أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - بين النص والسلطة: حرية الأمة ومصير العقل














المزيد.....

بين النص والسلطة: حرية الأمة ومصير العقل


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8469 - 2025 / 9 / 18 - 11:06
المحور: قضايا ثقافية
    


في زوايا التاريخ، حين تتشابك القوى الروحية والسياسية، يظهر الوجه الأكثر هشاشة للمجتمعات، حيث يلتبس الحق بالسلطة، ويُستغل الدين غطاءً لكل ما هو مضر بالإنسان. لقد شهد التاريخ الأوروبي عبر العصور، منذ القرون الوسطى وحتى حقب النهضة، كيف أن الكنيسة، بسلطتها المطلقة على المعتقد والفكر، أساءت إلى حركة العلم والمعرفة، ودفنت في طياتها روح الفضيلة والحرية. فقد كان العلماء والمفكرون ضحايا لأنظمة فرضت الدين أداةً للسيطرة، والجهل غطاءً للتنكيل والقتل، بينما استمر رجال الدين في تفسير النصوص بما يخدم مصالح السلطة، تاركين الحقائق العلمية والحياتية مطمورة تحت ركام الخوف والخرافة.
والأمر ذاته، بنسخ مختلفة، يمكن رصده في حضارات عدة، حيث تحولت المؤسسات الدينية إلى ممثلي قوة لا تمثل إلا مصالحها الذاتية، فتجردت الأمة من طاقاتها وإبداعها. وعبر العصور، كانت المرأة والفكر المستقل والحرية الفردية من أبرز الضحايا، فيما احتكر الكهنة والمؤدلجون زمام المعرفة باسم السماء والألوهية، فازدادت المسافات بين الإنسان والواقع، بين الروح والعقل، وبين الأمة ومستقبلها.أما في ظل الحضارة الإسلامية، فقد تميزت المجتمعات في أوجها بروح متقدمة من الحرية الفكرية والعدالة الاجتماعية، حيث لم يكن الدين أداةً للسلطة المطلقة، بل كان إطاراً أخلاقياً يوازن بين الروح والعقل، بين القيم الإنسانية والمصالح العامة. لكن الأفول جاء، حين اختلطت الخيانة بالسياسة، وتسللت الأجندات الشخصية على حساب المصلحة العامة، فأفقدت الأمة بريقها، بينما ظل التاريخ يذكر أبطالها الحقيقيين من رجال العلم والمعرفة والشجاعة الذين بنوا حضاراتهم بأيديهم.اليوم، علينا أن ندرك أن رجال الدين، مهما علا شأنهم الروحي أو الجماهيري، ليسوا وحدهم من يصنع الأمة، ولا ينبغي أن تكون لهم السيطرة المطلقة على السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة. فالدول الحقيقية تبنى بالعلماء والمثقفين والمبدعين، بأولئك الذين يدافعون عن حرية الفكر وكرامة الإنسان، الذين يسهرون على تقدم الأمة ورفعتها، لا بالفتاوى التي تُستغل لأغراض شخصية أو سياسية، ولا بالآيات التي تُحرف لتبرير الجور والظلم.إن المجتمعات القوية هي التي تفصل بين سلطة الروح وسلطة الدولة، بين الدين كقيمة روحية تعزز الأخلاق والرحمة، وبين السياسة كأداة لتسيير شؤون الناس وتحقيق العدالة. ولذا، فإن احترام المؤسسات الدينية في إطارها الروحي أمر محمود، لكن وضعها في قلب السلطة وإسناد قرارات الدولة الكبرى إليها، هو خطأ تاريخي يكرر نفسه إذا لم يُنبه له العقل والمجتمع. فالدول تحتاج إلى معمار العلوم، لا معمار الخوف؛ إلى حكماء يحكمون بالعقل والعدل، لا فقهاء يفسرون النصوص لخدمة مصالح ضيقة.
وفي هذا السياق، يظل العقل هو الدرع، والمعرفة هي السيف، والحرية هي الأرض التي تُزرع فيها بذور الحضارة. فلتنطلق الأمة نحو المستقبل، من دون الخوف من مواجهة كل ما يحد من فضاء الفكر، ومن دون السماح لأي سلطة أن تحتكر الحق باسم الدين، ولتبقَ المساجد والحسينيات والكنائس أماكن للروحانية والتأمل، لا ساحات للسيطرة على الإنسان واستعباد إرادته.إننا حين نحمي العلم والمثقفين، ونمنحهم المساحة لتطوير الأمة وبناء مجتمع قوي متوازن، نؤسس لحقبة جديدة من الوعي، حيث يُحترم الدين كقيمة إنسانية، وتُحترم الدولة ككيان يسهر على مصالح الجميع، بعيداً عن الاستغلال والتحكم باسم السماء، بعيداً عن الظلم وفساد السلطة. إن الأمة التي تحمي علماءها، وتحترم مفكريها، وتسمح بحرية الفكر، هي وحدها القادرة على النهوض، وإعادة البريق الضائع إلى صفحات تاريخها العريق.
في النهاية، على كل من يرفع شعارات الدين في السياسة أن يتذكر أن القوة الحقيقية للأمة ليست في النصوص وحدها، بل في التطبيق العقلاني والوعي الجمعي، في الحرية التي تخلق الإبداع، وفي العلم الذي يفتح أبواب المستقبل. وبهذا، تظل الأمة صانعة نفسها، حامية كرامتها، بُناة حضارتها، دون أن تصبح أداة في يد أي سلطة، مهما علت شعاراتها الروحية.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا ربّ، لا أحتملُ عينيها
- -طقوس الجسد وديانة القبلة-
- العراق بين صناديق الموت وأقنعة الخيانة-.
- المحطات المغبرة… دموع على أطلال الحرب
- -النجوم التي تعبت من الحراسة-
- العالم على شفا الحافة.. سردية النار والظل
- -الصمت وطن الأرواح-
- -مجرّتان في عينيها-
- نوافذ العدم
- العراق بين سُمّ المخدّرات وسوق الأعضاء
- بين الشكّ والوفاء
- سَنا العيون
- يتيم
- السينما الموءودة
- التفاهة والسفاهة: السرطان الذي يأكل الأدب العربي في القرن ال ...
- المال والسعادة.. جدل الإنسان بين وفرة الجيب وفراغ القلب
- الندم الكبير وضياع السيادة في زمن الضربات المتقاطعة...
- غبار المنافي المنقّحة
- حين يغدو البعد معبدًا للحب
- الوطن يختنق بخوفنا


المزيد.....




- حادث غريب يفضح سائقًا ويورطه مع الشرطة.. والصدمة مما وجدوه ف ...
- برج جديد في دبي بكلفة 1.6 مليار دولار يجسد الطموح العقاري نح ...
- هل تتحدث أثناء نومك ولا تعرف ما الأسباب؟
- بعد وقف برنامج جيمي كيميل.. ترامب يقول إن شبكات البث تخاطر ب ...
- هيندل يؤسس حزب -الاحتياط- في إسرائيل: خدمة إلزامية ولجنة تحق ...
- المتظاهرون يتجمعون في القدس مطالبين بإنهاء الهجوم على غزة
- المتظاهرون يتجمعون خارج استوديو جيمي كيميل بعد تعليق العرض
- توقيف مشتبه به في هجوم باريس 1982.. وماكرون يشيد بتعاون السل ...
- برلين تجدد عزمها -إصلاح- دولة الرفاه وسط صعود المعارضة الشعب ...
- ماكرون: الاعتراف بدولة فلسطينية هو -أفضل طريقة لعزل حماس-


المزيد.....

- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - بين النص والسلطة: حرية الأمة ومصير العقل