أحد يصغي إلا ليخزن الردّ في صدره حتى تحين ساعة المنازلة، والويل كل الويل لمن يظن أن النقد من أجل الإصلاح، فكل من تجرأ أن يقول لصاحبه: "هنا كان يمكن أن تكون أبلغ"، سيُجابَه بوجه مكفهر، وبنبرة تنبع من وادي الكبرياء: "هل تدري من أنا؟ أنا من علّق أول قافية على باب الكعبة، وأنا من اخترع القيثارة قبل سومر!"الكل يظن نفسه سيبويه العصر، وناقدًا لا يُشق له غبار، وعمودًا من أعمدة الفن، حتى وإن لم ينجز إلا ديوانًا لم يقرأه أحد، أو لوحة لم تُعرض إلا في هاتفه المحمول، ثم إذا غادرت مجلسهم، بدأوا يتهامسون كالباعة في سوق مظلم: "هو فاشل، لا يملك أي موهبة، وكل نجاحه مجاملة من فلان أو إعلان في موقع مغمور."أما الفئة الأشد خبثًا، فهي تلك التي تتقن فنّ "الدعابة السامة"، تراك سعيدًا بنصك، فيأتيك أحدهم مبتسمًا، يرسل لك رابطًا في الخاص: "أليست هذه الجملة مشابهة لما كتبه فلان عام 1987؟" وكأنه شرلوك هولمز الأدب، لا لحرصه على حقوق الملكية الفكرية، بل لأنه يريد أن يقول لك بلسان مزيف: "أنت مجرد مقتبس محترف، وأنا أذكى منك، وأخبث."
وهنا المصيبة الكبرى، أن هذا النموذج من الأدباء والمثقفين المتنطّعين، هم اليوم نجوم المشهد الثقافي، يتصدّرون المنصّات، ويجلسون في الصفوف الأولى للمهرجانات، لا لأنهم أصحاب مشاريع، بل لأنهم أتقنوا التملّق كفن، والتسويق كحرفة، واستبدلوا الريشة والقصيدة بحقيبة علاقات عامّة مملوءة بالأرقام والأسماء، وصاروا سماسرة في سوق الثقافة، يبيعون ضمائرهم بثمن حضور في ملتقى عربي، أو دعوة إلى أمسية ملوّنة بالصور على إنستغرام.منهم من يتسلّق على أكتاف الطيبين، ويأكل من عرق الموهوبين، فإذا صدر عمل فنّي ناقد لفساد أو مهزلة، قامت قائمتهم، لا غضبًا للأخلاق، بل دفاعًا عن الجهة التي تدفع، فيذهبون إلى تحريض المسؤول: "انظر، هذا يهاجم الدولة، هذا يسيء لرموزنا"، والرموز هنا ليست وطنًا ولا تاريخًا، بل فقط من يقذف لهم درهمًا ليقتاتوا عليه ككلاب شاردة.لقد أصبحت "الحرية الفنية" مصطلحًا نخبويًا لا يُمنح إلا للمطيعين، وصار الموهوب الحقيقي ملاحقًا بالتهم الجاهزة: متمرد، ناقد سلبي، معقّد، متعجرف، فقط لأنه لم يركع لصنم الأكاذيب الثقافية، ولم يبتسم لقصيدة جوفاء قالها أحدهم وهو مخمور في سهرة لا تليق حتى بالصمت.نحتاج إلى ثورة لا في النصوص، بل في الضمائرنحتاج إلى مؤسسات لا تخضع لحفلات الشاي ولا للولائم، بل تستمع لصوت العمل الصادق، وتمنح الحرية دون فحص الولاءات.
نحتاج إلى قادة ثقافيين يقفون على خطٍ واحد من العدالة، لا من يوزّعون الجوائز كما توزّع النقود في المقامرة.فما جدوى أن نكتب، إن كان القارئ ناقدًا حسودًا، والناشر متملّقًا، والمهرجان مسرحًا للمجاملات، والجوائز تُمنح لمن يكتب لمن يدفع؟أيها السادة، إن الإبداع ليس "كومسيون" يقف فيه شاعر ليمدح آخر كي يُمدَح، ولا مسرحًا تُقام عليه عروض الأكاذيب
الإبداع موقف، صراخ، مغامرة، انتحار على ورقة بيضاء.أما أنتم، أيها المتباهون بالحقد، والمزيفون في دفء المجالس، فأنتم السارقون الحقيقيون، لا لنصوصنا، بل لأحلامنا التي كنا نكتبها كي نحيا بها، فخذوا المنصة إن شئتم، وخذوا الجوائز إن كانت ترضي غروركم، أما نحن، فسنعود إلى صمتنا... نكتب، ونحترق.ولا عزاء للقيثار المكسور... حين يصبح الناقد أجيرًا لدى السفلة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -شهرة على مقاس العُري… ومثقفٌ خلف الستار-
- استري نفسكِ… قبل أن يفضحكِ هاتفكِ!
- فيروز تودّع نغمة قلبها.. حين بكى الصباح في حضن الوطن
- شمشونا... رماد ملكةٍ لم تولد، وسؤالٌ يمشي في شوارع بابل
- من باع الخور والنفط والأرض
- -المرشح الراقص والناخب الطيّب: من جوبي البرلمان إلى حفلة الد ...
- -الفن العراقي... بين ضوء الماضي وظل الحاضر-
- قفي أيتها الملكة.. فالساقطون لا يرون الهامات المرتفعة
- من أندلسِ تطوان إلى نبضِ بغداد: شهرزاد الركينة… نشيدُ الفنّ ...
- -أنا الحرف الذي لا يركع… هذا بعض ما كنته يا سائلين عن حامد ا ...
- -اخوتنا درع العراق… حين يكون العراقي ظلاً لأخيه-
- من دفتر فكتوريا... حيثُ تنوح الأرقام وتبكي الدولة.
- تَجَلّيات الحضارة الإغريقية بين وهج البدايات ومرآة التأثير ا ...
- ضحكة التريليون… وبكاء الخدعة الكبرى
- ملحمة جلجامش أقدم من تراتيل أنخيدوانا… ولكن لكل بداية معراجه ...
- إنخيدوانا وصوت الأدب الأول من معابد العراق
- عباس الويس.. لوكس التحدي في عتمة السرد
- حين احترقنا.. كان المسؤول يُهدي -لكزس- لعشيقته
- بُكاءُ الجَمرِ في نُزولِ المطرِ المُتَرب
- العراق حين يقصف قلبه: من يقصف الكرد


المزيد.....




- تصميم سعودي و200 ساعة عمل.. أحدث إطلالة لجينا أورتيغا
- بعد تقليله من شأن علاقته بإبستين.. شاهد كيف تحشد وسائل الإعل ...
- شاهد كيف علق مراسل CNN على دعوة دول عربية حماس الى نزع سلاحه ...
- شقيق الطيار الكساسبة يعلّق على قرار محكمة ستوكهولم بإدانة وح ...
- رسائل متناقضة في لبنان: ماذا سيحدث لسلاح حزب الله؟
- وزير الخارجية السوري عقب لقائه نظيره الروسي في موسكو: لا نية ...
- إيران تستنكر العقوبات الأميركية الجديدة على -أسطول شمخاني- و ...
- وسط دعوات حصر السلاح.. ما هي القدرات العسكرية للجيش اللبناني ...
- -يولكا- في حماية بوتين.. تعرّف على التقنية الروسية الجديدة ا ...
- بعد تعديل تقرير عن طفل غزة.. احتجاجات واتهامات لصحيفة نيويور ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -قوّادو الكلمة وباعة الوهم: حين يصبح الإبداع طعنة في خاصرة صاحبه-