أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الضبياني… مراثي الطاعة وأغاني الحرية














المزيد.....

الضبياني… مراثي الطاعة وأغاني الحرية


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 08:42
المحور: قضايا ثقافية
    


في بلادٍ تتناسل فيها العتمة كما تتناسل الأشجار اليابسة في أرضٍ عطشى، كان الناس يعتادون الخضوع كما يعتادون التنفّس. ليس لأنهم وُلدوا عبيداً، بل لأنهم تعلموا منذ زمن بعيد أن الطاعة أقلّ كلفةً من التمرّد، وأن رفع الرأس قد يعني قطع الرقبة. هناك، كانت السلطة تُشبه سراباً، يركض وراءه العطاشى وهم يعلمون أنهم لن يبلغوه، ومع ذلك يمضون لأن اليأس أشدّ وطأة من الوهم.لم يكن حامد الضبياني بطلاً خارقاً، بل كان مرآةً تمشي على قدمين، تعكس ما يُخفيه الناس من وجعٍ وصمتٍ وخوفٍ لا يُقال. وُلد بين جدرانٍ تعلمت أن تبتلع الصراخ، وفي مدينةٍ تُشيَّع فيها الأحلام كما يُشيَّع الموتى: بموسيقى حزينة، وبأيدٍ مُثقلة بالعجز. منذ طفولته، رأى كيف يبتسم الحاكم على الشاشات فيما الجنود يطرقون الأبواب ليلاً، كيف تتكدس الشعارات في الساحات فيما البطون خاوية، وكيف تُشيد التماثيل للزعماء بينما المدارس تنهار والجسور تتفتت.كان حامد يسير في الشوارع محمّلاً بأسئلة لا جواب لها: لماذا صار الصمت ديناً؟ لماذا يتقن الناس فنّ التصفيق أكثر مما يتقنون فنّ العيش؟ لماذا يُقدَّس الكذب حين يُقال بلسان السلطة، ويُجرَّم الصدق حين ينطق به مواطن بسيط؟ كان يشعر أنّ السياسة ليست سوى مسرحٍ كبير، وأن الجمهور أُجبر على لعب دورٍ واحدٍ: المطيع الذي يصفق في النهاية حتى لو أُحرق المسرح فوق رأسه.في المقاهي، كان يجلس بين الرجال الذين استهلكتهم الهزائم، يسمعهم يروون قصصاً عن أزمنةٍ مضت، عن قادةٍ راحلين كانوا أشدّ قسوة من اللاحقين، وعن أحلامٍ لم تتحقق. كانوا يسخرون من ماضيهم كما لو أن السخرية تعوّض الهزيمة، لكنهم في أعماقهم كانوا يعرفون أن السخرية لا تغيّر شيئاً، بل تزيّن القيد وتجعله مقبولاً. وفي الأسواق، كان يرى النساء يساومن على لقمة الخبز، فيما السياسيون يساومون على مصير البلاد. كل شيءٍ صار سلعة، حتى الكرامة.
ومع ذلك، لم يفقد حامد إيمانه بأن ثمة خيطاً من النور يختبئ في كل عتمة. كان يقول في سرّه: "الطغيان يولد من رحم الطاعة، ولو تجرأ واحدٌ فقط على كسر السلسلة، لانفرط العقد كلّه." لكنه كان يعرف أن من يجرؤ على ذلك يُلقى في العتمة، وأن الحقيقة، مهما كانت ناصعة، قد تتحول إلى لعنة. لهذا كتب. لم يرفع سلاحاً، ولم يصرخ في الشوارع، بل حمل قلمه كمن يحمل مصباحاً في نفقٍ طويل. كتب عن الخوف الذي يسكن العيون، عن الصمت الذي يثقل الصدور، عن الأطفال الذين يولدون وفي أعناقهم قيودٌ غير مرئية.كان يؤمن أن الكتابة مقاومة صامتة، وأن الكلمة إذا صارت صرخةً مكتوبة قد تتسلل يوماً إلى قلوبٍ لم يلوثها الخوف بعد. كتب عن وطنٍ يشبه بيتاً متهالكاً، كلما رمموه من جدارٍ انهار جدارٌ آخر، حتى غدا السقف يوشك أن يسقط فوق الجميع. وكتب عن سلطةٍ تقتات على الدماء كما يقتات المفترس على فرائسه، لكنها، مهما عظمت، تظلّ ترتجف أمام كلمةٍ صادقة.
أدرك حامد أن السياسة ليست سوى مرآةٍ لداخل الناس، فإذا ارتضوا الهوان، انعكس الهوان في الحاكم، وإذا ارتضوا الخوف، صار الطاغية أقوى. عندها قال لنفسه: "الخلاص لا يبدأ من القصور ولا من المجالس، بل من الداخل، من عقلٍ يرفض أن يُقاد، ومن قلبٍ يرفض أن يُباع." ومن يومها صار يرى الطغيان في كل نفسٍ تُسكت سؤالها، كما يراه في كل يدٍ ترتجف حين تُرفع لتقول "لا".وحين مرّ ذات مساءٍ بساحةٍ كبيرة امتلأت بالهتافات، أدرك أن الجماهير ليست سوى صدى لأصواتٍ لا تخصّها، وأن التصفيق لم يعد تعبيراً عن فرح، بل غطاءً للخوف. وقف في طرف الساحة، يراقب المشهد، وأحس أن البلاد كلها مسرحٌ للدمى، خيوطها بيد قلة، فيما البقية تتحرك دون وعي، تظن أن الحركة حرية، بينما هي دوران في حلقةٍ مغلقة.
في وحدته، كتب:"لن ينكسر الطغيان بسقوط طاغية، بل حين نكسر نحن الطاغية في داخلنا. الحرية ليست منحة تُمنح، بل مسؤولية تُنتزع. والوطن ليس ما يرسمه الحاكم على الخرائط، بل ما نحمله في أرواحنا. إن لم نتحرر نحن، فلن تتحرر البلاد، وستبقى مجرد قفصٍ أكبر من أقفاصنا الصغيرة."وحين أنهى كلماته، أغلق الدفتر ووضعه على الطاولة، شاعراً أن الكتابة هي آخر أشكال البقاء، وأن التاريخ الحقيقي يُكتب بالحبر قبل أن يُكتب بالدم. لم يكن واثقاً أن أحداً سيقرأ ما كتب، لكنه كان مؤمناً أن الكلمات، كالبذور، لا تموت، بل تنتظر مطراً صادقاً لا مطراً كاذباً.وفي صباحٍ جديد، خرج حامد إلى الشوارع، والمدينة ما تزال مثقلة بالغبار والخوف، لكنه سار وفي داخله يقينٌ صامت: أن الرواية لم تنته، وأن الحكاية ليست ملكاً للحكام، بل لأولئك الذين يصرّون على أن يروها من جديد، بعيونٍ مفتوحة وصدورٍ لا تعرف الانحناء.هكذا ظل اسمه، "حامد الضبياني"، ليس مجرد فرد، بل رمزاً لإنسانٍ قرر أن يقف على حافة الحقيقة، ويكتبها، حتى لو كان ثمنها العزلة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اتركوا بهرز لأهلها
- أول من نطق العربية: بين الأسطورة والتاريخ
- حين تُصبح السيولة سراباً.. المتقاعد بين جدار الجوع وجدار الس ...
- على رصيف الانتظار
- على سُلَّم العشق
- أنا لا أرى غيرَك
- عندما تبتلع الرمالُ أقدام الممالك
- وعد الحُلم
- الهويدر.. أغنية القدّاح على ضفاف ديالى
- -قلب الأنقاض الذي يتنفس-
- فقاعات الزمن: المدينة التي تسبح في الخيال
- كنفاس الشوق في منفى الروح
- نشيد الشوق
- الأمة بين سيف الغزاة وخيانة الأقرب -
- فضل شاكر.. العائد من غياب الحنين
- صباحُكِ ريما
- -ريما.. سفر العاشقين-
- المدن الغارقة: عندما تختفي حضاراتنا تحت الماء
- الأصوات الضائعة: المرأة في الظل الأدبي العربي القديم
- الغزو بالصناديق أم بالصوارم؟ حينما يتحول الإعلامي إلى -طبّال ...


المزيد.....




- مهندسون معماريون يحولون أجزاء توربينات الرياح إلى منازل صغير ...
- شاهد ما لاحظه خبير أمريكي في العرض العسكري الصيني الضخم
- -سحرها البشع-.. أسباب انجذاب الناس لدمية -لافوفو- وسط ضجة -ل ...
- كيت ميدلتون تعتمد اللون الأشقر في أول ظهور لها بعد عطلة الصي ...
- مصور يوثق مشهد -المالك الحزين- وحيدًا بين أسراب طيور الفلامن ...
- المزيد والمزيد من عمليات الترحيل من ألمانيا
- الولايات المتحدة: دونالد ترامب يريد تغيير اسم وزارة الدفاع إ ...
- بيت في حافلة ومخزن بلا سقف.. نازحو مخيمات طولكرم يروون معانا ...
- ميلوني تتعهد بحماية الإيطاليين المشاركين في -أسطول الصمود-
- الشرع يطلق صندوقا لإعادة الإعمار وجمع تبرعات بـ60 مليون دولا ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الضبياني… مراثي الطاعة وأغاني الحرية