أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - فضل شاكر.. العائد من غياب الحنين














المزيد.....

فضل شاكر.. العائد من غياب الحنين


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8448 - 2025 / 8 / 28 - 10:10
المحور: قضايا ثقافية
    


في كل أمة ثمة أصوات لا تُشبه سواها، أصوات وُلدت من رحم الطبيعة ومن بساتين الضوء، فإذا غنّت تفتّح الزهر في الروح وانسكب المطر في العيون، وإذا صمتت شعرت الدنيا أن شيئاً ثميناً ينقصها. ومن بين هذه الأصوات التي طبعت الذاكرة العربية بصدى خالد، يطلّ اسم فضل شاكر، هذا الفنان اللبناني الذي عرف كيف يصوغ للحب لغته الخاصة، وكيف يجعل من صوته جسراً بين القلب والسماء. إنه ليس مجرد مطرب يؤدي، بل عاشق حقيقي للفن، صوتٌ إذا صدح تماهى معه الجبل، واستفاق البحر من نومه الطويل، وغنّت العصافير حول بيوت لبنان كأنها تعرف أنّ شيئاً استثنائياً يحدث في هذه اللحظة.لقد غاب فضل شاكر عقداً كاملاً، غياباً لم يكن مجرد فراغ في جدول الأغنية العربية، بل كان فجوة في ذاكرة الطرب ذاته. غاب كمن يرحل عن ساحةٍ امتلأت بضجيج الطارئين، وغاب كمن آثر الصمت على أن يُلوث صوته بما لا يليق به. وفي غيابه شعر الناس أن الإحساس نفسه قد خمد، وأن بريق الأغنية الصافية قد انطفأ. لكن الأقدار لا تترك محبي الجمال يتامى، فعاد شاكر ذات يوم، وعادت معه الطفولة التي اختبأت في قلوب العشاق، وعاد النسيم يراقص أغصان الشوق، وعاد الطرب في هيبته الأولى، ليعلن أنّ الفن الأصيل لا يُهزم وإن طال الغياب.
إن فضل شاكر حين يغني، لا يغني بكلماته فحسب، بل يغني بروحه كلها. صوته يشبه انبثاق نهرٍ من بين الصخور، يشبه العطر حين يتسرّب من قنينة قديمة ليغمر المكان، يشبه حكاية جدٍّ في ليالي القرية، حين يُصغي له الصغار والكبار بوجدان ممتلئ. إنه صوت فلسفي في جوهره، لأنه لا يقدم الطرب كصنعة، بل كحالة وجودية، كنوع من الكشف الباطني للروح، وكأنّ الغناء عنده ليس إلا وسيلة للاتصال بالكينونة الأسمى. كل نغمة عنده تحمل معناها الوجودي، وكل آه تُطلق من حنجرته ليست مجرد انفعال لحظي، بل شهادة على أن القلب يستطيع أن يُعيد صياغة الكون إذا أوتي حنجرة صافية.لقد جاءت عودته عبر أغنية "صحاك الشوق"، أغنية ليست كغيرها من الأغنيات، بل نافذة أُعيد فتحها بعد أن تراكم الغبار على النوافذ. وما أن تسلّل صوت فضل شاكر من خلالها حتى تذكّر الناس معنى الانتظار، وتذكّروا أنّ الأصوات الكبيرة لا تغيب فعلاً، بل تختبئ في ذاكرة العاشقين، حتى يحين موعد انبعاثها من جديد. لقد غنّى الشوق وكأنه يغني حياة بأكملها، وحين يردد الناس الأغنية، لا يرددون لحنها فقط، بل يرددون حكاية غيابٍ طويل وصبرٍ جميل وعودةٍ تمنح العزاء.
فضل شاكر هو ابن صيدا، مدينة البحر والريح، مدينة التاريخ والقصص التي يكتبها الموج على الشاطئ ثم يمحوها ليكتب من جديد. وفي صيدا تعلّم فضل أن يستمع إلى صوت البحر في صمته، وإلى حكاية الريح في تجوالها، فأصبح صوته مرآة لهذه الطبيعة، مزيجاً بين قوة الجبل ورهافة الغيم. من يسمعه يدرك أن لبنان بأكمله يتحدث من خلاله، أن بساتين الليمون والبرتقال وندى الصباح ووجوه الناس البسطاء تتجمع كلها في هذا الصوت لتُطل على المستمع العربي، فتجعل منه صوت لبنان الأول بلا جدال.ولو أنّ القدر أنصفه ومنحه الاستمرار، لكان اليوم المرجع الأعلى للغناء العربي، لأنه حمل خصائص الطرب الأصيل ولباس العاطفة الحديثة في آن واحد. في زمنٍ كثرت فيه الأغنيات المعلبة التي تُستهلك سريعاً، بقي فضل شاكر كالقصيدة الكلاسيكية التي لا يبهت حبرها، بل تزداد بريقاً كلما مرّ عليها الزمن. إنه الصوت الذي يعلّمنا أنّ الفن لا يُقاس بالشهرة المؤقتة، بل بما يتركه في الروح من أثرٍ خالد.إنّ الاستماع إلى فضل شاكر يشبه الطواف في معبدٍ قديم، حيث تتردّد الصلوات بين الأعمدة، وحيث تشعر أنّ كل كلمة مغنّاة هي صلاة أخرى، وأن كل لحن هو تسبيحة للحب. وفي زمنٍ تغلب فيه الماديات، يبقى فضل شاكر شاهداً على أنّ الفن الروحي لم يمت، وأن الإنسان لا يزال قادراً على أن يجد في الغناء معنى للسمو، لا مجرد تسلية عابرة.
فضل شاكر ليس فقط مطرباً، بل هو في جوهره شاعرٌ للحب بصوتٍ موسيقي، يكتب أشعار القلب بلغة النغم، ويترجم أشواق العاشقين إلى أغانٍ. إنه يشبه لبنان ذاته: بلدٌ صغير في مساحته، عظيم في عطائه، متعب من حروبه لكنه لا يكف عن الغناء.وهكذا، حين نكتب عن فضل شاكر، فإننا لا نكتب عن مطرب عاد بعد غياب، بل عن أسطورة حقيقية في زمنٍ يفتقد الأساطير. نكتب عن رجلٍ اختار الصدق فصار صوته صادقاً، وعن فنانٍ لو قدّر له البقاء والمواصلة لكان الأول بلا منازع. ومع ذلك، يكفي أنه عاد، وأنه لا يزال يملك هذا الصوت الذي يغسل أذن العرب من الغبار، ويعيد إلينا معنى الطرب كما ينبغي أن يكون: طرباً للروح، وعيداً للوجدان، وعشبةً خضراء تنبت في صحراء أيامنا الجافة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صباحُكِ ريما
- -ريما.. سفر العاشقين-
- المدن الغارقة: عندما تختفي حضاراتنا تحت الماء
- الأصوات الضائعة: المرأة في الظل الأدبي العربي القديم
- الغزو بالصناديق أم بالصوارم؟ حينما يتحول الإعلامي إلى -طبّال ...
- بلبل الدراما العراقية: شذى سالم بين الحضور والضمور..
- عبثُ الكراسي وضياعُ الوطن
- على حافة القيامة: الحرب المؤجلة بين أمريكا وإيران
- المقاهي الشعبية المصرية… أرشيف الأرواح وذاكرة الحكايات
- العراق والمخدِّرات بعد 2003: اقتصاد الظلّ الذي يلتهم المجتمع
- لهيب العِشْق
- لعنة الذيول-
- حين تنكسر الموازين وتتعثر الأرض بخطى السياسة
- أنفاسكِ سَكني
- في قلب الجرح والحب
- -ريما حمزة... عندما تعزف القصيدة وتكتب الموسيقى-
- حين يُحاصَر الفن في وطن المواهب
- بان زياد… حين يختنق الحق بين أضلاع البصرة
- ما بين قلبي وعيناكي
- من المعلقات إلى المكتبات: رحلة خالد اليوسف في سطور الوطن


المزيد.....




- كيت بلانشيت تعيد ارتداء الفستان الأسود ذاته بعد 3 سنوات في ا ...
- عمليات برية مكثّفة وقصف متصاعد.. هل بدأ الهجوم الفعلي على مد ...
- حرب الصواريخ والمسيّرات.. لماذا تعجز إسرائيل عن كبح الحوثيين ...
- بعد انتحار مراهق أمريكي.. -شات جي بيتي- في قفص الاتهام
- تلويح أوروبي بعقوبات وطهران تستعد -لأسوأ السيناريوهات-
- الناشط الكيني بونيفاس موانغي يخوض تحدي انتخابات الرئاسة
- كلوني وستون نجما افتتاح مهرجان فينيسيا.. و-صوت هند رجب- من غ ...
- الكوليرا تفتك باليمنيين وسط ضعف الخدمات الصحية
- قصف روسي مكثف استهدف مناطق سكنية في العاصمة كييف
- الليكود الإسرائيلي يواجه تحولات كبرى ومستقبلا غامضا بسبب نتن ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - فضل شاكر.. العائد من غياب الحنين