أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -على هامش الحضيض... حين يتقوّأ السفهُ على القامات-














المزيد.....

-على هامش الحضيض... حين يتقوّأ السفهُ على القامات-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 19:15
المحور: قضايا ثقافية
    


في الوقت الذي تتباهى فيه الأمم بمثقفيها كما تتباهى بالعَلم المرفرف في سمائها، وتفاخر بفنانيها كما تفاخر بآثارها الضاربة في جذور التاريخ، وتسمو بكتّابها كما تسمو بلغتها، نشهد في عالمنا العربي ـ والعراقي خاصة ـ موجة نقيضة، كأنها نقيعة من مستنقع عفن، صعدت فجأة لتتسيّد المشهد الثقافي لا بجمال الكلمة، ولا بعمق الفكرة، بل بسوء الطوية، وفجاجة اللسان، ووقاحة الحضور. أصبحنا أمام طبقة هجينة، هجينة لا بالنَّسب الفكري، ولا بالمحتد الإبداعي، بل بالذوق، والوعي، والنية. كائنات لفظتها الأوساط الثقافية كما تلفظ المعدة طعاماً فاسداً، لكنها عادت تتقيّأه المنصّات المدفوعة الثمن، ومواقع التواصل التي لا تفرز الغث من السمين.
هؤلاء ليسوا طلاب أدب، ولا عشاق فن، بل متسلقو خواء، يضع أحدهم كتابًا أمامه كما تضع الدمى قنينة عطر فارغة، يتعطرون بعناوين لم يكتبوها، ويعبّرون عن أفكار لم يفهموها، ثم يتبجّحون أمام الشاشات، ويصطنعون هيئات المفكرين بوجوه لم تخرج من رحم التجربة، ولا كابدت في ليل الكتابة سوى أرقِ الجهل وتشنج الغيرة.من أين أتى هؤلاء؟ كيف صار من يتعثر بلغته، ويتأتئ في فكره، ويتلعثم في حضرته اسم السياب أو نازك، يعتلي منابر التحليل، ويقدّم نفسه قامة، وهو لا يقيم وزنًا لا لِحرف ولا لحرفائه؟ بل الأدهى أنه حين يرى علَمًا حقيقياً، أديبًا كرّس حياته للنص، أو فنانًا عاشر اللوعة والمحراب، يخرج كمن فُتح عليه باب من الغلّ والحقد، فيسِبّ، ويشتم، ويطعن لا بالنقد، بل بنعل اللغة التي لم يلبسها يومًا، وبخنجر اللفظ السقيم. لو مدّ أحدهم يده، لما بلغ كعب حذاء من يهاجمه، ولو وقف فوق جبل الغرور، لما بلغ ظلّ من شتمه.نحن أمام طفحٍ لا يمكن تسميته إلا بامتداد للسفه، وأعراضٍ مرضية لسرطان ثقافي مستجد، يتمدد كالعفن في زوايا الهشاشة الفكرية. لا يقرؤون إلّا ليقولوا قرأنا، ولا يكتبون إلّا ليرموا سهم الحسد في قلوب الطاهرين، ولا يصمتون لأن الصمت عندهم انكشاف لفراغ أرواحهم. صاروا يتطاولون على رموز ما كانوا ليبلغوا درجاً من مراقيهم حتى لو عاشوا أعمارهم على أعتاب المكتبات.

هذا الزمن الذي يُؤخذ فيه المجد بالقذف، ويُصنع فيه الاسم على حساب القامات، لا بد أن يُعرّى. لا بد أن يُشار له بالبنان، لا بالسباب، بل بالبيان، لا بالشتيمة بل بالسخرية الأبلغ من كل شتيمة. لا يشرفني أن أسمّيهم، لأنهم لا يستحقون اسماً. أُفضّل أن أدعوهم بما هم عليه: أصداء خواء، وسُخام رغبةٍ شهوانية للظهور، كأنهم أقوام من زمن البغاء، لا يعرفون من التناسل إلا تكرار أنفسهم في نسخة مشوهة، ولا من الحياة إلا استمناء شهرةٍ عاقر.هذه الظاهرة التي راجت على أكتاف بعض المأجورين في القنوات الصفراء، أو بمال فاسد يشتري الوقت والوجه والكرامة، يجب أن تُجابه لا بالردّ، بل بالتجاهل الماكر، بالإبداع الصادق، وبالإعلاء من شأن الحرف لا بتدنيسه. فلنتركهم يصرخون في الزوايا، لنتركهم يتخبطون في طينهم، فالشمس لا تتأثر بنباح الغربان، والقصائد لا تموت برصاص السفهاء.وحده الأدب الحقيقي يبقى، وحده الفن النبيل يصمد، وحدهم الكبار لا يُدافع عنهم، لأنهم جبل، والجبل لا يردّ على ريح.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كنت أحبها... وما زلت
- بغداد... حين كانت العرش والسيف والمحراب والقصيدة ...
- عبد السادة البصري... شاعرٌ نَزَفَ الجنوبُ بين حروفه .حين تصب ...
- -الدم الذي يقطر من سبحات الزيف-
- -القصة القصيرة جدًّا... أو كيف تقتل الأدب بسطرين!-
- حين يغيب العقل عن السرد: هل انتهت الفلسفة من الرواية العربية ...
- -جرذان الذهب.. وشيب العراق المنسيّ-
- موطئ القدم الناعم: خطر العمالة الأجنبية حين تستحيل أقليةً مط ...
- العراق والكويت: ملحمة السقوط العربي في حضرة التحالف الغادر
- ياسين غالب.. طائر الحرية الذي حطّ في هلسنكي
- الشرق الأوسط الجديد... حين يتهاوى ظلُّ طهران ويُولد الضوء من ...
- الجرذ الذي أكل 62 ترليوناً ولم يتجشأ
- صرخة في وجه التفاهة الإعلامية: حين يصبح الانحدار خبزًا يوميً ...
- -على موائد الإمبراطوريات: حين تُباع الأرواح بثمن الدولار-
- -دولة الوجهين ونصف عمامة-
- -قوّادو الكلمة وباعة الوهم: حين يصبح الإبداع طعنة في خاصرة ص ...
- -شهرة على مقاس العُري… ومثقفٌ خلف الستار-
- استري نفسكِ… قبل أن يفضحكِ هاتفكِ!
- فيروز تودّع نغمة قلبها.. حين بكى الصباح في حضن الوطن
- شمشونا... رماد ملكةٍ لم تولد، وسؤالٌ يمشي في شوارع بابل


المزيد.....




- -نعمة ونقمة-.. CNN توثق ردود فعل متباينة لفلسطينيين بعد إسقا ...
- بعد منشور على مواقع التواصل.. البرازيل تستدعي القائم بالأعما ...
- نيودلهي تُجمّد مفاوضات شراء أسلحة أمريكية على خلفية تعريفات ...
- نتنياهو لميرتس: هدف إسرائيل ليس السيطرة على غزة وإنما تحريره ...
- منظمة الصحة: استفحال الجوع والمرض واليأس بالسودان بسبب الحرب ...
- هل يُمكن إيقاف بركان قبيل ثورانه؟
- الحنان ميلر : -السؤال الآن هل ستٌجند إسرائيل احتياطي المدنيي ...
- العالم يسجل درجات حرارة قياسية في شهر يوليو
- نظام غذائي سحري.. كيف تبدو أصغر سنا في السبعين حتى لو بدأت ف ...
- مسؤول حقوقي فلسطيني: وثقنا أدلة تؤكد أن إسرائيل تستخدم التجو ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -على هامش الحضيض... حين يتقوّأ السفهُ على القامات-