أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -لم يكن الوطن بيتًا مشتركًا، بل مائدة حصرية، جلس عليها من ظنّ أنه خُلق ليأكل وحده.-














المزيد.....

-لم يكن الوطن بيتًا مشتركًا، بل مائدة حصرية، جلس عليها من ظنّ أنه خُلق ليأكل وحده.-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 11:32
المحور: قضايا ثقافية
    


في حكايا الشعوب المنكوبة، حيثُ تُغتال الأمنيات عند أول سطرٍ من الدساتير، لا تأتي الكارثة على شكل صاروخ أو زلزال، بل تسير بخُطى الحاكم حين يخلع عباءة الوطنية ليرتدي جُبّة الامتلاك. هناك، على شرفة السلطة، يتحوّل الوطن إلى مائدة، والشعب إلى أصابع تُلتقط بها لقم المغانم، وتُترك في العراء بعد الوليمة.
لم تكن مشكلتنا مع من تسلّقوا إلى كراسي الحكم أنهم من خارج الحلم، بل في أنهم ما إن بلغوه حتى تنكروا لكل ملامحه. الحلم كان بوابة، فتحوّلت في نظرهم إلى "ملكية"، والشعب كان شريكًا فتحوّل إلى "حاشية". فامتدّت أيديهم، لا لِبِناء الخراب، بل لتقاسمه. وبدل أن يكون الحكم تكليفًا، صار عندهم ترفًا موروثًا، لا يُناقَش ولا يُنتقد.لقد توهّموا أن الوطن لا يُدار بالضمير، بل بالاستحواذ. فامتلكوا كل شيء، من خزائن المال العام حتى هواء الميدان، وسارعوا لابتكار فتاوى خفية، لا تُكتب في مدونات الفقه، بل تُدسّ في سراديب الخوف، تُنكر فيها صفة "الملكية العامة"، وتُحصر في من "اختارهم القدر". ومن تجرّأ أن يطعن في هذا "الحق"، وادّعى لنفسه ما لا يُمنح إلا لذوي النعمة السلطانية، سُجن بتهمة الحسد، أو سُفك دمه باسم الأمن القومي.
لقد نُهبت البيوت في لحظة اضطراب، لا لأن النهب مشروع، بل لأن الذريعة كانت حاضرة. فهناك، في لحظة الانهيار، وُلدت العصابات، لا من فراغ، بل من رحمٍ مدعوم بالأختام الرسمية، تمضي لتؤمّن النفوذ لا الأمان، وتُعيد ترتيب الملكية لا العدالة. صار امتلاك الأرض جريمة، إذا لم يمر من بوابة الولاء. وصار كل بيتٍ يُعانق الشمس في تلك الرقعة الجريحة هدفًا لـ"تطهير إداري"، يُرافقه تطهيرٌ وجودي، لا يُبقي أثرًا لسابق ولا يذرُ للاحق.وفي المشهد المُغبر، حين حلّ شبح الإرهاب، تحوّلت المدن إلى فريسة، لا لأن العدو جاء فجأة، بل لأن الظل الذي سهّل له الدخول لم يكن بريئًا. هناك، في المساحات التي طحنتها المدافع، سُرقت حتى ملابس الأطفال، وحُوِّلت الجدران إلى غنائم، لا يملكها سوى من أُعطيَ الضوء الأخضر لـ"التصحيح".تحت هذا السقف المشروخ، لم يبقَ للعدالة أثر. المجرم بات يعلو منبرًا من حرير، يمرّ أمام الضحايا بخُطى منتصرة، يتباهى بعدد القرى التي أُخليت، والمنازل التي صارت مقارًا لولائم السلطة، والأرواح التي أصبحت أرقامًا في أرشيف لا يُنشر. ومن يُطالب بتفسير، يُرمى بتهمة الفتنة، أو يُقاد إلى الظلام، حيث لا سؤال، ولا محامٍ، ولا محكمة.
تراهم يتغنون بالحرية، وهم الذين كمّموا الأفواه بسنن طارئة، وادّعوا الإصلاح، وهم الذين أسّسوا لدولة الخوف. فلا كاتبٌ يكتب دون ارتجاف، ولا شاعرٌ ينشد دون تأويل، ولا مواطنٌ يسأل دون أن يَمسّ بـ"الهيبة". إنهم يمسكون بكل الخيوط، ويُنسجون منها قماشةً واحدة، لا يُلبَسها أحد إلا بعد الخضوع الكامل.هكذا نُصِب العرش، لا على قواعد الشرعية، بل على ركام البيوت، وجماجم الأبرياء، وأشجار الزيتون المحترقة. فليس السؤال: من يحكم؟ بل: كيف يُحكم؟.. ولمن تُوزَّع مفاتيح العيش؟ وما معنى الوطن حين يُنتزع من أصحابه ويُهدى إلى نُخب الطمع؟..إنها ليست حكاية جشعٍ فحسب، بل رواية وطنٍ سُرقت روحه قبل ثروته، وتوزّع في بورصات الولاء والصفقات، حتى صار من العسير أن تجد بيتًا لا يُراقب، أو أرضًا لا يُطمع بها، أو إنسانًا لا يبيت خائفًا من تعليقٍ عابرٍ في صفحةٍ منسيّة.
"حين يجوع العرش، لا يلتهم الخبز... بل يأكل أصوات الناس، ويشرب ظلّهم، حتى لا يبقى من الوطن سوى اسمه على الطوابع."



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -على هامش الحضيض... حين يتقوّأ السفهُ على القامات-
- كنت أحبها... وما زلت
- بغداد... حين كانت العرش والسيف والمحراب والقصيدة ...
- عبد السادة البصري... شاعرٌ نَزَفَ الجنوبُ بين حروفه .حين تصب ...
- -الدم الذي يقطر من سبحات الزيف-
- -القصة القصيرة جدًّا... أو كيف تقتل الأدب بسطرين!-
- حين يغيب العقل عن السرد: هل انتهت الفلسفة من الرواية العربية ...
- -جرذان الذهب.. وشيب العراق المنسيّ-
- موطئ القدم الناعم: خطر العمالة الأجنبية حين تستحيل أقليةً مط ...
- العراق والكويت: ملحمة السقوط العربي في حضرة التحالف الغادر
- ياسين غالب.. طائر الحرية الذي حطّ في هلسنكي
- الشرق الأوسط الجديد... حين يتهاوى ظلُّ طهران ويُولد الضوء من ...
- الجرذ الذي أكل 62 ترليوناً ولم يتجشأ
- صرخة في وجه التفاهة الإعلامية: حين يصبح الانحدار خبزًا يوميً ...
- -على موائد الإمبراطوريات: حين تُباع الأرواح بثمن الدولار-
- -دولة الوجهين ونصف عمامة-
- -قوّادو الكلمة وباعة الوهم: حين يصبح الإبداع طعنة في خاصرة ص ...
- -شهرة على مقاس العُري… ومثقفٌ خلف الستار-
- استري نفسكِ… قبل أن يفضحكِ هاتفكِ!
- فيروز تودّع نغمة قلبها.. حين بكى الصباح في حضن الوطن


المزيد.....




- بعد توقيعهما -اتفاق سلام-، ما هي جذور الصراع بين أرمينيا وأذ ...
- كندا تُعلن خطة إنفاق عسكري ضخمة لمواجهة التهديدات وتحقيق أهد ...
- تعقب العلماء وتفكيك الدفاعات.. كيف نفذ الكوماندوز الإسرائيلي ...
- الخطة الإسرائيلية للسيطرة على غزة
- الحكومة السورية تهاجم مؤتمر الحسكة -الطائفي- وترفض الاجتماع ...
- الحكومة السودانية ترحب ببيان مجلس السلم والأمن الأفريقي
- إسرائيل تسارع في شرعنة 22 مستوطنة وبؤرة استيطانية بالضفة الغ ...
- إعلام إسرائيلي: حماس ستقاتل حتى آخر رصاصة ونتنياهو سيحمّل زا ...
- الإمارات.. فيديو حركة لبوتين مع شخص بوفد محمد بن زايد بمراسم ...
- من يدعم خطة نتنياهو في غزة وماذا تعني للفلسطينيين؟


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -لم يكن الوطن بيتًا مشتركًا، بل مائدة حصرية، جلس عليها من ظنّ أنه خُلق ليأكل وحده.-