أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - ريما حمزة.. أنثى الوتر ومرآة البازلت














المزيد.....

ريما حمزة.. أنثى الوتر ومرآة البازلت


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 10:24
المحور: قضايا ثقافية
    


في حضن الجنوب السوري، حيث تمتد الأرض على هيئة قصيدة طويلة من الحمم الخامدة، وتتعانق الصخور السوداء مع الثلوج البيضاء في مشهد لا يكتبه إلا الخالق، تولد السويداء كمدينةٍ تختصر معنى المتحف المفتوح؛ مدينة تنبض بتاريخها العريق وتفيض بجمالها الطبيعي، فتغدو مرآةً للزمن وكتابًا من حجر. هناك، بين كروم العنب والتفاح والزيتون، وبين الوديان المترامية والجبال التي تستقبل الثلج شتاءً والنسيم العليل صيفًا، خرجت إلى الدنيا شاعرة وأديبة استثنائية، تحمل في روحها ما يشبه هذه الجغرافيا المتفردة: ريما حمزة، ابنة السويداء، وابنة الشعر والموسيقى معًا.ريما ليست مجرد اسمٍ في سجل الأدب السوري أو العربي، بل هي ظاهرة إبداعية تتقاطع فيها حداثة القصيدة مع رهافة النغمة، لتصنع عالماً منسوجًا بخيوط الإحساس العميق. لقد نشأت في مدينة تحمل ذاكرة آلاف السنين، من النبطيين والرومان إلى العرب الذين تركوا فيها أثرهم الثقافي والحضاري، وكأنها ورثت عن هذه الحضارات القدرة على مزج التناقضات وتحويلها إلى جمال متكامل. فكما استخدم أهل السويداء حجر البازلت الأسود ليبني بيوتًا ومعابدَ متينة تنبض بالقوة، تستخدم ريما مفرداتها كأحجارٍ لغوية صلبة، لكنها مشبعة بالدفء، قادرة على تشييد نصوص تقاوم العابر وتبقى شاهدة على زمنها.
وحين نقرأ نصوصها أو نصغي إلى موسيقاها، نكتشف أنها لا تكتب ولا تعزف من فراغ، بل من خزان وجداني وفلسفي متراكم، ومن روح متصلة بجذورها كما تتصل الأشجار العتيقة بجذوعها الممتدة في عمق الأرض. قصيدتها ليست زخرفة لفظية، بل سؤال وجودي مفتوح، كما لو أنها تواصل حوارًا مع الزمن والإنسان والمكان في آن واحد. لقد قال عنها النقاد إنها واحدة من أبرز الأصوات النسائية التي نجحت في أن تكون صادقة مع ذاتها أولًا، ومع القارئ ثانيًا، ومع الحداثة ثالثًا، فجاء نصها عابرًا للحدود، ممتدًا بين الرهافة والصلابة، بين العاطفة والفكر.
وإذا كانت السويداء قد عُرفت بكرم أهلها ودفء تقاليدها وزيّها الشعبي الأنيق، فإن ريما حمزة تمثل الوجه الثقافي لهذا الكرم. فهي تمنح القارئ في كل نص أكثر مما ينتظر، تفتح له أبواب اللغة على مصاريعها، وتغريه بأن يغوص في أعماق النصوص لا ليقرأها فحسب، بل ليعيشها. أدبها يفيض بالحساسية والصدق، وموسيقاها تصوغ الجرح والفرح في آنٍ واحد، لتؤكد أن الفن ليس ترفًا، بل فعل حياة، وإصرار على مواجهة القسوة بالعذوبة، والجفاف بالماء الجاري، والصمت بالأغنية.إنها "عازفة الوتر"، لكن وترها لا ينحصر في آلة موسيقية، بل يمتد إلى الكلمة نفسها، إلى الحرف الذي يتوهج مثل لحنٍ داخلي. قصائدها تتأرجح بين الرومانسية المرهفة والتأمل الفلسفي، وكأنها تُعيد إلينا معنى الشعر بوصفه فنًّا إنسانيًا يتجاوز حدود اللحظة. وإذا كانت جبال السويداء تحرس المدينة بصلابة البازلت، فإن نصوص ريما تحرس الروح بصلابة المعنى.ولأنها جزء من حداثة الشعر العربي، فإن حضورها لا يقتصر على كونها ابنة مدينة، بل هي ابنة زمن عربي يتوق إلى من يكتب بصدق، ويجدد دون أن يقطع، ويغامر دون أن يتخلى عن جذوره. إنها تعرف أن الشعر العربي يحتاج دائمًا إلى من يعيد له لونه الأصلي، وإلى من يذكّره أن اللغة قادرة على أن تكون مرآة للروح، لا مجرد وعاء للكلمات. وهنا تكمن قيمتها؛ فهي تُعيد إلينا الشعر كأنه بداية جديدة، وكأننا نقرأه للمرة الأولى.لقد كتب النقاد عن ريما حمزة بإعجاب، وعدّوها ثورة من الإحساس، ليس لأنها تجيد استخدام القلم أو العزف، بل لأنها تعرف كيف تنسج من التجربة الفردية نصًا إنسانيًا عامًا. إنها لا تخاف من الحلم، ولا من مواجهة الأسئلة الكبرى التي يهرب منها كثير من الأدباء. وفي هذا تكمن شجاعتها الإبداعية: أن تكتب ما يليق بروحها، لا ما يرضي أذواق الآخرين.
إن الحديث عن ريما حمزة هو حديث عن مدينة كاملة، عن سويداء لا تزال تقف كقصيدة من حجرٍ وماءٍ ونار. وإذا كان التاريخ قد نقش أسماء الملوك والإمبراطوريات على جدران شهبا وقنوات، فإن حاضر الأدب السوري والعربي ينقش اسم ريما على جدار الشعر الحديث، لتغدو هي الأخرى أثرًا، لا يقل أهمية عن أي معلم تاريخي. فهي تُثبت أن الإنسان يمكن أن يكون هو الآخر "متحفًا مفتوحًا"؛ متحفًا من الإحساس والذاكرة والإبداع.وهكذا، فإن ريما حمزة ليست ابنة جبل العرب فقط، بل هي ابنة القصيدة العربية التي لا تزال تبحث عن ذاتها بين التراث والحداثة. هي وتر ممتد على طول اللغة العربية، من أقدم أوزانها إلى أحدث أشكالها، ومن أعماق صخور البازلت إلى أبعد فضاءات الروح. صوتها يليق بهذه الأرض، ويليق أكثر بالزمن العربي الذي يحتاج إلى مثل هذه الأصوات لتعيد إليه بعضًا من موسيقاه الضائعة.
فلتبقَ ريما حمزة، بشعرها وموسيقاها، شاهدًا على أن الجمال لا يموت، وأن الأدب حين يتكئ على الجبل، يظل صامدًا، وحين يشرب من نبع الروح، يظل متجددًا. إنها مرآة البازلت وأنثى الوتر، وقدرها أن تكون صوتًا لا ينسى في سفر الحداثة العربية.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حامد الضبياني: شاعر وفيلسوف الكلمة العربية المعاصرة بقلم فرح ...
- أوتار بابل ونايات الرافدين: الموسيقى في الحضارة العراقية وأص ...
- ميلاد النور
- الضبياني… مراثي الطاعة وأغاني الحرية
- اتركوا بهرز لأهلها
- أول من نطق العربية: بين الأسطورة والتاريخ
- حين تُصبح السيولة سراباً.. المتقاعد بين جدار الجوع وجدار الس ...
- على رصيف الانتظار
- على سُلَّم العشق
- أنا لا أرى غيرَك
- عندما تبتلع الرمالُ أقدام الممالك
- وعد الحُلم
- الهويدر.. أغنية القدّاح على ضفاف ديالى
- -قلب الأنقاض الذي يتنفس-
- فقاعات الزمن: المدينة التي تسبح في الخيال
- كنفاس الشوق في منفى الروح
- نشيد الشوق
- الأمة بين سيف الغزاة وخيانة الأقرب -
- فضل شاكر.. العائد من غياب الحنين
- صباحُكِ ريما


المزيد.....




- الموصل تنهض من جديد.. شاهد كيف أُعيد بناء معالمها بعدما دمره ...
- غموض حول الحالة الصحية للفنّانة الكويتية حياة الفهد
- جدل حول إعلان إلغاء صفقة الغاز الإسرائيلي مع مصر.. وخبراء: ا ...
- لماذا يُعتبر اكتمال القمر مهماً بالنسبة لنا، ولماذا يكون لون ...
- وسط احتجاجات على الحملة الفدرالية في شيكاغو.. حاكم إلينوي يه ...
- لتلبية الاحتياجات الملحة.. السعودية تطلق سلسلة من المشاريع ا ...
- -روسيا تغرق في منطق الحرب والترهيب-.. ماكرون يندد بالهجوم ال ...
- بريطانيا: توقيف نحو 900 شخص خلال مظاهرة داعمة لمجموعة -التحر ...
- -آيفون 17-.. تسريبات التصميم والألوان والمزايا
- مستوطنون يهاجمون منازل بسنجل والاحتلال يقتحم مخيمات بالضفة


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - ريما حمزة.. أنثى الوتر ومرآة البازلت