أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - السينما الموءودة














المزيد.....

السينما الموءودة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 22:48
المحور: قضايا ثقافية
    


السينما العربية، يا أصدقائي، تحوّلت من أن تكون جسرًا إلى العالم، إلى أن تصبح جدارًا صلدًا يعكس عجزنا. لم تعد شاشة الحلم التي تحمل إلينا صورة الذات والهوية، بل غدت شاشة صدئة، متشققة، لا تُعرض عليها سوى المسوخ: أفلام تافهة، مكرورة، أبطالها مساحيق، ونجومها كراتين فارغة، تُدار بعقلية السوق الرخيص. أمام الإنتاج العالمي، نحن أشبه بعابر سبيل يقف حافيًا في سوق الذهب. هناك الصناعة تشتغل كجيش منظّم، كل عنصر فيه يعرف دوره: كاتب، مخرج، مصوّر، منتج، موزّع، نقّاد، جماهير، مهرجانات، تمويلات، رؤى… وهنا، نحن نترنّح في فوضى قاتلة، تُدار السينما عندنا بالصدفة، وبالصدفة وحدها ينجو فيلم من الغرق.في العراق، يتضاعف الجرح. بلد الحضارات، بلد سومر وبابل، بلد الذي علّم العالم الكتابة والشعر والموسيقى، عاجز عن أن يُقيم معملًا واحدًا للسينما. العراق الذي أنجب السياب ونازك والبياتي، لم يُنجب بعد سينما تليق بتلك الأسماء. لا مسارح حقيقية، لا قاعات عرض، لا استوديوهات، لا صناديق تمويل. ما لدينا هو عزم فردي لأشخاص يعيشون في الظل، يُبدعون في الخفاء، لكنّهم يُحاصرون كما يُحاصر العصفور في قفص ضيّق. السينما هنا جُرحت قبل أن تولد، وموؤودة في مهدها، مثل طفلة لم يسمح لها أن تصرخ أو تبكي.
يزيد الخزي أننا صرنا أسرى الكروبات الفنية؛ جماعات مغلقة تُشبه العصابات الصغيرة، يُديرها بعض المتنفذين من أصحاب المال أو الوجاهة. الموهبة عندهم لا تساوي شيئًا، والإبداع يُقاس بقدر ما تدفع من ولاء أو مجاملة. صار الكاتب الحقيقي، المؤلف النزيه، السيناريست الذي يشتغل على نص كأنه حياة جديدة، غريبًا منبوذًا، يطرق الأبواب فلا تُفتح، لأن الأبواب صارت تُفتح فقط لمن يملكون القدرة على التملق. لم تعد السينما فنًا، بل لعبة مصالح قذرة، مسرحها ليس الشاشة البيضاء بل كواليس ملوثة.
الأسباب كثيرة، وليست خافية: غياب الدولة الراعية، موت المؤسسات الثقافية، انحسار النقد الفني، تحوّل السينما إلى تجارة مبتذلة. لكن الأعظم من الأسباب هو الخيانة: خيانة الفنان لرسالته، وخيانة المجتمع لفنه، وخيانة المسؤول لثقافته. ولأننا خاننا الفن، خاننا الفن بدوره، وانسحب من حياتنا تاركًا لنا فراغًا مميتًا، وصورًا باهتة لا تُسمن ولا تُغني.أما المعالجات، فهي ليست أمنيات طوباوية. يمكن أن تنهض السينما إذا كسرنا قيود الكروبات، وفتحنا الأبواب أمام الشباب والموهوبين بلا وساطة. يمكن أن تنهض إذا جعلنا السيناريو سيّد الفن لا خادمه، وإذا أقمنا صناديق إنتاج حقيقية لا جيوبًا تُنهب. يمكن أن تنهض إذا آمنّا أن السينما ليست تسلية في الهامش، بل هي ذراع للفكر، وسلاح للوعي، وذاكرة للمستقبل. السينما تصنع الشعوب، تكتب تاريخها، تحفظ دمها ودموعها. لكننا نحتاج أولًا أن نكسر هذا الجدار الذي صنعناه بأيدينا من التردد والخوف.العالم يسير بخطى عملاقة، ونحن ما زلنا نحبو على ركبنا. العالم يُدخل الذكاء الاصطناعي إلى الكاميرا، ويُحوّل الفيلم إلى تجربة حسّية كاملة، بينما نحن ما زلنا نختلف على من يملك الضوء ومن يملك الظل. السينما عندهم ثورة، وعندنا محاكاة رديئة. وإن لم نجرؤ على كسر هذه الدائرة الجهنمية، فسنبقى ننتج أفلامًا مشوّهة، تُشاهدها الناس مجاملة ثم تُرمى في سلة النسيان.السينما ليست رفاهية. السينما مرآة، والمرآة إذا تحطّمت لم نعد نرى أنفسنا. نحن الآن بلا مرآة، بلا صورة، بلا وجه. وما لم ننهض لنُعيد لهذه الطفلة الموءودة حقها في الحياة، سنظل غرقى في بحر من صور الآخرين، نعيش حكاياتهم وننسى حكايتنا.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التفاهة والسفاهة: السرطان الذي يأكل الأدب العربي في القرن ال ...
- المال والسعادة.. جدل الإنسان بين وفرة الجيب وفراغ القلب
- الندم الكبير وضياع السيادة في زمن الضربات المتقاطعة...
- غبار المنافي المنقّحة
- حين يغدو البعد معبدًا للحب
- الوطن يختنق بخوفنا
- البعد
- ريما حمزة.. أنثى الوتر ومرآة البازلت
- حامد الضبياني: شاعر وفيلسوف الكلمة العربية المعاصرة بقلم فرح ...
- أوتار بابل ونايات الرافدين: الموسيقى في الحضارة العراقية وأص ...
- ميلاد النور
- الضبياني… مراثي الطاعة وأغاني الحرية
- اتركوا بهرز لأهلها
- أول من نطق العربية: بين الأسطورة والتاريخ
- حين تُصبح السيولة سراباً.. المتقاعد بين جدار الجوع وجدار الس ...
- على رصيف الانتظار
- على سُلَّم العشق
- أنا لا أرى غيرَك
- عندما تبتلع الرمالُ أقدام الممالك
- وعد الحُلم


المزيد.....




- بحضور ترامب والسيدة الأولى.. أمريكا تحيي الذكرى 24 لهجمات 11 ...
- قصف إسرائيل لقطر.. تحذير يهز أسس التحالف الخليجي - الأمريكي؟ ...
- الطاقة الشمسية: الحل الأخير لأزمة المناخ
- تشارلي كيرك: من ضحية إلى بطل؟
- الهجوم على قطر: هل يغير طبيعة العلاقة بين الخليج وأمريكا؟
- رئيس جنوب السودان يوقف نائبه عن العمل على خلفية اتهامه بارتك ...
- عشرات الضحايا ودمار واسع.. ما المواقع التي استهدفتها إسرائيل ...
- رغم رواجه عالميا.. تحذيرات من مضار شاي الماتشا
- محاولة لإحراق منزل فضل شاكر في مخيم عين الحلوة
- مشاهد مؤلمة لنزوح عائلات يهدد الاحتلال بقصف منازلها بغزة


المزيد.....

- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - السينما الموءودة