أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - أول من نطق العربية: بين الأسطورة والتاريخ














المزيد.....

أول من نطق العربية: بين الأسطورة والتاريخ


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 00:26
المحور: قضايا ثقافية
    


من هو أول من نطق اللغة العربية؟ سؤالٌ لا يزال معلقًا بين الأسطورة والتاريخ، بين ما أورده الرواة وما كشفته النقوش وما حاول العلماء تفسيره، وكأن العربية سرٌّ متوارث لا يريد أن يبوح بكل خفاياه. يقال إن آدم عليه السلام تحدث بالعربية أولًا، ثم تبدلت لغته إلى السريانية بعد نزوله إلى الأرض، وقيل إن إسماعيل بن إبراهيم كان أول من نطق بها نطقًا مبينًا حين نشأ في كنف قبيلة جرهم العربية فتشرّب لسانها وأصبح بليغًا فيها، ومنه انحدرت الفصاحة إلى ذريته وقبائل العرب من بعده، بينما يرى آخرون أن العربية لم تكن إلا امتدادًا لسلسلة طويلة من اللغات السامية التي وُلدت في الجزيرة العربية وانتشرت عبر الهجرات نحو الشمال والجنوب، وأنها ليست وليدة شخص واحد بل حصيلة قرون من التحول الصوتي والتبديل اللهجي.لكن الروايات لا تقف عند هذا الحد، فهناك من يعيدها إلى اليمن، إلى مملكة سبأ ومعين وحضرموت، حيث النقوش المسندية التي تحمل ملامحها الأولى، فيما يجعلها آخرون منبثقة من بادية الشام وما جاورها حيث النقوش الصفائية والنبطية التي تظهر مزيجًا من لهجات بدائية تقترب من العربية الفصحى. وهكذا تتنازعها الجهات، الجنوب والشمال، الشرق والغرب، لتبقى الحقيقة موزعة بين النقش والذاكرة، بين التاريخ والدين.أما الكتابة، فإن العرب الأوائل لم يعرفوا إلا خطوطًا خالية من النقط، حروفًا متشابهة لا يفرق بينها إلا السياق، حتى جاء أبو الأسود الدؤلي في صدر الإسلام فوضع أساس الإعراب والتنقيط للحركات كي لا يلتبس القرآن على قارئيه، ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي ليكمل البناء بوضع الشكل الصوتي وتحديد مخارج الحروف، فيما نسب وضع النقط على الحروف إلى تلامذة أبي الأسود ومن تبعهم، فصار للباء نقطة وللتاء نقطتان وللثاء ثلاث، وتميّزت الجيم عن الحاء والخاء، والرّاء عن الزاي، حتى استقرت حروف العربية على ثمانية وعشرين حرفًا، نظامًا متكاملًا بعد أن كانت خطوطًا مبهمة على جدران المعابد والصخور.
المؤرخون واللغويون لا يتفقون على تاريخ محدد لبداية العربية، فبعضهم يعدها أقدم اللغات قاطبة وأنها لسان آدم، وبعضهم يراها بنتًا متأخرة في أسرة اللغات السامية، ظهرت بعد الأكدية والكنعانية والآرامية لتأخذ مكانها على مسرح الحضارات، والاختلاف في أصل العرب أنفسهم يعمق هذا الجدل، فمنهم من يربطهم بالجزيرة العربية أصلًا ومولدًا، ومنهم من يجعلهم قادمين إليها من مواطن أقدم. ولعل في هذا الاضطراب سرًّا من أسرار اللغة التي استطاعت أن تعيش كل هذه القرون، إذ وُلدت من صراع الحكايات ومن تنوع الرواة، ثم استوت في نهاية المطاف على لسان الأمة التي حملت القرآن ونشرته للعالم.
إن العربية ليست مجرد حروف تُقرأ ولا ألفاظ تُسمع، إنها تاريخ حي، معلق بين الرواية واليقين، يشبه جذور نخلةٍ تمتد عميقًا في الأرض بينما تتشعب أغصانها في السماء، لا يعرف الناس أين بدأ الغرس الأول، لكنهم يجتمعون على ثمرتها ويشهدون دوام عطائها. ولعل سر بقائها أنها لم ترتبط بشخص واحد أو لحظة واحدة، بل جاءت من تراكم الأسلاف، من لهجات القبائل، من أصوات الأطفال الأوائل حين نادوا أمهاتهم، ومن الشعراء حين أنشدوا، ومن المصلين حين تلاوا القرآن، حتى صارت لسانًا خالدًا يثير السؤال نفسه جيلاً بعد جيل: من أول من نطق بالعربية؟ سؤال لا يُجاب عنه بيقين، لكنه يكشف لنا أن العربية نفسها هي الجواب.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تُصبح السيولة سراباً.. المتقاعد بين جدار الجوع وجدار الس ...
- على رصيف الانتظار
- على سُلَّم العشق
- أنا لا أرى غيرَك
- عندما تبتلع الرمالُ أقدام الممالك
- وعد الحُلم
- الهويدر.. أغنية القدّاح على ضفاف ديالى
- -قلب الأنقاض الذي يتنفس-
- فقاعات الزمن: المدينة التي تسبح في الخيال
- كنفاس الشوق في منفى الروح
- نشيد الشوق
- الأمة بين سيف الغزاة وخيانة الأقرب -
- فضل شاكر.. العائد من غياب الحنين
- صباحُكِ ريما
- -ريما.. سفر العاشقين-
- المدن الغارقة: عندما تختفي حضاراتنا تحت الماء
- الأصوات الضائعة: المرأة في الظل الأدبي العربي القديم
- الغزو بالصناديق أم بالصوارم؟ حينما يتحول الإعلامي إلى -طبّال ...
- بلبل الدراما العراقية: شذى سالم بين الحضور والضمور..
- عبثُ الكراسي وضياعُ الوطن


المزيد.....




- محلل عسكري لـCNN: رئيس الصين -يتلاعب- ببوتين.. وهذه نصيحتي ل ...
- ميكروفون مفتوح يكشف محادثة سرية بين بوتين والرئيس الصيني
- أدلة متزايدة.. تداعيات -الكيماوي- الكارثية في السودان
- خلال أيام.. ترامب يعتزم إجراء محادثات بشأن أوكرانيا
- المغرب - تونس: أزمة دبلوماسية صامتة بعد سلسلة من الحوادث وال ...
- القضاء الأميركي يحكم بعدم قانونية إلغاء ترامب منح جامعة هارف ...
- ماذا تعرف عن القاتل الأعمى الإسرائيلي الموجه لإبادة غزة؟
- نتنياهو: وصلنا إلى مرحلة الحسم في غزة
- ترمب يتعهد وضع حد للجريمة في شيكاغو ويصفها بـ-أخطر مدينة-
- لجنة نيابية أميركية تنشر دفعة أولى من -وثائق إبستين-


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - أول من نطق العربية: بين الأسطورة والتاريخ