أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - بلبل الدراما العراقية: شذى سالم بين الحضور والضمور..














المزيد.....

بلبل الدراما العراقية: شذى سالم بين الحضور والضمور..


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 08:48
المحور: قضايا ثقافية
    


حين نتأمل وجوه الفن العراقي التي عبرت ذاكرة الأجيال، نجد أن بعضها لم يكن مجرد أسماء في شريط الذكريات، بل كان انعكاسًا لعصر كامل، ومرآة لزمن تفتحت فيه بغداد على المسرح والتلفاز والسينما كحديقة غنّاء. ومن بين تلك الوجوه الباسمة المضيئة، يبرز اسم شذى سالم؛ ابنة البيت الفني العريق، والفتاة التي تحولت وهي في العشرين من العمر إلى بلبل غرد على المذياع والشاشة، فشغلت قلوب العراقيين بنبرة صوتها العذب وأدائها الآسر، حتى صارت رمزًا للفن الجميل الذي لا يتكرر.
ولدت شذى سالم في بغداد عام 1958، في بيتٍ يعجّ بالإبداع، بين والدها الفنان الكبير طه سالم وأشقائها الذين حملوا شعلات مختلفة من الفنون. لم تكن طفلة عادية، بل كانت تنهل من نبع المسرح منذ الصغر، حتى صارت جزءًا من عائلة عراقية تُحسب على الفن أكثر مما تُحسب على النسب. ومع خطواتها الأولى في معهد الفنون الجميلة عام 1975، بدأ يتضح أن هذه الفتاة ليست عابرة في الممرات، بل كانت تحمل معها شعلة ستضيء قاعات المسرح وستظل عالقة في قلوب المشاهدين.
أطلّت لأول مرة عبر مسلسل النعمان الأخير، لكن انطلاقتها الحقيقية جاءت مع فتاة في العشرين، ذلك العمل الذي جعل منها أيقونة للحب والرومانسية، ورمزًا للبطولة النسائية التي نادراً ما شهدتها الشاشة العراقية بتلك القوة والجاذبية. ثم امتدّ حضورها إلى السينما حين اختارها المخرج الراحل صاحب حداد لفيلم يوم آخر، قبل أن تخوض واحدة من أهم تجاربها في فيلم القادسية للمخرج الكبير صلاح أبو سيف، حيث وقفت إلى جوار عمالقة الفن العربي؛ عزت العلايلي، سعاد حسني، ليلى طاهر، وغيرهم، لتثبت أن الموهبة العراقية قادرة على أن تتنفس في المهرجانات الكبرى، من موسكو إلى كان.
لم تكن شذى سالم ممثلة عابرة على الخشبة أو الشاشة؛ بل كانت تجربة جمالية مكتملة، ممثلة تجيد الإلقاء واللغة، وتحمل في ملامحها مزيجًا من الرقة والصلابة. كانت رومانسيتها في الأداء لا تنفصل عن قوتها في تجسيد الأدوار المعقدة، وهو ما جعلها تُلقّب بـ فاتن حمامة العراق، لا تشبيهًا بقدر ما هو إقرار بأنها امتلكت تلك القدرة النادرة على أن تكون قريبة من القلب، قادرة على جعل المشاهد يرى نفسه في ملامحها وفي صوتها.
لكن المأساة أن العراق الذي أنجبها، لم يحافظ على أبنائه المبدعين كما ينبغي. فمنذ التسعينيات وما تلاها، بدأ الفن العراقي يتعرض للتهميش والإقصاء، ليس اختيارًا للفنانين، بل إبعادًا قسريًا يقترب من النفي المعنوي. ولعل أكثر ما يحزن اليوم أن أسماءً كبرى من جيل شذى سالم وجيل من عاصرها، غابت عن المشهد وكأنها لم تكن. لم تعد الدراما العراقية تحمل تلك الروح التي تجسدت في مائة عام من المحبة أو في الجنة تفتح أبوابها متأخرة، ولم تعد السينما تحمل طموحات القادسية وصخب البحر، وكأن كل شيء توقف فجأة عند لحظة من لحظات الحرب والخذلان.
شذى سالم لم تتوقف عند التمثيل وحده، بل ارتقت لتكون أستاذة في الأدب المسرحي، تربي أجيالًا جديدة على عشق الخشبة. نالت الماجستير والدكتوراه بدرجة امتياز، وواصلت العطاء كأكاديمية وعضو في مجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي، لتثبت أن الفنان الحقيقي لا يشيخ، بل يزداد حضورًا كلما حاول الغياب أن يطويه.
إن الحديث عن شذى سالم ليس مجرد استذكار لمسيرة فنانة رائدة، بل هو محاولة لملامسة جرحٍ أكبر؛ جرح فنٍ أُبعد عن الحياة اليومية للعراقيين، ففقدت الدراما نكهتها، وفقد المسرح جمهوره، وفقدت الشاشة ذلك البريق الذي جعل فتاة في العشرين رمزًا لا يُنسى. إننا حين نذكرها اليوم، فإننا نذكر زمنًا كاملًا كان فيه الفن جزءًا من وجدان الشعب، لا مجرد وسيلة للترفيه.ولعل أجمل ما يُقال في ختام هذا الحديث، أن شذى سالم، رغم كل ما مرّ، ستظل في الذاكرة الفنية العراقية كالبلبل الذي غنى للحب والجمال، وظل صوته يطرق القلوب حتى وإن ابتعدت الأضواء. إن سيرتها هي سيرة جيل بكامله، جيلٌ عاش الفن بصدق، ثم دُفع بعيدًا قسرًا، لكنه ما زال في الضمير العراقي حيًا لا يموت.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبثُ الكراسي وضياعُ الوطن
- على حافة القيامة: الحرب المؤجلة بين أمريكا وإيران
- المقاهي الشعبية المصرية… أرشيف الأرواح وذاكرة الحكايات
- العراق والمخدِّرات بعد 2003: اقتصاد الظلّ الذي يلتهم المجتمع
- لهيب العِشْق
- لعنة الذيول-
- حين تنكسر الموازين وتتعثر الأرض بخطى السياسة
- أنفاسكِ سَكني
- في قلب الجرح والحب
- -ريما حمزة... عندما تعزف القصيدة وتكتب الموسيقى-
- حين يُحاصَر الفن في وطن المواهب
- بان زياد… حين يختنق الحق بين أضلاع البصرة
- ما بين قلبي وعيناكي
- من المعلقات إلى المكتبات: رحلة خالد اليوسف في سطور الوطن
- غزال الروح
- ماريا تيريزا ليوزو… سيدة الحرف المترف بين زيتون كالابريا وعب ...
- يا غيمةً
- -العراق.. وطنٌ يضيء بالوعود وينطفئ بالابتسامات-
- الذين يريدون أن يفاوضوا ملك الموت
- -لظى الشوق في غيابك-


المزيد.....




- سينيسا كاران المدعوم من الرئيس المقال دوديك يفوز برئاسة صرب ...
- فرنسا تواجه احتمالية الحرب في أوروبا وتصريحات حول الخدمة الع ...
- تفاؤل أميركي بقرب التوصل للسلام في أوكرانيا وأوروبا تتطلع لد ...
- رغم الاجتماع الودي.. ممداني لا يزال يعتبر ترامب -فاشيا-
- -خطوة هامة للأمام-.. البيت الأبيض يعلق على المحادثات مع كييف ...
- البرهان: مسعد بولس قدم -أسوأ ورقة- بشأن السودان.. وأشكر ولي ...
- الجيش السوداني يصد هجوما كبيرا في بابنوسة ويرفض ورقة بولس
- البرهان يهاجم بولس.. ويؤكد: لن نقبل وساطة -الرباعية-
- تبرير غريب من بولسونارو لمحاولة كسر سوار مراقبته الإلكتروني ...
- سوريا.. قبائل حمص تحذر من -الفتن- بعد جريمة مروعة واشتباكات ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - بلبل الدراما العراقية: شذى سالم بين الحضور والضمور..