أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العالم على شفا الحافة.. سردية النار والظل














المزيد.....

العالم على شفا الحافة.. سردية النار والظل


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 11:45
المحور: قضايا ثقافية
    


العالم ليس قرية كما يقولون، ولا مجرد قارة تسافر فوق بحارها الجليدية، إنه مسرح مكتظ بالأقنعة، كل قناع يخفي وراءه عاصفة. في هذه اللحظة الفاصلة من التاريخ، تتداخل الأصوات: صوت طائرة تحلق في سماء مشبعة بالرعب، وصوت طفل يبحث عن كسرة خبز بين الركام، وصوت سياسي يخطط لمستقبل شعب كامل على طاولة المساومات. كأن الأرض لم تعد بيتًا آمنًا للبشر، بل غرفة ضيقة تغصّ بالخصوم، كل منهم يحمل عود ثقاب يلوّح به في وجه الآخر، والجميع يقترب من جدار الزيت المشتعل.
من يتأمل هذا المشهد يدرك أن العالم يعيش مرحلة تشبه لحظة الاحتضار، حيث يتصارع الجسد بين أنفاس أخيرة ورغبة في البقاء. القوى الكبرى تمارس لعبة النفوذ كأنها رقصة على إيقاع الجنون: الشرق يصحو من سباته التاريخي ليستعيد مكانته المفقودة، والغرب يتشبث بكرسيه القديم وكأنه ملكٌ خائف من الانهيار، والجنوب يقف على الأطراف، مثقلاً بالفقر والجراح، يحاول أن يصرخ لكنه لا يجد من يسمع.
الحروب لم تعد حدثًا استثنائيًا، بل صارت جزءًا من الإيقاع اليومي للأخبار. أوكرانيا تشتعل كجرح مفتوح يذكّر العالم أن الحرب الباردة لم تمت يومًا، وتايوان ترقص على حافة الاحتمالات، والشرق الأوسط يواصل دورته الأبدية بين هدنة قصيرة وانفجار طويل. إفريقيا التي حُرمت من عدالة التاريخ لا تزال تُستنزف باسم التنمية، وكأنها مجرد خزان بشري ومعدني لتغذية صراعات الآخرين. كل بقعة في الجغرافيا تحولت إلى مسرح نار، كل رقعة إلى فوهة بركان تنتظر لحظة الانفجار.أما الاقتصاد، ذلك الإله الجديد الذي كان يوهم البشرية بالأمن، فقد سقط قناعه. صار الاقتصاد وجهًا آخر للحرب، حرب بلا مدافع، لكنها أكثر قسوة لأنها تطحن الضعفاء بصمت. العقوبات الاقتصادية لا تقل دمارًا عن القنابل، والانهيارات المالية تحصد أرواحًا ببطء أشد من المدافع. العملة صارت ساحة قتال، والأسواق معارك، والنفط والغاز جنودًا في جيش السياسة. في هذا السياق لم يعد الخبز خبزًا، بل صار ورقة ضغط؛ لم يعد القمح مجرد زرع، بل صار بندقية من نوع آخر.والتكنولوجيا التي بشرت الإنسان بعصر المعرفة والتحرر، تحولت إلى قيد خفي يراقب أنفاسه. مواقع التواصل، التي بدأت كمساحة للبوح، أصبحت مختبرًا لتوجيه الرأي العام وصناعة القطيع. العقول تُقاد كما تُقاد الجيوش، والحقائق تُذوّب كما يُذاب الجليد، حتى صار الفرد عاجزًا عن التمييز بين الحقيقة والوهم. إننا نعيش زمنًا تتشابه فيه الأخبار بالشائعات، وتتحول فيه الأكاذيب إلى حقائق مُعترف بها بقوة التكرار.ووسط هذه الفوضى، يطرح المستقبل سؤالاً مُرعبًا: إلى أين نمضي؟ هل نحن أمام عالم جديد يقوم على تعددية الأقطاب وتوازن القوى؟ أم أننا على أعتاب انفجار شامل يعصف بالجميع، كبارًا وصغارًا، أقوياء وضعفاء؟ ما يزيد القلق أن مركز النار لم يعد بعيدًا، لم يعد حكرًا على الأطراف، بل اقترب من القلب: من المدن التي لطالما ظنّت نفسها محصنة، من العواصم التي اعتادت أن تدير الصراع من بعيد. الآن النار تطرق أبوابها، والشرر يتطاير فوق رؤوسها.لكن التاريخ ليس كتابًا مغلقًا، بل رواية متدفقة تحمل دائمًا احتمالات الخلاص. ففي لحظات الانكسار الكبرى، يولد أحيانًا وعي جديد. ربما يقود هذا القرن المترنح إلى صحوة إنسانية تدرك أن الأرض كوكب واحد لا يحتمل مزيدًا من العبث. وربما تتذكر القوى الكبرى أن حروبها ليست إلا طلقات في صدرها هي نفسها، وأن الجنون الذي تمارسه لا يمكن أن يبقى بلا فاتورة. قد ينقذ العالم نفسه بلحظة حوار، أو بتفاهمات تُعيد توزيع القوة دون دماء، أو على الأقل بوعيٍ جماعي يُدرك أن الاستمرار في هذا الطريق يعني النهاية للجميع.العالم الآن يقف على خيط رفيع بين العقل والجنون. كل شيء ممكن: التوازن الذي يضمن بقاء الحضارة، أو الانفجار الذي يعيد البشرية إلى العدم. نحن لا نعيش حدثًا عابرًا، بل لحظة مفصلية قد تحدد ملامح قرن كامل. والسؤال الأخير يظل معلقًا في فضاء هذا الكوكب المتعب: هل يتعلم الإنسان من نيران الماضي أم يصر على الرقص فوق رماد مستقبله؟



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الصمت وطن الأرواح-
- -مجرّتان في عينيها-
- نوافذ العدم
- العراق بين سُمّ المخدّرات وسوق الأعضاء
- بين الشكّ والوفاء
- سَنا العيون
- يتيم
- السينما الموءودة
- التفاهة والسفاهة: السرطان الذي يأكل الأدب العربي في القرن ال ...
- المال والسعادة.. جدل الإنسان بين وفرة الجيب وفراغ القلب
- الندم الكبير وضياع السيادة في زمن الضربات المتقاطعة...
- غبار المنافي المنقّحة
- حين يغدو البعد معبدًا للحب
- الوطن يختنق بخوفنا
- البعد
- ريما حمزة.. أنثى الوتر ومرآة البازلت
- حامد الضبياني: شاعر وفيلسوف الكلمة العربية المعاصرة بقلم فرح ...
- أوتار بابل ونايات الرافدين: الموسيقى في الحضارة العراقية وأص ...
- ميلاد النور
- الضبياني… مراثي الطاعة وأغاني الحرية


المزيد.....




- أبرز إطلالات النجمات بأسبوع الموضة في نيويورك
- شاهد لحظة عثور مذيعة CNN على جمجمة -وحش قديم- عمره 33 مليون ...
- -هزّ المكان بأكمله-.. قرار في جزء من الثانية ينتهي بسيارة مش ...
- أجمل أزياء المشاهير في حفل توزيع جوائز إيمي 2025
- هانا أينبيندر تصرخ -فلسطين حرة- وجينيفر كوليدج تُضحك الجمهور ...
- رحلة لجوء أسطورية.. فلسطيني من غزة يتحدى الحرب والبحر ويصل أ ...
- فيديو - ترامب: الكراهية بين بوتين وزيلينسكي لا يمكن تصورها
- نساء الموساد في طهران.. أسرار العمليات السرية خلال حرب الـ12 ...
- الدنماركي فينغيغارد يفوز بسباق إسبانيا للدراجات بعد إلغاء ال ...
- زيلينسكي يعلن تقدم القوات الأوكرانية في مناطق سومي الحدودية ...


المزيد.....

- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العالم على شفا الحافة.. سردية النار والظل