أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين تتقاتل الظلال على جدار التاريخ














المزيد.....

حين تتقاتل الظلال على جدار التاريخ


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 23:37
المحور: قضايا ثقافية
    


في البدء، لم يكن في الأرض سوى إنسان وحيد، يسير على تُرابها كما يسير الطفل في فناء بيته، بلا خرائط ولا أسوار، بلا أسماء تُفرّق بينه وبين جاره، ولا ألوان تُعلن من أي قبيلة جاء. كانت الأرض كلّها موضع صلاة، والماء واحدًا في النهر، والريح تعانق الشجر ولا تسأل عن هويته.
ثم جاء زمنٌ آخر، زمن الذين أحبّوا العروش أكثر من الأرض، فأمسكوا بالكلمات كما يُمسك الحائك بخيوطه، وأخذوا يغزلون منها ستائر تُحجب النور عن العيون. جلسوا في قصورهم، ورسموا على الورق خطوطًا وقالوا: هنا تبدأ أرضكم، وهناك تبدأ أرض أعدائكم. ثم أوهموا الناس أن هذه الخطوط وُجدت منذ الأزل، وأن عبورها خطيئة لا تُغتفر.في ذلك الزمن، لم يكن الانقسام وليد العقيدة وحدها، بل وليد السلطة التي ترتدي عباءة العقيدة. قيل للناس: هذه رايتكم، وتلك راية خصومكم. وفجأة انقسمت الأرض إلى نصفين، ثم أرباع، ثم شظايا صغيرة، كل شظية تحمل اسمًا، وتُقسم أن اسمها هو الحق، وأن الأسماء الأخرى أوهام.مرت القرون، وتحوّلت الأسماء إلى ميراث يتوارثه الأبناء عن الآباء، كما يتوارثون الأرض والدم. لم يعد أحد يسأل: من صاغ هذه المسميات أول مرة؟ أو لأي غاية صيغت؟ صار الانتماء إليها جزءًا من هوية الفرد، حتى لو لم يعرف قصتها، وحتى لو كانت القصة التي يعرفها قد كُتبت بيد المنتصر وحده.التاريخ كان وما زال نهرًا كبيرًا، لكننا لا نراه إلا من خلال الجداول الصغيرة التي حُفرَت له، كل جدول يظن نفسه النهر كله. والمفارقة أن الذين عاشوا في اللحظة الأولى للخلاف، ربما لم يحملوا في قلوبهم كل هذا الحقد، بل كان بينهم مجال للحوار، أما نحن، فقد ورثنا من الحكاية نهاياتها المأساوية فقط، وحملناها كأنها الوصية الكبرى.في الأسواق والمجالس، في الكتب والمنابر، كانت الرايات تتكاثر، حتى صارت تغطي السماء. لم يعد الناس يرون الشمس إلا بلون الراية التي ينتمون إليها، فإذا تغير لون الشمس في أعينهم، ظنوا أن النهار قد انقلب ليلًا.وحين جلستُ يومًا أمام مخطوط قديم في مكتبة معتمة، قرأت في هامش إحدى الصفحات عبارةً كُتبت بخط مهتز: "احذروا الأسماء حين تكبر، فإنها تبتلع أصحابها". عندها فهمت أن المشكلة ليست في البشر الذين اختلفوا، بل في الكلمات التي كبُرت حتى صارت جدرانًا تحبسهم.إن الأسماء، مهما بدت مقدسة، هي في حقيقتها أبواب مغلقة. تمنح ساكنيها شعورًا بالأمان، لكنها تحرمهم من رؤية ما وراءها. ومن أشد مظاهر الوهم أن يختزل الإنسان نفسه في كلمة، أو أن يترك كلمة تختزل تاريخه كله.لقد تعبت الأرض من صراع الظلال. فالظل، مهما امتد، لا يغيّر موقع الشمس. لكن البشر يظنون أنهم إذا غلبوا ظلًا آخر، فقد انتصروا في المعركة. والحقيقة أنهم لم يفعلوا سوى تغيير شكل السجن الذي يسكنونه.ربما لو نزعنا الرايات عن السيوف، وأعدنا الأسماء إلى بساطتها الأولى، لوجدنا أن الخلاف كان أصغر بكثير مما صوّرته لنا القرون، وأن الإنسان في جوهره كان يبحث فقط عن العدل. لكن العدل كان، وما زال، أكبر من أي راية، وأوسع من أي لقب.وحتى ذلك اليوم الذي ندرك فيه هذه الحقيقة، سيبقى التاريخ يكتب الفصول نفسها بأسماء جديدة، وسيبقى الظل يقاتل الظل على جدار التاريخ، فيما الشمس تمضي في طريقها، لا تلتفت إلى معارك من يعيشون في الظلال.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -لم يكن الوطن بيتًا مشتركًا، بل مائدة حصرية، جلس عليها من ظن ...
- -على هامش الحضيض... حين يتقوّأ السفهُ على القامات-
- كنت أحبها... وما زلت
- بغداد... حين كانت العرش والسيف والمحراب والقصيدة ...
- عبد السادة البصري... شاعرٌ نَزَفَ الجنوبُ بين حروفه .حين تصب ...
- -الدم الذي يقطر من سبحات الزيف-
- -القصة القصيرة جدًّا... أو كيف تقتل الأدب بسطرين!-
- حين يغيب العقل عن السرد: هل انتهت الفلسفة من الرواية العربية ...
- -جرذان الذهب.. وشيب العراق المنسيّ-
- موطئ القدم الناعم: خطر العمالة الأجنبية حين تستحيل أقليةً مط ...
- العراق والكويت: ملحمة السقوط العربي في حضرة التحالف الغادر
- ياسين غالب.. طائر الحرية الذي حطّ في هلسنكي
- الشرق الأوسط الجديد... حين يتهاوى ظلُّ طهران ويُولد الضوء من ...
- الجرذ الذي أكل 62 ترليوناً ولم يتجشأ
- صرخة في وجه التفاهة الإعلامية: حين يصبح الانحدار خبزًا يوميً ...
- -على موائد الإمبراطوريات: حين تُباع الأرواح بثمن الدولار-
- -دولة الوجهين ونصف عمامة-
- -قوّادو الكلمة وباعة الوهم: حين يصبح الإبداع طعنة في خاصرة ص ...
- -شهرة على مقاس العُري… ومثقفٌ خلف الستار-
- استري نفسكِ… قبل أن يفضحكِ هاتفكِ!


المزيد.....




- عارضات لا وجود لهنّ.. الذكاء الاصطناعي يقتحم عالم الموضة
- أمريكا والصين تتفقان على تمديد الهدنة التجارية لمدة 90 يومًا ...
- الوضع الأمني وإعادة الإعمار في سوريا على طاولة البحث بين دمش ...
- بي بي سي تقصي الحقائق: هل أصبحت الجريمة في واشنطن العاصمة -خ ...
- قصف إسرائيلي يقتل العشرات في غزة بينهم 6 من منتظري المساعدا ...
- قبل قمة ألاسكا.. قادة أوروبا يؤكدون حق أوكرانيا في تقرير مصي ...
- المذكرة التوجيهية لمشروع قانون المالية لعام 2026: تأكيد على ...
- وثائق للبنتاغون: إدارة ترامب تدرس تشكيل قوة رد سريع لمواجهة ...
- اتحاد الشغل بين التصعيد والتردد في مواجهة السلطة بتونس
- نتنياهو يُلزم بالمثول أمام المحكمة 3 مرات أسبوعيا ابتداء من ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين تتقاتل الظلال على جدار التاريخ