أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -الدم الذي يقطر من سبحات الزيف-














المزيد.....

-الدم الذي يقطر من سبحات الزيف-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 17:18
المحور: قضايا ثقافية
    


من قلب الحضارة التي كانت يومًا منار الشرق، وموئل المجد العربي، انبعثت ريحٌ صفراء تتغذى على طلع التاريخ، وتحمل على أجنحتها رائحة الحقد القديم، متنكرة برداء الدين، حاملةً في يدٍ مسبحة، وفي الأخرى خنجرًا مسمومًا. هكذا تماهى الخطاب بالمخطط، وتماهت العمامة بالمصلحة، وسُيّجت الطوائف بأسوار من الوهم، حتى أضحت الأمة، في لحظة غفلة، تُصفّي نفسها بيد نفسها، وتبحث في أشلاء المدن عن خلاص وهمي.لم يكن الدين يومًا معبرًا للدم، ولم يكن الحسين رمزًا للعصبية، بل كان صوتًا للعدل، وثورة على الظلم، ودمعةً حارة على جبين الإنسانية، لكن من استعاروا اسمه صنعوا منه محرقةً لأوطاننا. رفعوه شعارًا، وفي ذات اللحظة زرعوا العبوات بين الأحياء، وسوّقوا أنفسهم وكلاء لابن بنت الرسول، فيما كان فعلهم يطعن في نسبه، وعرضه، وتاريخه. أي جنونٍ هذا الذي يجعل من التاريخ قنطرةً للكذب، ومن العقيدة سوقًا للتضليل، ومن المظلومية سكينًا للطعن في ظهور الآخرين؟..كانت العمائم السوداء تتصدر المشهد، والناس في الأرض تعاني. رجل دين يسكن قصرًا في الضباب، وآخر يشتري أرواح المساكين بدينار، والثالث يبكي على المنابر بينما بنوك الغرب تحفظ أمواله، والملايين تبحث في القمامة عن قوتها. أصبح الفقر سلعة، والتقشف مسرحية، والنسب بطاقة مزورة توزع على من يصفق ويهلل. وتحوّلت المذاهب إلى أدوات، والفتاوى إلى خناجر، والخطب إلى قنابل صوتية تستعدي بعضها، وتدفع بالجماهير إلى جحيم لا نهاية له..هل يرضى نبي الرحمة، الذي بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، أن يُسبّ أصحابه، وتُلعن زوجاته، ويُطعن في نسبه من فوق المنابر؟ أي دينٍ هذا الذي يُبجل ابنته، ويهين زوجته، ويغتال عمّه، ويقذف في شرف أهل بيته؟ لو كان حيًا، أما كان ليطردهم من بابه، كما طرد الكاذبين؟ أما كان ليقول: هذا ليس ديني، ولا رسالتي، ولا أمتي لا نذكر أسماءً، ولا نوجه أصابع، ولكن الدم لا يُخفى، ورائحة الدخان لا تُعطّر. من بحرٍ إلى بحر، من مسجدٍ إلى حسينية، من درسٍ في عقيدة إلى عبوة ناسفة، كان الخيط دائمًا واحدًا: استثمار الفوضى، وصناعة العدو، وتمزيق النسيج، وشطب الهوية. لا أحد ينجو من آلة التدوير العقائدي حين تتحول إلى سلاح، فحتى الطفولة تُنزع من مهدها، وتُلبس سواد الحقد، وتُدرّب على اللطم قبل أن تعرف ما معنى الرحمة.
كان المشروع واضحًا لمن شاء أن يرى: دينٌ بلا أخلاق، بكاء بلا معرفة، نسبٌ بلا أصل، حزنٌ بلا حكمة، صراخٌ بلا ثورة. وكلما نهضت الأمة، كانت الطعنة من الخاصرة، وكان الموت باسم السماء، وكان الرصاص يتلو آياتٍ قبل أن يخترق القلب. وكانوا دائمًا هناك، يحركون الموالين، يمدّون الأذرع، يغذّون الكراهية، ويحصدون الخراب.
من قرامطة الماضي إلى ساسة اليوم، من خناجر الطوسي إلى شاشات الفتنة، من الدويلات التي تنبت في الظل إلى الكيانات التي تزدهر على الخراب، كان التاريخ يعيد نفسه، لا لأننا لا نقرأه، بل لأن هناك من يزوّره في كل مرة، ويقنع البسطاء أن النار نور، وأن الدمار رسالة، وأن الحب كفر إن لم يكن في كفّ الملالي.
والأشد إيلامًا أن من قتلوا المدن، اليوم يبكونها. ومن أحرقوا كتب النور، يكتبون بالدم سيرتهم. ومن هجّروا الملايين، يعقدون مؤتمرات للوحدة. أي نفاقٍ هذا الذي يُلبس المجرمَ عمامةَ الواعظ، ويمنح الجلّاد لقبَ المجاهد؟ أي زمنٍ هذا الذي يُمنح فيه المزور وسام القداسة، وتُرفع رايات الحقد باسم السلالة؟
ما عاد في الصدر مكان للغفلة، ولا في الأرض متسع لصكوك الغفران المزورة. لا أحد يطالبك أن تكره، ولكن لا تكره وطنك باسم الحب، ولا تلعن أهلك باسم الدين. إن كنتَ تعبد الله فاعبده بقلبك، لا بخنجر. إن كنت تذرف الدمع على الحسين، فابكِ على من يُقتَل اليوم في اسمه. وإن كنتَ تنتمي لعقيدة، فلا تجعلها قيدًا في رقبة الآخرين.أما من ظنوا أنهم وكلاء السماء، فليقرأوا جيدًا: السماء لا تحتاج إلى سماسرة، ولا الدين يُختصر في لحيةٍ وصرخة. وما سقطت أمتنا يوم سقط السيف، بل يوم ارتفعت العمائم الفارغة، وزُرعت العقيدة في فوهات البنادق.
وها نحن نعود نبحث عن أنفسنا في الركام، وعن هويتنا في ظلال السحب المتكاثفة. ربما نحتاج إلى ثورة، لا على الأنظمة، بل على الأكاذيب. إلى صرخة، لا في وجه الآخر، بل في وجه من باعنا باسم الآخر. إلى لحظة نقول فيها: كفى. كفى للدم، كفى للزيف، كفى لتمزيقنا بأيدينا.
فهل آن أوان الصحوة؟ أم أننا ننتظر الطعنة القادمة... من نفس اليد؟



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -القصة القصيرة جدًّا... أو كيف تقتل الأدب بسطرين!-
- حين يغيب العقل عن السرد: هل انتهت الفلسفة من الرواية العربية ...
- -جرذان الذهب.. وشيب العراق المنسيّ-
- موطئ القدم الناعم: خطر العمالة الأجنبية حين تستحيل أقليةً مط ...
- العراق والكويت: ملحمة السقوط العربي في حضرة التحالف الغادر
- ياسين غالب.. طائر الحرية الذي حطّ في هلسنكي
- الشرق الأوسط الجديد... حين يتهاوى ظلُّ طهران ويُولد الضوء من ...
- الجرذ الذي أكل 62 ترليوناً ولم يتجشأ
- صرخة في وجه التفاهة الإعلامية: حين يصبح الانحدار خبزًا يوميً ...
- -على موائد الإمبراطوريات: حين تُباع الأرواح بثمن الدولار-
- -دولة الوجهين ونصف عمامة-
- -قوّادو الكلمة وباعة الوهم: حين يصبح الإبداع طعنة في خاصرة ص ...
- -شهرة على مقاس العُري… ومثقفٌ خلف الستار-
- استري نفسكِ… قبل أن يفضحكِ هاتفكِ!
- فيروز تودّع نغمة قلبها.. حين بكى الصباح في حضن الوطن
- شمشونا... رماد ملكةٍ لم تولد، وسؤالٌ يمشي في شوارع بابل
- من باع الخور والنفط والأرض
- -المرشح الراقص والناخب الطيّب: من جوبي البرلمان إلى حفلة الد ...
- -الفن العراقي... بين ضوء الماضي وظل الحاضر-
- قفي أيتها الملكة.. فالساقطون لا يرون الهامات المرتفعة


المزيد.....




- صحة غزة: تسجيل أعلى حصيلة قتلى منذ أسابيع وسط دراسة إسرائيل ...
- نتيجة مثيرة للقلق.. دراسة تكشف الآثار الصحية لامتلاك الأطفال ...
- ماذا نعرف عن -حصار السويداء- ؟
- نيسان تبهر العالم من جديد: سيارة كهربائية بمحرك بنزين
- خطة حصر السلاح.. بين حسم لبنان الرسمي ورفض حزب الله
- مرصد حقوقي ينذر بمذابح جماعية -غير مسبوقة- إذا نفذت إسرائيل ...
- واشنطن تعلق إصدار التأشيرات لمواطني بوروندي بسبب -انتهاكات م ...
- رجل أعمال مقرب من زعيم المعارضة النيجيرية يثير قلق الرئيس وح ...
- مظاهرات في النمسا تطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل
- مستوطنون يشرعون بإقامة بؤرة استيطانية غرب الخليل


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -الدم الذي يقطر من سبحات الزيف-