أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الأمة بين سيف الغزاة وخيانة الأقرب -














المزيد.....

الأمة بين سيف الغزاة وخيانة الأقرب -


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8448 - 2025 / 8 / 28 - 12:43
المحور: قضايا ثقافية
    


لم تكن هذه الأمة ضحية الغزاة وحدهم، فالغزو ـ مهما اشتدّ ـ لا يهزم الأمم الحيّة ما لم يُفتح له الباب من الداخل. غير أن مأساة هذه الأمة الكبرى، والتي تكررت كأنها قدر لا فكاك منه، أن الخيانة كانت رفيق الغزو في كل محطاته. كل مدينة سقطت، وكل حضارة تحطمت، وكل دم سال، كان وراءه خائن يرشد الغريب إلى قلب الدار.حين اجتاح المغول بغداد سنة 1258م، لم تسقط عاصمة الخلافة وحدها، بل سقطت حضارة كاملة كانت تضيء الدنيا بالعلم والفكر والعدل. لم يدخل هولاكو على المدينة بقوة السيف فقط، بل كان هناك من دلّه على مواطن الضعف، ومن فتح له الطريق إلى النهر والبوابات، لتتحول "مدينة السلام" إلى مدينة من رماد، وتغدو دجلة نهرًا من دم وحبر مختلطين.
وفي الأندلس، حين أحاطت جيوش القشتاليين بغرناطة عام 1492م، لم تكن نهاية الفردوس المفقود حتمية، لكن الخيانة والصفقات السرية مع العدو جعلت قصر الحمراء يرفع رايته البيضاء. أمةٌ حكمت الأندلس ثمانية قرون، قدّمت للعالم فلسفة ابن رشد وشعر ابن زيدون وعلوم الزهراوي، انتهت بخيانة باع فيها بعض قادتها المجد مقابل نجاة مؤقتة. فخسرت الأمة أرضها وحضارتها، ولم تربح حتى أعمارها، إذ لحقت محاكم التفتيش بأبنائها لتطاردهم في دينهم ولغتهم ودمائهم.وما جرى في دمشق على يد تيمورلنك في بدايات القرن الخامس عشر لم يكن بعيدًا عن هذا المشهد، فقد كان الطريق إلى قلب الشام معبّدًا بخيانة بعض من ظنوا أن في استرضاء الغازي نجاةً لهم، فجعلوا المدينة العريقة مرتعًا للنار والدمار. وهكذا دُفع الشام إلى حريقٍ لم ينسه التاريخ.وفي طرابلس الغرب وبنغازي، كان الإيطاليون يدخلون الأرض على جثث المقاومين، لكن خيانة بعض الزعامات سهّلت لهم أن يجعلوا من نصف الشعب الليبي ضحيةً للإبادة. وفي الجزائر، التي قاومت قرنًا وثلث القرن، لم يكن لفرنسا أن تستمر في مذابحها لولا شبكة من الخونة الذين أعانوا جلادها، بينما كانت المقابر الجماعية تبتلع مليونين من الشهداء.ولا يمكن أن ننسى خيانة بعض الحكام في القرن العشرين حين فُتح الباب أمام تقسيم فلسطين عام 1948م، لتتشكل مأساة نكبة أمة كاملة. ولم تكن فلسطين لتُغتصب أرضًا وأرضية لولا خيانات داخلية سهلت للغريب أن يغرس خنجره في خاصرة المشرق. ومن بعدها جاءت النكسة عام 1967م لتثبت أن الخيانة العسكرية والسياسية أخطر من قوة السلاح.وفي عصرنا الراهن، ما جرى في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، لم يكن إلا نسخة جديدة من هذا السيناريو، إذ لم يدخل الغازي إلا على أكتاف من باعوا الوطن، فحُلت الكارثة بأرض الرافدين التي كانت يومًا مهد الحضارات. وكذلك ما جرى في سوريا واليمن وأفغانستان وميانمار، كلها مشاهد حديثة لإعادة إنتاج مأساة قديمة: خيانة الداخل تفتح الأبواب، والغريب لا يصدق حظه.إنها سردية تتكرر: الغزاة يأتون بالسيوف، والخونة يأتون بالمفاتيح. الغزاة يملكون الجيوش، والخونة يملكون الضمائر الميتة. وبين السيف والمفتاح تسقط الأمة، وتتحول إلى كتاب دم، تسطّر فيه أسماء شهدائها بلا توقف.ومع ذلك، فإن هذه الأمة التي أُغرقت في الدماء لم تستسلم للفناء. فبغداد عادت من رمادها لتصبح من جديد قلبًا نابضًا بالعلم، ودمشق لم تخمد شعلة حضارتها رغم حرائق الغزاة، وغرناطة ما زالت تُذكر في الشعر والتاريخ كرمز خالد، والجزائر تحررت بدماء أبنائها رغم قرن وثلث من الاحتلال، وليبيا لم تُطفأ جذوة مقاومتها، وفلسطين ما زالت شاهدة على أن الخيانة قد تفتح الباب، لكنها لا تقرر المصير.
إنها أمة لا تموت، لأنها تعلّمت من تاريخها أن الخيانة عابرة، وأن الدماء حين تسيل تتحول إلى أنهار تعيد الروح إلى التراب. وحينما ننظر اليوم إلى وجهها المليء بالكدمات، ندرك أنها رغم كل المذابح والخيانات، ما زالت الأمة الحية، أمة الشهداء، الأمة التي تحرس الذاكرة الإنسانية، وتعلّم الآخرين أن الصبر على الألم هو شكل آخر من أشكال البطولة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضل شاكر.. العائد من غياب الحنين
- صباحُكِ ريما
- -ريما.. سفر العاشقين-
- المدن الغارقة: عندما تختفي حضاراتنا تحت الماء
- الأصوات الضائعة: المرأة في الظل الأدبي العربي القديم
- الغزو بالصناديق أم بالصوارم؟ حينما يتحول الإعلامي إلى -طبّال ...
- بلبل الدراما العراقية: شذى سالم بين الحضور والضمور..
- عبثُ الكراسي وضياعُ الوطن
- على حافة القيامة: الحرب المؤجلة بين أمريكا وإيران
- المقاهي الشعبية المصرية… أرشيف الأرواح وذاكرة الحكايات
- العراق والمخدِّرات بعد 2003: اقتصاد الظلّ الذي يلتهم المجتمع
- لهيب العِشْق
- لعنة الذيول-
- حين تنكسر الموازين وتتعثر الأرض بخطى السياسة
- أنفاسكِ سَكني
- في قلب الجرح والحب
- -ريما حمزة... عندما تعزف القصيدة وتكتب الموسيقى-
- حين يُحاصَر الفن في وطن المواهب
- بان زياد… حين يختنق الحق بين أضلاع البصرة
- ما بين قلبي وعيناكي


المزيد.....




- مصر: تحقيق مع جراح أجرى عملية تكميم لطفلة عمرها 9 سنوات.. ون ...
- طبيب فلسطيني يروي لـCNN تجربته في العمل مع الصحفية مريم أبو ...
- باريس ولندن وبرلين تفعل آلية إعادة فرض العقوبات على إيران
- لأول مرة منذ أحداث تموز.. قافلة مساعدات إغاثية تصل إلى السوي ...
- تشديد قيود الهجرة.. إدارة ترامب تتحرّك لإعادة رسم قواعد إقام ...
- اجتماع ترامب مع كوشنر وبلير يُثير الجدل.. هل يُمهّد الطريق ل ...
- قتلى وجرحى في غارات روسية بالصواريخ و المسيّرات على كييف ورج ...
- النووي الإيراني: فرنسا وألمانيا وبريطانيا تفعل آلية إعادة فر ...
- إنزال جوي إسرائيلي قرب العاصمة السورية وحديث عن توقيع اتفاق ...
- لو كوربوزييه.. رائد العمارة الحديثة المثير للإعجاب والجدل


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الأمة بين سيف الغزاة وخيانة الأقرب -